ألا تكفي راية واحدة؟

مرتضى عبد الحميد
إصرار قيادة الإقليم وبعض الساسة الكرد على إجراء الاستفتاء في وقت وظروف غير مناسبة أطلاقا، ادخل العراق، وبضمنه كردستان في نفق اشد ظلاماً من السابق، وربما سنفتقد ذٌبالة ضوء في نهايته لفترة طويلة.
لايناقش احد يخوض في بحر السياسة عن معرفة ودراية، في أحقية الشعب الكردي في تقرير مصيره، أسوة ببقية الشعوب، وهو الذي يمثل اكبر مجموعة بشرية على وجه الأرض، لم تستطع لحد الآن، إقامة كيان سياسي خاص بها، بسبب السياسات الاستعمارية والدكتاتورية، والاتفاقيات الجائرة بين الدول الامبريالية.
لكن حق تقرير المصير عادة مايشبهونه بحق الطلاق في الحياة الزوجية، أي أن القاعدة هي استمرار الحياة الزوجية، خاصة إذا سادها الاحترام المتبادل، والتكافؤ والتعاون والعمل المشترك. كما أن حق تقرير المصير له أشكال وتطبيقات عدة، كأن يكون حكماً ذاتياً، أو نظاماً فيدرالياً، اوكونفيدراليا، وكما أن آخر الدواء الكي، فالانفصال أو الاستقلال هو آخر الحلول وأصعبها!
كان الأولى بالأخوة الكرد أن يتهيؤوا جيداً لهذا الحدث الخطير، ويوفروا مستلزمات نجاحه أولا، لا الإسراع في ركوب خيول العاطفة، والانطلاق بها، دون معرفة أو تبصر بما ستواجهه من رياح عاتية، أو مطبات ربما يصعب الخروج منها.
وفي طليعة هذه المستلزمات، تصفير المشاكل الداخلية في الإقليم التي لاتعد ولا تحصى، ونعني بذلك ترميم البيت الداخلي الكردي المشتت حالياً، ومعالجة الصعوبات المعيشية الكبيرة، ومن ضمنها رواتب الموظفين والخدمات، وبناء اقتصاد قوي قادر على الصمود وتحقيق الحلم الكردي.
ثم العمل بصدق وإخلاص مع القوى المدنية الديمقراطية والوطنية، المؤيدة دون تحفظ لحقوق الشعب الكردي المشروعة، من اجل تغيير ميزان القوى المائل بدرجة كبيرة في الظرف الراهن لصالح القوى والكتل المتنفذة، وصولاً إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، الضامن الفعلي، لتمتع الأكراد وبقية القوميات الأخرى، بحقوقهم كاملة، دون انتقاص أو تشويه.
ولابد من التأكيد هنا أن العلاقة الطيبة مع المركز أو الحكومة الاتحادية، وموقف الرأي العام العراقي، ضرورة لايمكن القفز عليها، او تجاوزها، في غمرة التجييش والانفعالات والقرارات غير المحسوبة.
من بين النتائج السلبية للاستفتاء، انه وضع راية مهلهلة جديدة بيد الفاسدين والطائفيين، إضافة إلى الطائفية السياسية والمحاصصة، هي راية الشوفينية والتعصب القومي، وسيخوضون الانتخابات البرلمانية وفي مجالس المحافظات القادمة، تحت ظلالها، مدعين حرصهم الزائف على وحدة العراق ومصلحة العراقيين، وهم الذين أوصلوا البلد إلى هذا المأزق الخطير، وتهديد حاضر أجياله ومستقبلهم.
إذن لابد من العودة إلى طريق الحكمة والتعقل، والبدء بحوارات جدية خالية من الشروط المسبقة، والاستعانة بالأمم المتحدة والقوى الوطنية، وعدم التشبث بالمواقف المتصلبة، وان اعتقد أصحابها أنهم على حق، فكل طرف يرى الحق إلى جانبه، والحل الوحيد التلاقي في منتصف الطريق، وتغليب المشتركات وهي كثيرة على الاختلافات، سواء كانت حقيقية أم مفتعلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 10/ 10/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here