معضلات الدستور العراقي الدائم !!! الحلقة : ٥

بقلم : د. نوري لطيف *

ومن آثار المحاصصة بقاء العديد من الوزارات شاغرة ومناصب أخرى لسنوات وحتى الوقت الحاضر، لأنها أصبحت تحت تسمية حقوق واستحقاق، علماً لا يمكن أن تستثنى أي كتلة عن دورها في المحاصصة.

وأخيراً المحاصصة هي التي ولدت الفساد المالي والإداري في جميع مفاصل الدولة حتى الوزارات دخلت سوق البورصة، رغم أن العراق انضم إلى افتاقية مكافحة الفساد بتاريخ 30/8/2017 والتي تنص على ما يلي:

1- الفساد يقوض الديمقراطية والقيم الأخلاقية والعدالة.

2- يعرض للخطر سيادة القانون.

3- التعيين يجب أن يكون على أساس الكفاءة والاختصاص والجدارة والشفافية وعلى أساس المواطنة.

ومن صور الفساد المالي المستشري صرح في شهر حزيران من عام 2017 النائب أحمد الحاج رشيد مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب أنه تم تهريب (312) مليار دولار خارج الوطن.

وسبقه في هذا المجال الراحل أحمد الجلبي الذي كان رئيساً للجنة المالية في مجلس النواب حيث صرح بأنه هناك سرقة (25) مليار دولار سنوياً.

إن الحديث في معضلات الدستور العراقي دائم وطويل وذو شجون، وهنا تحضرني مرحلة ما أطلق عليها «الربيع العربي» أو «الفوضى الخلافة» كما طرحها الأمريكان، وكان ليس خريفاً تجاوز ذلك إلى شتاء قارص البرودة وصيف قائض لاهب كما حصل العام الماضي والحالي في العراق بالحرمان من الكهرباء الذي أنفق عليه حسب اعتراف وزير الكهرباء (215) مليار دولار، وكذلك النقص الحاد في مياه الشرب.

فالتيارات التي سيطرت على السلطة تدعي تمسكها بالدين الإسلامي الحنيف وقيمه السماوية العليا، ولكن للأسف في التطبيق العملي ماذا حصل ؟

في ملتقى الفكر الثاني لمنظمة حقوق الإنسان العربية في بريطانيا عام 1993، تحدث راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي، فطرح تساؤلاً «هل الإسلاميون سينقلبون على الديمقراطية إذا وصلوا عن طريقها إلى السلطة ؟» واستمر في القول «الأساس هو ضمان الديمقراطية وليس تعهد يصدره حزب أو مؤسسة أو شيخ أو حركة وإنما ضمان الديمقراطية هو وعي الشعب بأهمية حريته ودفاعه عنها. أما الوعود وكل الضمانات فلا تعدو أن تكون مجرد كلام».

وواصل حديثه بالقول: «ففي بريطانيا (وهو قد عاش فيها لاجئاً) الذي يضمن الديمقراطية ليس اعلان حزب المحافظين أو العمال، فلا يستطيع أي حزب بعد فوزه بالانتخابات أن يحل البرلمان أو الأحزاب أو إلغاء الصحف، ولذلك نتوجه إلى شعوبنا لترسيخ الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية».

والديمقراطية حسب مفهوم الغنوشي ليس التداول السلمي للسلطة فحسب ولكن الديمقراطية أكثر من ذلك، فهي منهاج لترويض خصومها على القبول بالرأي الآخر واستدراجهم إلى ساحة الديمقراطية.

والتساؤل المطروح لشديد الأسف ما هي حال تونس في الوقت الراهن ؟ فقد احتل الغنوشي وحزبه الجانب الأوفر من السلطة. ولجأ الإخوان المسلمون التصفية الجسدية لمعارضيهم.

وأما الإخوان المسلمون في مصر فأكتفي بما ذَكَرَته هاآرتس الإسرائية في باب تعداد أفضلية موسى والإخوان المسلمين بقولها «قدموا أربع مزايا خطيرة» حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية وهي:

1- التمسك بكامب ديفيد.

2- دعم الفتنة الطائفية.

3- غلق الأنفاق مع رفح.

4- اقناع حماس بعدم اطلاق الصواريخ على إسرائيل.

كل ذلك يعود بنا بالذاكرة أن مَن يقبض على السلطة تكون له اليد الطولا في العبث بالنظام القانوني، ففي عهد صدام على سبيل المثال صدرت سنة 1974 قانون الحزب القائد رقم (142) ونص على تنفيذ قرارات حزب البعث كجزء من نفس القانون على «عقوبة الإعدام بحق مَن يسيء لحزب البعث ولا ينفذ قراراته .. الخ».

كما صدر قانون رقم (145) يحظر على عضو حزب البعث بعد انتهاء علاقته بالحزب، ويعدم إذا انتمى إلى أية جهة حزبية.

ونخشى أن تتطور الأمور مستقبلاً في هذا الاتجاه في بلداننا العربية وبلدان المنطقة.

ولابد هنا من الإشارة أيضاً إلى كتب الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه «الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية» حيث يذكر فيه (ص 83): «العالم أمامه سبيلان إلى دفع الحظر وإقامة دعائم المجتمع المستقر، أحدهما أن يبدل الإنسان غير الإنسان، أو تخلق فيه طبيعة جديدة تجعله يضحي بمصالحه الخاصة ومكاسب حياته المادية المحدودة … في سبيل المجتمع ومصالحة وابدال قيم الإنسان المادية الصرفة والمصالح المادية والمكاسب الذاتية، بحب الجماعة فيولد الإنسان وهو لا يحب ذاته إلا باعتباره جزءاً من المجتمع، ولا يتلذذ لسعادته ومصلحته، إلا بما تمثل جانباً من السعادة العامة ومصلحة الجموع.

التساؤل المطروح فهل سار ورثة أفكاره على خطاه ؟

رحم الله شهداء العراق.

————————-

* ١- أستاذ القانون الدستوري والقانون العام دراسات أولية وعليا سابقا في جامعات ( المستنصرية ، بغداد،الجزائر) UCK لندن والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية لندن .

٢- رئيس قسم الدراسات العليا في معهد الحقوق والعلوم الإدارية جامعة الجزائر المركزية .

٣- عميد كلية القانون والفقه المقارن – الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية .

٤- حاليا عضو الهيئة الاستشارية العلمية في كل من جامعتي UCK

والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية لندن .

٥- المستشار القانوني للرئيس العراقي السابق . للرئيس العراقي السابق .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here