استفتاء إقليم كردستان كشف المستور

محمد رضا عباس
استفتاء إقليم كردستان كشف من هو مع العراق الواحد الموحد ومن هو مع تمزيقه و تقطيع اوصاله , من هو مع التقسيم والتفكك ومن هو مع الوحدة والعيش سوية في بلد واحد يشارك فيه افراحه واتراحه في بلد عمره عشرة الاف سنة , و من وضع هم العراق فوق مصالح حزبه و مذهبه وقوميته , ومن وضع مصلحة حزبه وقوميته و مذهبه فوق مصلحة العراق . ان الأيام الخمسة قبل استفتاء يوم 25 أيلول و الخمسة أيام ما بعد الاستفتاء سوف يخلدها التاريخ وسوف يذكر أسماء الأحزاب والجماعات والأشخاص الذين وقفوا مع التقسيم ومن وقف ضده , من استغل الاستفتاء للهجوم ليس فقط على الحكومة بشتى الأسباب المبررة والغير مبررة , وانما الهجوم الوقح على المكون الشيعي لدرجة ان يصرح احد الكتاب بالقول ان الشيعة ” لا يصلحون للحكم ” , وكأن قيادة الدول تحتاج الى عرق معين او دين معين او مذهب معين او لون بشرة معينة.
لا اعتب هنا , على الكتاب الشباب , وانما على الكتاب من كبار السن والذي من المفروض ان يكون خطابهم خطاب متزن , معقول , هدفه تثقيف القارئ في الحاضر ومصدر موثوق به في المستقبل . بعض الكتاب منهم , ومن عرب العراق والمحسوبين على خط اليسار , مالوا كل الميل مع تبريرات السيد مسعود البارزاني نحو الانفصال بدعوة , مرة بطائفية الدولة ومرة بعدم إيفاء بغداد بالتزاماتها نحو أربيل , ومرة أخرى انحراف نظام بغداد عن التعاليم الديمقراطية . ولكن هؤلاء يتغاضون عن خروقات السيد مسعود البارزاني الى الدستور وجعل من حكومة الإقليم حكومة مستقلة في كل توجهاتها. السيد مسعود ورهطه يعلنون في كل مناسبة ان ” الاستفتاء هو الانفصال”, ويخرج علينا احد المحسوبين على اليسار العراقي يقول ” الاستفتاء لا يعني الاستقلال”, بل يذهب ابعد عن ذلك ليقول ان الإقليم “لا يحتاج الى استفتاء” من اجل الانفصال بعد ان يحقق الإقليم عناصر الدولة ! لا افهم كيف يفكر هذا اليساري القوي , هل اصبحنا نعيش في العصور القديمة حيث لا حدود بين البلدان ؟ بدون جيوش؟ بدون تطلعات مكونات أخرى؟ حتى الابن الذي ينتقل من دار والده الى دار اخر يحتاج لساعة للتفاهم حول ترتيب طريقة انتقاله من دار والده , فكيف ان تخرج ثلاث محافظات من جسد العراق , الا يحتاج هذا الطلاق على تفاهمات توزيع الحصص المائية , تخطيط الحدود , الترتيبات الأمنية , العلاقات المالية المستقبلية , مصير العرب في المناطق الكردية ومصير الكرد في المحافظات العربية , وربما مئات من الملفات التي سوف تحتاج الى تفاهمات قبل الطلاق. بالمناسبة ان هذا الكاتب التقدمي يدعي بانه من جماعة حماية الأقليات في العراق ويكتب عن الصغيرة والكبيرة , الا عن الأكثرية العراقية . بالحقيقة , ان هذا الكاتب التقدمي بدء بالهجوم على ايران بسبب تدخلاتها في السياسة العراقية ولكن لم يكتب سطر واحد عن تدخلات أمريكا في السياسة العراقية . هذا الكاتب المحترم يدعي ان الحكومة ” تسببت بماسي وكوارث مريرة في العراق “, ولكن لا يلوم داعش و من دفع داعش الى العراق. أقول , اذا كان النظام “الطائفي” في العراق هو الذي جاء بداعش, فهل في مصر نظام طائفي ؟ في لبيا؟ في لبنان؟ في نيجيريا؟ في مالي؟ داعش يا سيدي مشروع دولي خلق لزعزعة مناطق مختارة من العالم , ولا دخل لنظام بغداد او دمشق في خلق داعش.
