قصفها صدام بالغاز.. حلبجة الكردية تتطلع لأيام أفضل من خلال الاستفتاء

عندما أزهقت الغازات السامة أرواح الآلاف من الأكراد في حلبجة عام 1988 لم يتصور سكانها قط أنهم سيفلتون من قبضة صدام حسين ولم يخطر على بالهم أن يشاركوا يوما في استفتاء على الانفصال عن العراق.

ومن المتوقع أن يحصل الأكراد الذين تعرضوا للظلم منذ فترة طويلة في شمال العراق على فرصة للإدلاء بأصواتهم يوم الاثنين رغم المعارضة الشديدة من حكومة بغداد والقوى الإقليمية التي تشعر بأن الاستفتاء يمثل تهديدا لها.

وسيمثل الاستفتاء لحظة يمتزج فيها الفرح بالألم لأهالي حلبجة المدينة الفقيرة التي يبلغ عدد سكانها نحو 75 ألفا مازالوا يواجهون آثار الهجوم الذي شنته قوات الحكومة العراقية.

وفي نصب تذكاري لتخليد ذكرى الضحايا أقيم تمثال لعمر خاوار الذي ظهرت صوره في مختلف أنحاء العالم وهو يحمل رضيعيه التوأمين القتلين وأصبحت رمزا للمأساة التي شهدتها حلبجة.

وقال سكان حلبجة الذين التقت بهم رويترز إنهم سيصوتون بنعم في الاستفتاء على الاستقلال. غير أن تفاؤلهم كان مشوبا بالحذر.

ويتساءل السكان عما إذا كان بإبمكان الأحزاب السياسية الكردية المتصارعة تنفيذ وعودها بإقامة دولة مستقلة في وقت لم يتم فيه تلبية احتياجات أساسية مثل الرعاية الطبية المتخصصة والوظائف والبنية التحتية.

وقال برهان غريب ابن عم خاوار ”سيرقد في سلام لعلمه أننا سنصوت بنعم“.

وأضاف نحن نعتقد أن الحرية أفضل من أي شيء. لا يوجد بلد يحصل على الاستقلال بلا ثمن“.

* وحشية صدام مع الأكراد

سيصبح الاستفتاء ذروة لكفاح مستمر منذ قرن من الزمان من أجل حصول الأكراد على حق تقرير المصير.

فعندما قسم الغرب الشرق الأوسط في اتفاق عام 1916 بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية أصبح الأكراد أكبر مجموعة عرقية بلا دولة خاصة بها.

وأصبح الأكراد البالغ عددهم نحو 30 مليونا منتشرين في أربع دول هي العراق وإيران وتركيا وسوريا.

ورغم أن الأكراد تعرضوا لسوء المعاملة على نطاق واسع فقد اكتنفت وحشية خاصة مصير أكراد العراق حيث قصفهم صدام حسين بالغاز السام ودفنهم في مقابل جماعية ومنح أراضيهم للعرب.

وكانت حلبجة ذروة حملته على الأكراد.

فقد اتهم صدام أكراد حلبجة بالوقوف إلى جانب إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). وكان الهجوم بالغاز نقطة تحول إذ أكسب أكراد العراق تعاطفا في مختلف أرجاء العالم.

سقط خمسة آلاف قتيل أغلبهم من النساء والأطفال وأصيب آلاف آخرون بدءا من الساعة 1153 قبل ظهر 16 مارس آذار عام 1988 ومازال كثيرون يعانون من السرطان وأمراض أخرى نتجت عن الغاز السام.

ومع ذلك فعلى مقربة من النصب التذكاري أقيم مستشفى لضحايا المأساة واكتمل بناؤه لكنه لم يفتح قط.

وقال لقمان عبد القادر محمد الذي تمثل جمعيته أسر الضحايا ”أنا غضبان جدا جدا جدا“.

وأضاف ”ما زلنا نرسل أكثر من ألف شخص كل شهر إلى إيران للعلاج“.

وكان محمد يتحدث لرويترز في بيت عمر خاوار الذي تبرع به برهان لصالح جمعية ضحايا هجوم حلبجة الكيماوي.

وعلى الرصيف في الخارج كانت البقعة التي سقط فيها خاوار ميتا ووجهه على الأرض وهو يحاول حماية ولديه. تسرب الغاز إلى البيوت وملأ الشوارع. وتوفيت زوجته وبناتهما الثمانية.

وبعد سنوات تمتع الأكراد بحماية غير مسبوقة عندما أقامت القوى الغربية مناطق حظر للطيران لحمايتهم من سلاح الجو العراقي في أعقاب حرب الخليج عام 1991.

وتمكن الأكراد بفضل الإطاحة بصدام حسين عام 2003 من إقامة منطقة الحكم الذاتي الخاصة بهم في نهاية المطاف.

