الترتيق والترقيع وتفريط الطبيب

علي علي

نصيحة ضمّنها شاعرنا الشعبي في قصيدة قالها محذرا ومنذرا من سلوك يتبعه بعضنا، لا نجني منه غير الخذلان والخسارة، وبالتالي الندم والتحسر، إذ يقول:
من البير لو مي شربت
بالك تذب بيهه حجر
لابد تعود وترتوي
ويحودك عليهه القدر
منذ صغرنا ونحن نسمع أمثلة تعكس تجربة تأخذ بتعاقب الأزمان دور الموعظة والدرس لمن يتعظ ويسترشد، منها المثل القائل؛ (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، وقطعا لنا في سني حياتنا كعراقيين أعظم أرشيف، يوضح لنا بالتفصيل فحوى هذا المثل، إذ هو يتجسد فيمن يعتلون صهوة القيادة في مفاصل البلد، فهم لايبرحون إثارة النزاعات فيما بينهم بين الفينة والأخرى، فكأنهم (شرايج) او ضرائر يستحيل الانسجام بينهم.
كذلك من أمثلتنا القديمة التي كان أهلونا يرددونها على مسامعنا مرارا وتكرارا، هو المثل؛ (الحايط لو مال يوگع على أهله).. وقطعا ماكانوا يريدون من تكراره على مسامعنا إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا حتما، وإن لم يصبنا ينل منا شرره وشره. فترعرعنا على مبدأ الوقاية من المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابي فراس الحمداني:
“إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”
اليوم يمر عراقنا بظرف عصيب خطير، ويواجه مخططات و “طبخات” على قدم وساق، بغية تفتيته أرضا وشعبا وإرثا وثروات، إذ تتكالب عليه قوى ضالة بأهداف لاتخدم فردا واحدا يعد نفسه عراقيا، هي قوى لايمكن التقليل من شرها او الاستهانة بها، لاسيما وقد تعاونت فيها من الداخل أحزاب وأشخاص لها مآرب أشبه ماتكون بمآرب (أبو رغال)، راسمة على مايلائم مصالحها خريطة عراق مشتت، دون أن تأبه الى ماقد يصيبها من شتاته ضرر، وإن لم نأخذ بعين الاعتبار الأمثلة التي ذكرتها آنفا، ونطبقها في حياتنا الخاصة والعامة على حد سواء، فإن الحال سيسير نحو الهاوية والمنزلق الخطير. وكذلك علينا العمل بجد وبجهد واحد يفضي بنا الى النجاح والفلاح في حياتنا. وعلينا توقع السيئ ممن يضمرون السوء لنا، وقد قالوا سابقا: (اللي يسوگ المطي يتحمل…) وكما معتاد.. “تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن”. إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم لخيارات نفسه الأمارة بالسوء، والتي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب، من دون النظر الى عائدية الخراب عليه او على أهله. ومن هؤلاء اليوم نجد الكثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، غير مبالين لمستقبل البلاد وبالتالي هو مستقبلهم أيضا.
إن في عراقنا الجديد تراكمات من عقود سابقة، بل قرون جاءت بسبب الاحتلالات التي تعاقبت على حكمه، ومن غير المعقول ان نبلغ من القوة مبلغا يمكّننا من التغلب على تجاوز تلك العقبات كلها، مضافا اليها العقبات التي خلفها لنا النظام السابق، فضلا عن التي استحدثها ساسة مابعد عام 2003، ومن غير المعقول ولا المقبول أيضا، أن نضيف ونجدد بشكل يومي مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه، فيكون صنيعنا حينها كما يقول المثل: (چمل الغرگان غطة).
أما الحل الناجع في حال كهذه، فلا يمكن استيراده من دولة شرقية او غربية، إذ علينا -علينا فقط لا على غيرنا- استحداث الحلول للوقوف أمام تيارات كثيرة تعاكس مسار سفينتنا، وقد آن الأوان -إن لم يفت بعد- للملمة جراحنا وهندمتها وتطبيبها بالعلاج الشافي بشكل جذري، لابترتيقها سطحيا وترقيعها شكليا، فحينها يكون الحال كما وصفه البحتري:
إذا ما الجرح رُمّ على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here