عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (٨)

نـــــــــزار حيدر
هل نتصوَّر أَنَّ الباطلَ يخشى الظَّاهر أَم الفحوى والمُحتوى؟! وهل أَنَّ الظَّالمَ يخافُ الشَّعائر أَم الجَوهر؟! أَلقشور أَم الُّلبَّ؟!.
بمعنى آخر؛ هل أَن الطَّاغوتَ يخافُ الدَّمعة التي نسكبها على الحُسين السِّبط (ع)؟! أَم على الآثار التي تتركَها في سلوكِنا؟!.
ذاتَ مرّةٍ كانَ الحاكمُ البريطاني العام على الْعِراقِ يسيرُ في طريقهِ بصُحبةِ مُترجمهِ الخاص، فمرَّ بالقُربِ من مسجدٍ فسمِع الأَذان يعلو صوتهُ من المِئذنة! فالتفتَ الى مُترجمهِ وسأَلهُ؛ ماذا يقولُ هذا المُتحدِّث؟! فردَّ عليهِ المُترجم؛ إِنَّهُ يقولُ {أَشهدُ أَن لا إِلَهَ إِلّا الله، أَشهدُ أَنَّ محمَّداً رَسُولُ الله}.
لم يدعهُ الحاكِم يُكمل يسترسِل بالتَّرجمة فقاطعهُ قائِلاً؛ أَقصد هل أَنَّهُ يتعرَّض لسياسةِ بريطانيا العُظمى؟! فقال لَهُ المُترجم؛ لا! لا يوجدُ شيءٌ من هذا القبيل! عندها اطمأَنَّ الحاكِم وَقَالَ للمُترجم؛ إِذن دعهُ يُكمِل!.
لقد بذلَ الباطلُ كلَّ ما في وسعهِ لإفراغِ عاشُوراء من محتواها القِيَمي الرِّسالي الحقيقي فاذا نجحَ في مسعاهُ لم يعُد يخشى الشّعائر الحسينيَّة! لأَنَّ الحُسينَ السِّبط (ع) بِلا هويَّة حقيقيَّةٍ لا يُرعبُ الباطلَ وأَنَّ كربلاء بِلا موقفٍ ضدَّ الباطلَ والفساد والفشل لا يخافُها أَحدٌ! وأَنَّ عَاشُورَاءَ بِلا تمرُّدٍ على كلِّ أَنواعِ الانحراف ومحاولاتٍ لبذلِ الجُهدِ من أَجل الاصلاحِ، سواء على المستوى الفردي أَو على مُستوى المجتمعِ لا ترتعدُ منها فرائِصَ أَحدٍ!.
لقد حثَّ أَهل البيت (ع) على إِحياءُ الشَّعائر الحسينيَّة لا لذاتِها وإِنَّما للإبقاءِ على جَذوةِ كربلاء مُشتعلةٌ ومتَّقدةٌ في النُّفوس! وإِلّا ما فائدةُ دمعةٍ على الحُسين السِّبط (ع) إِذا لم تُزِل الخضوع والخُنوع والاستسلام من قلوبِنا ونفوسِنا؟! وما فائدةُ ترديدِنا قول الامام (ع) {هَيهات مِنَّا الذِّلةَّ} إِذا لم يتجاوز شِفاهنا وبقيَ شعارٌ بلا شعورٍ على أَلسنتِنا نردِّدهُ كالبَّبغاء بلا روحٍ أَو مفهومٍ أَو وعيٍ؟! فلا ينتشلنا من ذُلِّ العبوديَّة للدُّنيا وللطَّاغوت وللحاكِم الظَّالم والزَّعيم الفاسد والسِّياسي الفاشِل؟!.
إِنَّ أَخطر ما تتعرَّض لَهُ القِيم والمبادئ والرِّسالات هو عندما تُفرَّغ من جوهرِها فتتحوَّل الى شعارات وشعائر يُتاجرُ بها المُرتزقة لتضليلِ المجتمع!.
إِنَّ كربلاءَ كالجسدِ الحيِّ تموتُ إِذا فقدت روحها!.
فكيفَ نحمي كربلاء وعاشوراءَ؟!.
أَوَّلاً؛ باحياءِ الشَّعائر الحسينيَّة بكلِّ قوَّةٍ ونشاطٍ وهمَّةٍ عاليةٍ، شريطةَ إِستحضار أَخلاقيَّات الإِحياء الحُسيني الحقيقيَّة كالاخلاصِ بعيداً عن الرِّياء والثِّقة بالنَّفس بعيداً عن تشكيك المشكِّكين الذين سيشحذونَ أَلسنتهُم كلَّ عامٍ في ذِكْرى الطفِّ والتي يصفها القرآن الكريم بقولهِِ {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا* أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} والأَصالة بعيداً عن الشُّبهات والمُستحدثات التي تضرُّ بالذِّكرى وغيرَ ذَلِكَ!.
ثانِياً؛ بالوعي الرِّسالي الذي يستحضِر القِيَم السَّماوية الرَّفيعة التي ضحَّى من أَجلِها سيِّد الشُّهداء (ع) فكانت كربلاء وكانت عاشُوراء!.
لتكُن الذِّكرى بالنِّسبةِ لكلِّ واحِدٍ منَّا فرصةٌ لاعادةِ صياغة الشَّخصيَّة السَّويَّة الخالية من النِّفاق والتَّناقض وازدواج الشَّخصيَّة!.
لنُحيي عَاشُورَاءَ العِبرة وَنَحْنُ نُحييها عَبرة! نُحييها عقلٌ وضميرٌ ووعيٌ وَنَحْنُ نحييها عواطف ومشاعر وأَحاسيس! نُحييها شعيرةٌ وجوهرٌ! لنحمي كربلاءَ ونستفيدَ من عاشُوراءِ.
٢٧ أَيلول ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here