* معارضة للاستفتاء

غير أن الدول المجاورة انتابها القلق من أن تشجع طموحات أكراد العراق أكرادها على الثورة طلبا للتغيير.

رغم تلك المخاوف التي ضخمها الاستفتاء بدت الفرحة على الأكراد وهم يلوحون بالأعلام في الشوارع قبل الإدلاء بأصواتهم.

وبدت حلبجة أقل حماسا على النقيض من مدن أخرى علقت فيها على المباني لافتات لجذب الاهتمام بالاستفتاء.

وقد قاوم الرئيس الكردي مسعود البرزاني ضغوطا من تركيا وإيران وكذلك من القوى الغربية لتأجيل الاستفتاء خشية أن يؤدي إلى فوضى إقليمية.

تعمل كاشوار مولود مرشدة سياحية في المتحف. وهي تقول مثل الآخرين إنها أصيبت بالسرطان من جراء الهجوم وتضطر للسفر إلى مدينة كبرى للعلاج كل شهر.

وهي لا تريد أن ينسى أحد المجزرة. فهي تصحب الزوار في البداية عبر حجرة يبرز فيها تاريخ حلبجة السياسي وثقافتها الغنية.

ثم يعاد عرض الصور الرئيسية ليوم الهجوم مع أشياء تمثل تذكارات بمن كانوا وراء تنظيمه.

ومن هذه التذكارات الحبل الذي يقول المسؤولون في المتحف إنه استخدم في شنق على حسن المجيد ابن عم صدام والذي اشتهر باسم ”علي الكيماوي“ لتوجيهه سلسلة من الهجمات الكيماوية على الأكراد بما في ذلك حلبجة.

وعلى مقربة منها شهادة الوفاة التي صدرت باسم صدام حسين بعد إعدامه في أعقاب محاكمته.

إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالمستقبل يطرح أكراد حلبجة تساؤلات عما إذا كان أي شيء سيتغير.

وقالت كاشوار لم يستثمر أحد أي شيء في حلبجة باستثناء هذا المتحف“.

* منافسات سياسية

نكب الإقليم لفترة طويلة بخلاف سياسي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس له منذ أمد بعيد بزعامة جلال الطالباني. وتفاقم التنافس في أحدث حلقاته بتمديد فترة ولاية البرزاني.

ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على الشطر الغربي من الإقليم في حين يمتد نفوذ حزب الاتحاد الوطني شرقا حيث تقع حلبجة. وكان الحزبان قد خاضا حربا أهلية خلال التسعينات.ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين الأكراد للتعليق على اتهامات بأن حلبجة نالت منها يد الإهمال.

تعيش جالاويش كريم (70 عاما) على الناحية الأخرى من الشارع المقابلة لبيت عمر خاوار السابق. وهي لم تعتمد قط على أي زعماء سياسيين أكراد في مساعدتها منذ أن دمر الهجوم حيها وقتل 70 من أقاربها بمن فيهم ابنها.

وقالت ”البرزاني والطالباني لم يفعلا شيئا لنا. أعدنا بناء بيوتنا بأنفسنا.“ وضحكت عندما سئلت عما إذا كانت الحكومة المركزية في بغداد قدمت العون.

وبالنسبة للبعض من أمثال جبرائيل عمر مازال ماضي حلبجة المظلم لا الطريق إلى الاستقلال هو القضية الغالبة.

إذ يتناوب جبرائيل ووالدته على زيارة المقبرة الجماعية التي دفن فيها 33 من أفراد أسرتهما في الأيام التي أعقبت الهجوم.

وقال في المقبرة ”لن أصوت بنعم أو بلا“.

ويخشى بعض السكان أن يفتح الاستفتاء الباب لمزيد من إراقة الدماء في المنطقة في ضوء المعارضة الشديدة من جانب تركيا وإيران. وقد وصفت حكومة بغداد الاستفتاء بأنه غير دستوري.

وقد ازدادت التوترات بين الفصائل الشيعية التي تدعمها إيران والمقاتلين الأكراد الذين تعاونوا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

ورغم الغموض يقول محمد رئيس جمعية ضحايا حلبجة إنه لابد من تقديم تضحيات من أجل الحرية. وكان قد فقد أبناءه ووالدته وزوجته ومازال يعاني من مشاكل صحية.

وقال ”الصراع (بين الأكراد والفصائل الشيعية) سيحدث ربما لا يحدث اليوم أو غدا. لكن لا بد من حدوثه“.

وأضاف ”غير أننا سنكون على ما يرام في نهاية المطاف. فقد مات 100 مقاتل من حلبجة وهم يقاتلون داعش (تنظيم الدولة الإسلامية. ويمكننا أن نرسل 100 آخرين لمحاربة الفصائل“.

إعداد منير البويطي للنشرة العربية – تحرير لبنى صبري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here