أزمة جديدة في العراق: طرح القضاء بديلاً لمفوضية الانتخابات

للشهر الرابع على التوالي، تفشل الكتل السياسية في البرلمان العراقي بالتوافق على تشكيل مجلس جديد لمفوضية الانتخابات أو حتى قانون ينظم عملها، على الرغم من اقتراب الموعد المفترض لبدء التحضير للانتخابات المزمع إجراؤها في إبريل/نيسان المقبل، وهو ما يطرح فرضية إعلان حكومة تصريف أعمال لعام واحد برئاسة حيدر العبادي لحين الاتفاق. وتؤيد هذا الطرح أحزاب وكتل سياسية عدة، في الوقت الذي بدأت فيه كتل أخرى بطرح بديل لمفوضية الانتخابات التي انتهت مدتها القانونية في يونيو/حزيران الماضي، وهو تكليف السلطة القضائية بالمهمة من خلال إشرافها على الانتخابات وتنصيب القاضي الأول في كل مدينة كرئيس دائرة انتخابية ومشرف، مع الإبقاء على الموظفين العاديين العاملين في المفوضية والاستعانة بوزارة التربية من خلال الكوادر التعليمية للمساعدة في تنظيم عمل مراكز الاقتراع.

” إلا أن الطرح الجديد والذي تؤيده كتل عدة، من بينها الكتلة التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وكتلة “الفضيلة” وكتلة “بدر” وسياسيون محسوبون على مليشيا “الحشد الشعبي”، لا يجد موافقة من الكتل الأخرى التي تعتبر أن القضاء في العراق غير قادر على إدارة المهمة في ظل شكوك بعدم نزاهته وتداخل السياسيين معه، ما سيؤدي إلى عدم الوصول إلى نتائج نزيهة في الانتخابات. ويشفع لهم بهذا الطرح أن الجهاز القضائي تمت إعادة بنائه في زمن المالكي نفسه، ورئيسه السابق مدحت المحمود المتهم بولائه للمالكي، أحيل إلى التقاعد قبل عام ضمن إصلاحات رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

ولم يستطع البرلمان العراقي تشكيل مفوضية انتخابات جديدة، في وقت لم يتبق سوى تسعة أشهر على انتهاء ولايته، الأمر الذي يقلل من فرص إكمال الاستعدادات لإجراء الانتخابات خلال الفترة المتبقية، وهو ما لا يصب في صالح بعض الأحزاب والكتل السياسية التي تعول على الانتخابات المقبلة.

وبات تشكيل لجنة قضائية عليا تتولى مهمة الإشراف على الانتخابات، هو الطرح السائد اليوم لبعض الكتل السياسية في العراق، ما قد يؤدي إلى دخول البلاد في أزمة جديدة تضاف إلى سلة الأزمات السياسية الحالية. وفي هذا السياق، قال قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم في العراق لـ”صحيفة العربي الجديد”، إنّ “الجهات السياسية والأحزاب التي تخشى على مستقبلها السياسي في حال تأجلت الانتخابات، تبذل جهوداً وتعقد اجتماعات مستمرة في محاولة لإيجاد حل لتلافي تأجيل الانتخابات”، موضحاً أنّ “تلك الجهات ومنها كتلة المالكي تسعى إلى زج السلطة القضائية في الموضوع”.

وأشار إلى أنّ “تلك الجهات استخدمت سلطتها في الحكومة والبرلمان وعرضت على السلطة القضائية تولي مهمة الإشراف على الانتخابات، كحل بديل في حال لم يتم تجاوز أزمة مفوضية الانتخابات”، كاشفاً أنّ “السلطة القضائية أبدت استعدادها الكامل لتشكيل لجان خاصة بهذا الصدد”. وأضاف أنّ “القضاء سيحدد قريباً أسماء القضاة الذين سيرأسون تلك اللجان، ومن ثم تبدأ خطوات تسمية أعضاء تلك اللجان بشكل كامل بعد أخذ الموافقات الأصولية بشأنها والحصول على إقرار البرلمان”، لافتاً إلى أنّ “مهمة هذه اللجان ستكون المتابعة والإشراف على العملية الانتخابية، في حال عدم وجود مفوضية جديدة، لتقوم بدور المفوضية”. وأشار إلى أنّ “هذا المقترح يحظى بدعم وتأييد الكثير من النواب، الأمر الذي يسهّل إمكانية التصويت عليه”.

ويستمر الصراع داخل قبة البرلمان العراقي منذ أشهر، بشأن تشكيل مفوضية جديدة مستقلة للانتخابات، إذ بدت الكتل السياسية عاجزة عن تجاوز هذه الأزمة وإيجاد حل لها. وقال رئيس لجنة الخبراء في البرلمان، عامر الخزاعي، إنّه “في حال فشل التصويت على مشروع تعديل قانون مفوضية الانتخابات، فسيعود للبرلمان اتخاذ قرار يتضمن تمديد عمل المفوضية أو التوجّه إلى القضاء”، موضحاً أنّ “البرلمان أنجز القراءتين الأولى والثانية لمشروع التعديل وننتظر التصويت عليه لزيادة أعداد المفوضين إلى 11 عضواً”.

وأضاف أنّ “البرلمان سيصوّت على تسمية لائحة المرشحين الجدد للمفوضية على الرغم من الاعتراضات والخلافات على تلك الأسماء”، لافتاً إلى أنّ “جميع أعضاء لجنة الخبراء هم من رشحوا تلك الأسماء وفقاً لآلية التصويت، لكنّ البرلمان لم يرفض أسماء المرشحين الجدد، بل رفض عرض تقرير لجنة الخبراء في جدول الأعمال”. وأشار إلى أنّه “بحسب القانون فإن جميع المرشحين الجدد هم مستقلون خلال فترة عملهم في المفوضية ولا يشاركون في أي نشاط سياسي أو حزبي ينتمي له المرشح”.

” ويؤكد مراقبون أنه من الصعوبة تجاوز أزمة تشكيل مفوضية الانتخابات، في وقت لا يمكن فيه وفقاً للأطر القانونية أن تعمل اللجنة القضائية عمل مفوضية الانتخابات. وقال الخبير في شؤون الانتخابات، معد الفضلي، “، إنّ “الحوارات السياسية تدور في حلقة مفرغة”، وإنّ “كل الطروحات المعروضة لاختيار المفوضية لم تلاقِ تأييداً من اللجنة، الأمر الذي يرجح عدم القدرة على تجاوز الخلاف، ما يدفع الأحزاب السياسية إلى السعي للجوء إلى القضاء”.

وأكد الفضلي أنّ “تلك الكتل التي ترى نفسها متضررة من تأجيل الانتخابات، تسعى بكل جهودها لإيجاد حل لإجراء الانتخابات في كل الأحوال، ولجأت إلى هذه الخطوة محاولة التحايل والالتفاف على العملية الانتخابية في البلاد”. وأضاف أنّ “خطوات الاستعانة بالسلطة القضائية ليست خطوات قانونية، ولا يمكن للسلطة القضائية أن تعمل بدلاً من مفوضية الانتخابات”، مشيراً إلى أنّه “من واجب الأحزاب السياسية أن تعمل على تجاوز الخلافات السياسية بشأن مفوضية الانتخابات، بدلاً من السعي للاستعانة بالقضاء وغيرها من الخطوات غير المجدية”. وأكد أنّ “هذه الخطوة ستواجه الفشل حتماً، ولا يمكن لها النجاح، وأنّ الانتخابات لا يمكن لها أن تجري من دون وجود مفوضية الانتخابات”.

ZNA- أربيل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here