الفدرالية التي نريدها

محمد رضا عباس

لقد نفذ السيد مسعود البارزاني ما وعد به , استفتاء الانفصال و الذي صوت له 72% من الناخبين حسب ما جاء بإعلان وسائل اعلام الإقليم. السيد مسعود البارزاني مصر على الانفصال , بينما تصر الحكومة العراقية على رفض الاستفتاء ونتائجه , معتبرة ان التصويت كان مخالف للدستور العراقي. لا اشك بان ستكون هناك وساطات و نقاشات من اجل حل المشكلة , وستكون نتائجها اما الانفصال بثلاث محافظات , السليمانية , أربيل , دهوك , واما تخلي الإقليم عن فكرة الانفصال والبقاء تحت العراق الواحد , بفدرالية من ثلاث محافظات. و ان قرر قادة الإقليم بالانفصال , فسيكون من واجبهم إدارة الإقليم والتعايش السلمي مع جيرانه , ولا يحق لاحد التدخل في شؤونهم او ارشادهم عن كيفية إدارة بلدهم الجديد, وان قرر قادة الإقليم بالعيش تحت خيمة العراق الواحد الموحد , فيجب وضع النقاط على الحروف وعدم ترك صغيرة او كبيرة بدون قوانين و تعليمات مكتوبة حتى يعرف كل مخيم حقوقه وواجباته. ان العلاقة ما بين المركز والاقليم قد بنيت على خطا وبقيت على خطا حتى يوم الانتخابات. الإقليم كان يتصرف تصرف دولة مستقلة ولكن بدون دفع الاشتراك السنوي لعضوية الأمم المتحدة. الإقليم انتج وباع النفط بدون علم الحكومة، الإقليم تصرف في إدارة المطارات والمنافذ الحدودية وكأنها ملك طابو له , ومنع القائد العام للقوات المسلحة العراقية من ممارسة وظيفته كقائد لجميع القوات المسلحة العراقية , بما فيها قوات البيشمركة. لقد أسست معادلة العلاقات بين المركز والاقليم على خطا وتدخلت فيها الكثير من العلاقات الشخصية والمصلحة الحزبية والمجاملات على حساب وحدة ومستقبل العراق. لا يجوز ان تبقى هذه العلاقة بين المركز والاقليم ان رجع الإقليم الى الخيمة العراقية. فدرالية إقليم كردستان كانت غريبة عن القاموس السياسي , ولم يشاهد العالم نموذج مثل نموذج إقليم كردستان . فدرالية إقليم كردستان لا تشبه الفدرالية الامريكية او الهندية او الالمانية او الماليزية. وطالما وانا أعيش في الولايات المتحدة الامريكية وتخرجت من جامعاتها و عملت في مجال التدريس الجامعي فيها لأكثر من ثلاثين عاما , فباستطاعتي إعطاء وصف للفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية والتي اعتقد انها تشكل نموذج جيد يمكن تطبيقه على العراق و هي :

1. المواطن الأمريكي له الحق في العمل , العيش, والموت في أي ولاية يختارها , لا يحتاج لأى إقامة او فيزا او أوراق أصولية للتنقل. ربما الشيء الوحيد الذي يحتاجه المواطن الأمريكي هو تغيير إجازة السوق , حيث ان قوانين السياقة تختلف من ولاية الى أخرى.

2. لا يجوز فرض الضرائب على السلع والخدمات على البضائع المنتجة داخل البلاد في حالات نقلها من ولاية الى أخرى.

3. الثروات الطبيعية في الأراضي العائدة للحكومة الفدرالية يتم ادارتها من قبل الحكومة الفدرالية , بينما تدار الثروات الطبيعية العائدة للولايات من قبل حكومات الولايات. في كلا الحالتين , تدار منتجات الثروات الطبيعية من قبل القطاع الخاص مع فرض الضرائب المحلية والفدرالية على الريع من هذه الثروات. مناجم الفحم الحجري في ولاية ويست فرجينيا , على سبيل المثال, تدار من قبل شركات أهلية ولكن هذه الشركات تدفع الضرائب الى الحكومات المحلية والفدرالية حسب القانون.

