خبر اقتصادي غير سار الى تجار شورجة بغداد

محمد رضا عباس

نقل خبر عن مكتب العبادي يوم 9 تشرين الأول 2017, انه اكد على تخفيض النفقات التشغيلية ( المصاريف الحكومية غير الاستثمارية) الى الحد الذي يمكن تغطية رواتب العاملين في الدولة و تامين الرواتب التقاعدية و مستحقات الحماية الاجتماعية . هذا الخبر ليس سارا لتجار شورجة بغداد (مركز تجارة بغداد) وحدها , وانما لكل التجار في بغداد و المحافظات العراقية. السبب هو ان الحكومة من اكبر المستهلكين في البلاد وبفضل مصروفاتها التشغيلية والرأسمالية (البناء والتعمير) يضمن الملايين من افراد الشعب العراقي رواتبهم الشهرية , واستمرار أعمال المقاولين , إضافة الى المساعدات المالية والعينية للقطاعات الاقتصادية الأخرى( الخدمات , الزراعة , والصناعة).
التأثيرات الاقتصادية لانحسار المصاريف الحكومية في السنتين الماضيتين بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية أصبحت معروفة عند كل تجار في بغداد والمحافظات. بسبب هذا الانحسار في المصاريف الحكومية , كان الركود الاقتصادي او قل تمارض الاقتصاد العراقي , لان الاقتصاد العراقي ما يزال يسجل نموا اقتصاديا سنويا موجبا بنسبة 10.2% وهي نسبة كبيرة جدا قياسا ببقية الدول الأخرى والفضل الكبير يعود الى زيادة الصادرات النفطية . وهكذا لا نقول ان الاقتصاد العراقي يعاني من التراجع , ولكن بكل تأكيد يعاني من وجع الراس , وان قرار رئيس مجلس الوزراء لتخفيض تخصيصات الميزانية التشغيلية سوف يعزز هذا الصداع وسوف يقتل أحلام تجار العراق بسنة جديدة احسن من سابقتها . نمو الاقتصاد العراقي في السنة القادمة سيبقى بحدود نمو السنة السابقة , وسوف لن يشاهد التاجر العراقي الفورة الاقتصادية التي تعود عليها طيلة سنوات 2003 الى 2014.
تأثيرات قرار السيد العبادي بتخفيض حصة الميزانية التشغيلية بسبب تخفيض انتاج النفط العراقي حسب طلب منظمة أوبك , سوف لن تنتهي بالتاجر فقط , وانما سوف يؤثر على المئات من خريجي الجامعات والمعاهد العراقية والذين يحلمون بوظيفة حكومية وفتح بيوت وزواج . القرار يقول بصوت صامت ” لا تعينات جديدة ” في السنة القادمة نقطة راس سطر. ربما هذا القرار لا يؤثر كثير على خريجي كليات والمعاهد الطبية (طبيب عام , طبيب اسنان , صيدلي, او تكنلوجيا الطب), الا ان هناك اختصاصات سيكون من الصعب على حامليها الحصول على عمل او وظيفة حكومية.
ما العمل؟ الحالة الاقتصادية في العراق ليس ميؤوس منها ولأسباب كثيرة، منها:
1. ان اعداد حسابات الميزانية السنوية يتم بموجب تقديرات لأسعار البرميل الواحد من النفط في السوق العالمية , وعلى الرغم من التقدم الهائل في علم الإحصاء , الا ان التقديرات لا يمكن الاعتماد عليها 100% , ولا يعرف المستقبل الا الله عز وجل . حرب في مكان معين لا سمح الله يؤدي الى ارتفاع أسعار النفط , عدم استقرار امني او سياسي في دولة نفطية قد يؤدي الى ارتفاع أسعار النفط أيضا , وكذلك زيادة التحسن في الأداء الاقتصادي في الدول الصناعية , و ارتفاع الإنتاج الوطني في الهند والصين . وعليه , فان تخصيصات الميزانية العراقية معرضة الى الزيادة والنقصان كلما زادت او نقصت أسعار النفط في الأسواق العالمية.
2. ان قرار رئيس الوزراء لا يشمل الميزانية الرأسمالية , وهو قرار سليم جدا . لان من خلال هذه الميزانية يتم تعافي الاقتصاد الوطني او يعوض عن خسارة الاقتصاد بسبب تراجع الميزانية التشغيلية. عدم المساس بالميزانية الرأسمالية ستكون اخبار سارة الى طلاب الهندسة بكل اختصاصاتهم , خريجو الفنون الجميلة , عمال البناء , و خريجو كلية الإدارة والاقتصاد , إضافة الى خريجو كلية الحقوق. عدم تخفيض الميزانية الرأسمالية سيسبب أيضا زيادة الطلب على مواد البناء بكل أنواعها , الأثاث , الأجهزة الكهربائية , و سوق السجاد والانسجة الأخرى. وهكذا , فان بقاء الميزانية الرأسمالية بدون تخفيضها سوف تعوض الخسارة المحتملة من تخفيض الميزانية التشغيلية.
