عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (٧)

نـــــــــزار حيدر
نخطأُ عندما نقرأَ عَاشُورَاءَ؛
أَوَّلاً؛ متقطِّعةَ الأَوصال ومُستجزءة، فنفهمَ بعضَها ونتجاهلَ بعضَها! كما نُريدُ لا كما هيَ!.
ثانِياً؛ من خلالِ خطيبٍ ما أَو شعيرةٍ مُعيَّنةٍ أَو مُمارسةٍ وَاحِدَةٍ!.
لماذا؟! وكيف؟!.
لقد أَشارَ القرآن الكريم إِلى ثقافة التَّجزئة والتقطيع في القِراءة والفهم، فاعتبرها أَحدُ أَخطر الأَسباب التي تقودُ الانسانُ إِلى الهاوية، فقال عزَّ مَن قائِل {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وفِي أُخرى يُشيرُ القرآن الكريم إِلى النِّهايات التَّعيسة التي يتوصَّل إِليها من يجتزِئ الوحي وسبب ذلكَ بقولهِ {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.
إِنَّ من ينتهج هذه الطّريقة في القراءة إِنَّما يسعى لاستنطاقِ الموضوع بما تهوى نَفْسهُ وليس كما هو في حقيقتهِ! فيتقوَّل ويُحمِّل الأَمرَ ما لا يطيقُ لا كنصٍّ ولا فلسفةٍ ولا واقعٍ وحقيقةٍ! وأَنَّ مثلهُ كمثلِ من يختلِق نصّاً ويسعى لتركيبهِ على السِّياق العام، كما يحدِّثنا القرآن الكريم عن ذَلِكَ بقولهِ {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} وهذا النُّموذج السيِّء هو الذي يقود مجتمعاتِنا عادةً إِلى الهلاكِ كما نرى ذلك اليوم واضحاً في كلِّ مكانٍ خاصَّةً في المنْهَجِ الوهابي التَّكفيري! أَمّا القِراءات الصَّالحة والسَّليمة فتُحدِّثنا عنها الآيةِ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}.
عاشُوراءُ هي الأُخرى، باعتبارِها المُترجم الحقيقي للقرآن الكريم في المُواجهةِ الأَزليَّة بين الحقِّ والباطل، تتعرَّض دائماً لما يتعرَّض لَهُ القرآن الكريم! فبينما يقرأها الجهلة والأُميُّون بطريقةٍ عاطفيَّةٍ متهافتةٍ لإفراغِها من محتواها وجوهرها الرِّسالي العظيم لدرجةٍ أَنَّهم يخترعونَ القَصص ويبتكرونَ الأَعاجيب من أَجْلِ تحقيقِ غرضهِم الدَّنيء للاتِّجار بها! يقرأَها آخرون من خلالِ نصٍّ مشكوكٍ فيهِ مثلاً أَو خطيبٍ لا يعطي للمِنبرِ حقَّهُ أَو روايةٍ ضعيفةٍ تقلِّل من قيمة الذِّكرى أَو حتَّى من خلالِ بعضِ الشّعائر والممارسات العاشورائيَّة المُختلف عليها! بينما يطعن بها آخرونَ بتوظيفها سياسيّاً أَسوءَ توظيفٍ! وهم السياسيُّون الفاسدون والفاشِلون الذين يدَّعون إِنتماءهم لعاشوراءَ لتغليفِ إِنحرافاتهِم بغلافِ القَداسةِ المزيَّفة لخدمةِ أَجنداتهِم الحزبيَّة الضَّيِّقة من خلالِ الاتِّجار بالشَّعائر الحسينيَّة لتضليلِ السذَّج من النَّاسِ! فتراهُم الآن مشغولونَ بنصْبِ الخِيام والسُّرادقات وإِقامة مجالس العزاءِ والظُّهور في الاعلام وأَحدهُم في حالةِ توزيع الشَّاي على المواكب أَو يُمسكُ المِغرافة يُخوط بها قِدر القيمةِ وهكذا [صوِّرني وآني ما أَدري]!.
كلٌّ يقدِّم لنا عاشُوراء مختلفةً تماماً عن الحقيقة! إِنَّهم يخلقونَ لنا كربلاء بمقاساتهِم وبما تهوى أَنفسهُم!.
إِنَّ القراءة المُستقطعة أَو النّاقصة أَو أُحاديَّة الجانب لعاشوراء تضلِّل المرء فلا يمكنهُ أَن يستوعبَها بالشَّكل المطلوب، فيخسرها! فعاشوراءُ مسارٌ كاملٌ ومتكاملٌ إِمَّا أَن نقرأَهُ كما هو وإِلَّا فلا يمكن فهمهُ فنُصابُ بالتَّضليل!.
ومن شروطِ القراءة السَّليمة غير المُجزَّأَة أَو المُجتزأَة لعاشوراء؛
١/ أَن نقرأَ المنْهَجِ والمسؤُول في آنٍ واحِدٍ وعلى جانبَي المُعادلة! إِذا أَردنا أَن نعرِف لماذا كانت كربلاء؟! فنقرأَ شخصيَّة الحُسين السِّبط (ع) ونهجهُ من جانبٍ ونقرأَ شخصيَّة الطَّاغية يَزيد ونهجهُ من جانبٍ آخر!.
٢/ أَن نقرأَ الظُّروف والمُلابسات والتطوُّرات التي شهدها المجتمع آنذاك وعلى مُختلفِ المستويات، فالحدثُ، أَيَّ حدثٍ، هو نتاجُ ظروفٍ ولم يأتِ من الهواء أَو بالصِّدفة أَو ينزل من السَّماء إِلى الأَرض!.
٣/ وعندما نقرأ ينبغي أَن نتسلَّح بالإنصاف وبالرُّوح العلميَّة التي تحقِّق وتدقِّق ولا تتأَثَّر بالأَجواء والشَّائِعات والتَّزوير وغير ذلك، خاصَّةً وأَنَّ عَاشُورَاءَ كما أَسلفنا، تعرَّضت وتتعرَّض لمساعي الطَّمس والمحو والتَّزوير بشَكلٍ مُستمِرٍّ.
٢٦ أَيلول ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here