لابد من المرونة وتحكيم العقل

مرتضى عبد الحميد
في ظل أجواء التعصب والتجييش والخوف من المجهول السائدة الآن في العراق، عقب محنة الاستفتاء في كردستان، لا بد لقيادة الإقليم والحكومة الاتحادية، وكل الكتل السياسية المتنفذة، من التكفير عما ارتكبوه طيلة السنوات الأربعة عشرة الماضية من أخطاء جسيمة، بل خطايا كبيرة بحق الشعب العراقي، عرباً وكرداً وتركماناً وسائر القوميات والأقليات في بلدنا المنكوب بسياسييه وقادته قبل غيرهم.
ليس جديداً القول أن المحاصصة الطائفية والقومية، وتداعياتها السلبية، هي السبب المباشر في وصولنا إلى هذا المأزق الخطير والوضع السياسي المعقد.
إن هذا النهج الخاطئ وكما هو متوقع لم ولن يفضي إلى بناء دولة تلبي مصالح العراقيين جميعاً، وبالفعل أنتج دولة فاشلة بكل المقاييس، لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة اشدّ واخطر، لأن الائتلاف الطبقي السياسي الحاكم غير معني بمصالح الشعب والوطن، وإنما هو معني أساسا بكيفية المحافظة على مواقعه وامتيازاته في السلطة، ولهذا تخوض أطرافه الصراعات العبثية، لإعادة اقتسام المال والجاه والنفوذ بين آونة وأخرى، والكل يسعى لتوسيع دائرة تأثيره في صنع القرار السياسي وزيادة حصته على حساب الآخرين.
وبالمقابل جرى تهميش وإقصاء القوى الديمقراطية والمدنية والمستقلين وهم صمام الأمان في حفظ التوازن في العملية السياسية وتجنيبها طريق الهلاك السائرة فيه الآن، لأنهم عابرون للطوائف ولكل الهويات الفرعية، ورافضون جملة وتفصيلاً للمحاصصة المقيتة، و في ذات الوقت يناضلون لبناء دولة المواطنة، دولة القانون والمؤسسات التي تلبي مصالح جميع العراقيين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، وتضمن حقوقهم وحرياتهم، وتجعل من الكفاءة والنزاهة والوطنية معايير أساسية في تقلد الوظيفة العامة.
إن الأزمة الخطيرة الحالية، ونعني بالاستفتاء ونتائجه، جاءت في غير وقتها وصرفت الأنظار عن محاربة “داعش” وسائر الإرهابيين، وتتحمل مسؤوليتها كل هذه الأطراف دون استثناء، رغم التباين فيما بينها. وبالتالي يجب عليها أن تتحمل مسؤولية وضع الحلول المناسبة لها أيضا، إذا كانت صادقة في ادعاءاتها وتصريحاتها.
وأول هذه الحلول هو الجلوس إلى طاولة الحوار بدون شروط مسبقة، وتقديم التنازلات المتبادلة، فليس من المعقول أن يصرّ كل طرف على تنفيذ ما يريده هو ، دون مراعاة ما يريده الطرف الآخر. وخصوصاً ما يتعلق بالشراكة السياسية والمجتمعية الحقيقية، بعيداُ عن التعكز على المظلومية القومية أو الطائفية، فالشعب العراقي برمته تعرض إلى مظلومية قل نظيرها في العالمين القديم والحديث.
كما يجب الاحتكام إلى الدستور وعدم التعامل مع مواده بانتقائية أو انتهازية، فضلاً عن تحريم العمل العسكري بين أبناء الشعب الواحد، وإيقاف التصعيد والحملات الإعلامية، والاستعانة بالأمم المتحدة، ورفض التدخلات الخارجية، التي يرى أصحابها في هذه الأزمة فرصة ذهبية لتعزيز مواطئ أقدامهم في العراق.
ويمكن تشكيل لجنة وطنية منتقاة من القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية الحريصة على وحدة العراق ومصالح أبنائه وبناته، لتساعد في ترطيب الأجواء المحتقنة، وتمهيد الطريق لحوار بناء، مثمر وسليم.
فهل ينصت المتنفذون على الجانبين الى صوت العقل هذه المرة؟
سننتظر بفارغ الصبر ونأمل خيراً!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 3/ 10/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here