4. لا يوجد وظيفة وزير في حكومات الولايات , كما هو موجود في الإقليم , وانما يوجد وظيفة اقسام , مثل قسم الزراعة , قسم المرور , قسم الاتصالات , وهكذا. وجود وزيرين للزراعة و وزيرين لإدارة المياه , يعطي صورة وجود فوضى في إدارة الدولة , بل عدم احترام منصب الوزير , والذي يعد من ارفع مناصب الدولة.

5. إدارة السدود والمياه يقع ادارتها 100% تحت تصرف الحكومة الفدرالية. الحكومة المركزية هي التي تقرر كيفية إدارة الثروات المائية وادامة السدود.

6. الطرق الرئيسية بين الولايات تدار من قبل الحكومة الفدرالية , بينما تدار صيانة الطرق الفرعية من قبل حكومات الولايات.

7. الحكومة المركزية تقوم بإدارة والصرف على برامج الضمان الاجتماعي , تغطية تكاليف العلاج للمرضى بعد ان تتحمل شركات التامين الصحي حصتها , الصرف على التربية والتعليم , الجيش , القضاء, والمشاريع ذات المنفعة العامة.

. الجيش تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة , بينما تنقسم الشرطة الى فدرالية و محلية. الفدرالية يتم تمويلها من قبل ميزانية الحكومة المركزية , بينما تغطي الحكومات المحلية كلفة الشرطة المحلية. وبالمناسبة , في بعض الأوقات تضطر الحكومات المحلية بتسريح شرطتها لعدم توفر الاموال الكافية لدفع اجورهم.

9. الحكومة الفدرالية تدير المطارات والموانئ والمنافذ الحكومية , ولا دخل للحكومات المحلية في ادارتها. ولكن الحكومات المحلية سوف تقدم كل الدعم للمشاريع الفدرالية لأنها توفر فرص العمل لأبناء الولايات. مطار نيويورك يدار من قبل الحكومة الفدرالية , ولكن بنفس الوقت يدر الملايين من الدولارات لولاية نيويورك وذلك من أجور كراجات السيارات , المطاعم والفنادق , واعمال كثيرة تتعلق بوجود المطار. ممتلكات الحكومة الفدرالية مفيدة أيضا للقادة الفدراليين في حالة رفض الحكومات المحلية استقبالهم. في كثير من الأحيان , يضطر الرئيس الأمريكي بألقاء خطبته في احدى مدارس الولاية او في المطار اذا كان الرئيس غير مرحب به في الولاية.

10. إدارة الاقتصاد والمالية من اختصاص الحكومة الامريكية , فلا يحق للولايات بإصدار النقود او منع جمع الضرائب الفدرالية . المواطن يدفع الضريبة الفدرالية سواء كان يعيش في الاسكا او فلوريدا , ومن يمتنع عن الدفع يكون مكانه السجن.

11. الحكومة المركزية لها الحق في حماية حياة وممتلكات المواطن الأمريكي في حالة عدم استطاعة الحكومة المحلية حمايته.

12. عدم تنفيذ قوانين الحكومة المركزية يعرض الولايات الى خسائر كبيرة. على سبيل المثال، عيد ميلاد مارتن لوثر كانت عطلة فدرالية , لم تلتزم بها ولاية ارزونا . ولكن رفض منظمو بطولة كرة القدم اللعب في ملاعبها , اضطر الولاية التخلي عن قرارها الأول. وان بعض الولايات ما زالت ترفض قانون زواج المثليين التي شرعته المحكمة الفدرالية , ولكن هذه الولايات بدأت تخسر الكثير من الاعمال مما جعلها تتراجع عن قرارها.

13. العلاقات الخارجية تدار فقط من قبل وزارة الخارجية الامريكية , ولن يتدخل حكام الولايات بالشؤون الخارجية ولا يوجد “وزارة” او “مكتب” للشؤون الخارجية في الولايات . انتقادات او قبول السياسة الخارجية الامريكية الخارجية من اختصاص ممثلو الولايات في مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي. لا يوجد هناك عرف ان يزور مسؤول دولي العاصمة واشنطن ومن ثم يزور كاليفورنيا , مثل ما يحدث في العراق , فمع كل زيارة مسؤول دولي الى بغداد يتبعها زيارة أخرى الى أربيل. هذا خطا , وعلى الدولة تنبيه الدول الأخرى الى هذا الخطأ. العلاقات الخارجية يجب ان تتم من قبل وزارة الخارجية العراقية فقط، مثل بقية دول العالم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here