لله والتاريخ , ان الكاتب الذي تطرقت عنه لم يهاجم الشيعة كمكون , وانما يدعي ان العراق تحكمه أحزاب طائفية من السنة والشيعة , ولكن ما رأيكم بكاتب اخر , وهو يدعي الالتزام بالدين , يدعي ان عدم استطاعة الشيعة في قيادة البلد هو الذي أدى بتمدد السيد مسعود البارزاني نحو المناطق العربية المحيطة بإقليم كردستان . هذا الكاتب يدعي من يحكم بغداد هم ” جملة من المتخلفين تقودهم عمائم الدين التي لا تؤمن الا بالمال والسلطة والجنس ولا غير”. هذا الدعي يدعي ان ” الشيعة ليس لديهم رجال يتمتعون بامتيازات قيادة وطن او دولة”. ويدعي ان ” عمر القيادات الشيعية ما قادت وطن وحفظت امة ..ولنا من الدولة المهدوية والفاطمية والخوارزمية والبويهية خير دليل” , وهلم جرى من التفاهات و الأكاذيب والخزعبلات . هل اصبح كفرا ان يقود حكومة في العراق رجل من المكون الشيعي وهم الأكثرية في البلد وجاء بانتخاب حر ديمقراطي ؟ وهل ان هذا الرجل هو وحده الذي يقود العراق ؟ اليس هناك السني والشيعي والكردي شركاء معه؟ ثم اين هؤلاء المعممين الذين لا يهمهم الا الجنس ؟ لا اعتب على الكاتب , حيث اتهم الرسول الاكرم من قبل بانه كان ينام مع سبعة من ازواجه في ليلة واحدة , والقران الكريم يخاطب الرسول الاكرم ” انك لعلى خلق عظيم”. أقول , وكأن الله أراد ان يكون هناك ظالم في كل مكان وزمان . أقول كيف تنكر , وانت من يكتب عن التاريخ, فضل الشيعة على الثقافة الإسلامية والعربية , وهل سيبقى للعرب والإسلام من حضارة وثقافة بدون فضل المثقف الشيعي ؟ ولكن الطائفية والحقد الأسود والشوفنية والتعالي على الاخرين هو الذي يقود البعض , ومن ضمنهم كاتبنا, بان يكتشف نظرية جديدة عن وجود عنصر قيادي واخر غير قيادي . وهكذا يطرح الكاتب عدة امثلة عن دول شيعية ولدت ثم ماتت. ولكن الكاتب نسى ان حضارات وليست دول قد ماتت وجاءت على انقاضها دول وحضارات جديدة. الدولة الفاطمية , التي يعيرنا الكاتب بها , بالحقيقة استمرت أطول من عمر الدولة الاموية . ودولة البويهيين لم يكن عمرها أقصر من عمر دولة الخروف الأبيض ودولة الخروف الأسود السنية. ولكن ماذا أقول “لكاتب” يقسم العراق الى شيعة وعراق! انها الطائفية ليس الا. والا ما معنى ان يختم مقالته بالاستنتاج بان ” العرب يندمجون مع الجزيرة العربية وتضيع الشيعة في عرب ستان وبلاد ما وراء النهر”؟ هل جاء التشيع من وراء النهر , ام زحف التشيع من الكوفة الى وراء النهر ؟ وهل ستعيش حكومة في العالم أسبوع واحد ينفجر في عاصمتها 24 سيارة مفخخة في يوم واحد , الا في ظل حكومة يقودها مواطن من المكون الشيعي ؟ إرهابي واحد مع ابن أخيه شل الشمال الشرقي من الولايات المتحدة الامريكية ما يقارب الشهرين قبل عشرة سنوات , فكيف تريد من حكومة ان تفكر بالبناء مع تفجير سيارات مفخخة يوميا ؟ وهل كان صدام حسين يحمل شهادة من جامعة جون هوبكن في السياسة ليكون قائد في العراق؟ انا لله وانا اليه راجعون. انها الطائفية.
كلا الكاتبين يعيشون وافراد عوائلهم خارج العراق، فالأول في أوربا والأخر في أمريكا , وهكذا فان كلاهما لا يحتاجون القلق على أولادهم و أولاد أولادهم وهم ذاهبون الى مدارسهم او وظائفهم من السيارات المفخخة ولا يعانون من انقطاع الكهرباء ولا يعانون من انقطاع الماء , او الاوساخ في الطرق العامة وتجمع النفايات , ولا من تدهور الخدمات الصحية او جرائم عصابات الجريمة المنظمة . أقول , مثل هذا الشعب الذي ابتلى بالإرهاب المصدر اليه من اجل القضاء على وجوده وحضارته , الا يستحق منكم الرأفة ؟ احترام ادميته؟ حقن دماءه؟ احترام مستقبل شبابه وشاباته ؟ الدعوة الى جرحاه من القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي بالشفاء؟ تشجيع القوات العراقية والحشد الشعبي بالاستمرار في معاركه من اجل القضاء على أفظع عصابات عرفتها المنطقة في العصر الحديث؟ الا يحق للشعب العراقي ان يعيش حاله حال بقية شعوب الله ؟ الا تكفيكم دماءه التي غطت شوارعه؟ الم تشبعوا من اكل لحمه؟ من اعطاكم الحق ان تعيشوا في ظل الامن والأمان وترفضون ان يعيش العراقيون على الأقل مثل الشعوب المحيطة به ؟ ما ضركم لو كتبتم مقالات تحث مكوناته على التعايش السلمي مثل المكونات التي تعيش في البلدان التي تعيشونها؟ ما ضركم لو كتبتم عن قصص نجاح البلدان التي تعيشون عليها لتكون امثلة تحفزهم نحو التحضر؟ ما ضركم لو انقطعتم عن التحشيد وزرع الكراهية بين شعب اختار الله ارضهم مهبط للأنبياء والرسل وصومعة للأولياء والاتقياء والخيرين. الا تحبون ان تموتوا وأنتم احرار من دون خطيئة؟ العراقيون لا ينسون من يساعدهم في أوقات محنتهم , ولهذا يعطون أهمية خاصة الى ” عابس” , ذلك البطل الصنديد الذي وقف مع الحسين الشهيد ساعتين فقط من حياته , فخلده العراقيون الى الابد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here