عندما تصبح التعريفة الجمركية عنصر معطل للتنمية الاقتصادية

محمد رضا عباس
تستخدم الضرائب الجمركية على الاستيرادات من اجل هدفين أساسيين , مصدر دخل للدولة الوطنية للدول النامية وذلك لضعف جهازها الضريبي في هذه البلدان , والهدف الثاني هو لحماية المنتوج الوطني في الدول المتقدمة او الدول التي في طريقها الى التصنيع المحلي . ومع موجة العولمة التي عمت العالم في سنوات التسعينيات من القرن الماضي , فان معظم الدول الصناعية بدأت بإلغاء معظم الضرائب على الاستيرادات , الا بعض السلع القليلة . كان اسباب الغاء الضرائب على الاستيرادات ولاسيما من قبل الدول الصناعية , هو زيادة صادراتها الى العالم , حيث تصبح أسعار صادراتهم الى الدول المستوردة ارخص الى المستهلك بدون ضرائب جمركية , وثانيا ان استيرادات الدول الصناعية لبعض السلع الاستهلاكية ( الملابس , الأثاث, الأجهزة الكهربائية , بعض المنتوجات الزراعية) تكون ارخص بكثير من كلفة انتاجها محليا. هناك دراسة على سبيل المثال , تقول ان الولايات المتحدة او المستهلك الأمريكي يدخر ما يقارب 40 دولارا عن كل بلوز اجنبي الصنع ( انتاج الصين او فيتنام او الهند او بنغلادش).
هذه المنفعة التي يتنعم بها المستهلك في الدول الصناعية , جاءت بمشكلة على هذه البلدان ليست بالحسبان. ان دخول الإنتاج الأجنبي وبأسعار رخيصة جدا , قتل الإنتاج المحلي , ودفع بالمنتجين لبعض السلع الاستهلاكية بالهروب الى دول أخرى , حتى يستفيدوا من رخص الايدي العاملة فيها. الولايات المتحدة , على سبيل المثال , لا تنتج الان الملابس و الأجهزة الكهربائية (تلفزيون , ثلاجات, غسالة ملابس ومجففات) , وبنفس الوقت اصبح العمال المسرحين عن هذه المعامل يعانون البطالة , وأصبحت المساعدات الحكومية المالية لهم تكلف خزينة الدولة بالمليارات . هذا سبب توجه الرئيس الأمريكي دانلد ترامب الى تشجيع المصانع الامريكية في الخارج الرجوع الى الوطن مقدما لهم الكثير من الاغراءات الضريبية.
صناعة الواح الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة الامريكية , امتحان اخر تواجهه إدارة ترامب . حيث من المعلوم ان اكتشاف هذه الالواح جرى في مختبر BELL , في ولاية نيوجرسي الامريكية في النصف الأول من القرن الماضي , وظلت صناعة هذه المادة حكرا على الولايات المتحدة حتى نهاية القرن بعد ان وصلت هذه الصناعة الى مرحلة البلوغ , واصبح من الضروري نشرها في العالم من اجل استفادة المستهلك والمنتج من فائدة هذا الاكتشاف. حاليا , مبيعات قطاع الالواح الطاقة الشمسية عالميا بلغ ما يعادل 40 مليار دولار سنويا , واكثر من نصف المبيعات يأتي من الصين . ومع التوسع في انتاج هذه الالواح في الصين بدأت كلفة إنتاجها تنخفض , ونتيجة ذلك فقد نمى الإنتاج السنوي لهذه السلعة في الصين بنسبة 18% , بينما بلغ النمو لهذه المادة في الولايات المتحدة الامريكية 0.4% في السنة فقط . هذا النمو البطيء أصبحت تعاني منه الشركات المتبقية لإنتاج هذه المادة داخل أمريكا والتي لم يبقى منها الا شركتين فقط. كلا الشركتين اصبحتا تعانيان من استيرادات الالواح الرخيصة من الصين , وأصبحت إدارة كلا الشركتين تطالب الإدارة الأمريكية بحمايتهما من خلال فرض الضرائب الجمركية على استيراد الالواح الشمسية من الخارج. الضريبة سوف تضاعف أسعار الالواح داخل الولايات المتحدة , ولكن يجعل من الممكن انتاجها محليا مع أرباح معقولة .
المشكلة انه , طلب المنتجين للألواح الشمسية بفرض الضراب على المستورد منه قابله رفض كبير من قبل المستخدمين لهذه الالواح المستوردة ولاسيما صناعة الكهرباء. انتاج الطاقة الكهربائية من الالواح الشمسية أصبحت تنمو بوتائر سريعة , وان فرض ضرائب جمركية على الالواح المستوردة سوف تؤدي الى توقف الكثير من مشاريع الطاقة الكهربائية . احدى الباحثات في شؤون الطاقة الشمسية قالت ” ان ارتفاع أسعار الالواح الشمسية الى الضعف سوف تؤثر تأثيرا سلبيا على 99% من المنتجين للطاقة الكهربائية”, مؤكدة على , ان فرض الضرائب على الالواح المستوردة تشبه ” تقطيع الجسم كله من اجل انقاذ خنصر يداك”. هذا الخنصر يشكل 8000 فرصة عمل في قطاع صناعة الطاقة الكهربائية من الالواح الشمسية , من مجموع 250,000 فرصة عمل يعملون في التأسيس, التشغيل , والصيانة. ولهذا السبب , هناك عدد كبير من المؤسسات البحثية في الولايات المتحدة الامريكية ترفض فرض الضرائب على الالواح المستوردة .
عراقيا , من المهم استمرار إدارة رئيس الوزراء حيدر العبادي على فرض الضرائب المعقولة على البضائع المستوردة وذلك من اجل إضافة دخل جديد لميزانية الدولة وحماية المنتجين الحاليين والمستقبليين من الإنتاج الأجنبي . كما واني لست من الرافضين للتعاون العربي وعدم استعمال الضرائب الجمركية على البضائع العربية , لأني متأكد ان شراء المواطن العراقي سلعة صنعت في مصر العربية , انما يساعد مواطن مصري في العيش الكريم , ليس عاطلا عن العمل , وكذلك استيراد منتوج زراعي من الأردن , انما يساعد مزارع عربي اردني في توفير حاجة بيته . انه جميل جدا ان تتوسع التجارة بين الدول العربية حتى يستفاد الملايين من العاطلين عن العمل سواء كانوا في سوريا او مصر او المغرب او الجزائر او الأردن. وفي اخر اتفاق عراقي -اردني، قرر العراق اعفاء 1200 بضاعة اردنية من الضرائب الجمركية . أي تدخل العراق بدون ضريبة , وذلك تصبح اكثر تنافسية مع البضائع المصنعة في العراق او البضائع المنتجة خارج العراق.
الشيء الذي أتمنى على الحكومة العراقية ان تعرفه هو ان الاخوة العربية والتعاون مع الجيران يجب ان لا تكون على حساب المواطن العراقي، وبالأخص على المواطنين القادرين على العمل ولم يستطيعوا العثور عليه. في العراق هناك تعطل واضح في القطاع الصناعي وهناك مئات الالاف من العاطلين عن العمل. وعليه , فان من العدالة والانصاف ان تطالب الحكومة العراقية المنتجين الأردنيين المصدريين لبضاعتهم الى العراق على فتح مصانع في العراق لمنتجاتهم . في مثل هذا الحال , يستفاد أصحاب الأعمال الأردنيين من أرباح السوق العراقية وبنفس الوقت يستفاد العراق من وجود معامل اردنية على ارض العراق توفر العمل للعراقيين. ان هذا الاجراء ليس بدعة جديدة وانما اجراء معمول به في كافة انحاء العالم. سوق السيارات اليابانية والكورية في الولايات المتحدة الامريكية كبير جدا , ولكن الولايات المتحدة فرضت على صناع السيارات في اليابان وكوريا الجنوبية في انتاج سياراتهم في الولايات المتحدة الامريكية حتى يستفاد المواطن الأمريكي من فرص العمل التي توفرها صناعة السيارات في بلده. في زيارتي الأخيرة للعراق , لاحظت ان الكثيرة من سيارات الأجرة هي صناعة إيرانية والكثير من السيارات الخاصة هي يابانية الصنع. على الحكومة العراقية العمل على اقناع كلا البلدين على فتخ خط انتاج لسياراتهم في العراق , وبذلك يستطيع العراق حل جزء من نسبة البطالة في العراق , رفع المستوى المعاشي لشريحة كبيرة من المواطنين , وربما فتح صناعات جديدة تحتاجها صناعة السيارات في العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here