3. ان تخفيض حجم الميزانية التشغيلية وعدم التحرش بالميزانية الرأسمالية , يعطي الإشارة ان سياسة الدولة متجهة نحو دعم البناء والتعمير وهو مؤشر إيجابي لأصحاب الأموال والتجار وعلى هاتين الشريحتين التفكير بالانتقال من قطاع التجارة الى قطاع الصناعة والاعمار . بكلام اخر , بائعة الاقمشة , وهم بألاف , من الاحسن لهم الانتقال الى أي قطاع يختص بالصناعة او البناء . اعتقد ان السيد العبادي مصرا على هذا التوجه , واعتقد على العراق التوجه الى هذه السياسة لان العراق لديه خزين عاطل عن العمل يقدر بأربعة ملايين انسان . العراق جالس على برميل من بارود.
4. على الحكومة تشجيع القطاع الخاص ليس فقط بالبيانات والقرارات , وانما بالعمل والزيارات الميدانية. جميع أصحاب القطاع الخاص يعانون من المراجعات الحكومية , كلهم يعانون من المعابر الحدودية و فرض الضرائب الغير عادلة , كلهم يعانون من انقطاع الكهرباء , وكلهم يعانون من نقص الخبرة في القوة العاملة في العراق. ان العمل على حل المشاكل التي تقلق مضاجع أصحاب القطاع الخاص سوف ينتج منه اقتصاد مزدهر وبدون معاناة من البطالة.
5. التحرك الحكومي يجب ان يكون سريع وحاسم في استقبال الاستثمار الأجنبي. المستثمر الأجنبي لا يريد الدخول الى العراق والتورط في استثمار قد لا يدر عليه أرباح معقولة. احد معارفي وهو من كان يعيش في بلد اخر قرر الرجوع الى العراق وفتح مطعم في بغداد, ليكون له دخل في شيخوخته . بناء المطعم اخذ اكثر من سنة , عانى صاحبه شتى أنواع المشاكل حتى نحف جسده , واصبح يلعن اليوم الذي قرر فيه الانتقال الى بغداد. ومن استمع الى حديث النائب هيثم الجبوري عن تعامل دوائر الدولة للمستثمرين سوف يصل الى نتيجة واحدة , الله يساعدك سامي الاعرجي , مسؤول ملف الاستثمار في العراق. ان تصحيح حال قطاع الاستثمار الأجنبي سيوفر على العراق السمعة الطيبة في العالم , القضاء على البطالة , وتمشية عجلة الاقتصاد الوطني , ورفع القدرة الشرائية للمواطن العراقي. تصور ان شركة تويوتا لصناعة السيارات اليابانية قررت تأسيس شركة لصناعة سياراتها في مدينة الشطرة , في محافظة ذي قار. ان تأسيس هذه الشركة في الشطرة , ستجعل من هذا القضاء نقطة مضيئة في الاقتصاد العراقي .
6. أتمنى على المواطن العراقي ان لا يقلد موديل أبناء السعودية والدول الخليجية مثل قطر والامارات والبحرين , حيث ان الكل يريد ان يكون مدير مع فراش وسائق. لقد اكتشف أبناء هذه الدول خطأهم مؤخرا , بعد انخفاض أسعار النفط وشحة العثور على عمل وظيفي. لقد أصبح العامل الهندي والباكستاني والبنغالي الذين يعملون في قطاع الخدمات في هذه البلدان أحسن حالا من أبناء هذه الدول. بمعنى , على المواطن العراقي ان يطرق باب الخدمات بعد التدريب الجيد عليها. هناك خدمات سوف لن تموت بغض النظر عن ضعف او متانة الاقتصاد الوطني ويجب على المواطن العراقي التدرب عليها. هذه الخدمات تشمل صيانة السيارات , تصليح المعدات الثقيلة , النجارة , تصليح الأجهزة الكهربائية , تصليح الحاسوب , تصليح الآلات الدقيقة , تصليح الساعات اليدوية وانواعها الأخرى , الصباغة , الحدادة , الخدمات المنزلية , روضة الأطفال , و صيانة خطوط الماء والكهرباء . تذكر ان الركود الاقتصادي هو الصديق الحميم لقطاع الخدمات واطباء الامراض النفسية. سوف لن أكون مغاليا , لو قلت ان معدل دخل أصحاب هذه الخبرات تفوق دخل الكثير من المواطنين في الدول الصناعية , وبكل تأكيد سيكون في العراق أيضا.
7. في الظروف الاقتصادية الصعبة , يأتي البنك المركزي للإنقاذ , وفي هذه الحالة تخفيض نسبة الفوائد على القروض وتشجيع من يريد الاستثمار, عن طريق قروض مع شروط سهلة. بكل اسف , ما زالت الفائدة عالية في العراق وما زالت العراقيل بوجه المقترضين كثيرة . حان الوقت ان يقوم البنك المركزي بتسهيل عملية الإقراض كما عودنا على سياسته الاقتصادية الرصينة (بصراحة اعتقد ان البنك المركزي العراقي يقوم بواجبه على احسن ما يرام) . ان توفير القروض لأصحاب الاعمال الصغيرة والمتوسطة بدون شك سوف يوفر يؤدي الى زيادة الإنتاج الوطني ويوفر فرص كبيرة للعاطلين عن العمل. تذكر , ان الاعمال الصغيرة والمتوسطة هما اللتان توفران النسبة الكبيرة لفرص العمل في جميع اقتصاديات العالم المتقدم .
النتيجة , ان الاقتصاد الوطني العراقي سوف لن يكون في جنة ونعيم , ولكنه أيضا سوف لن يكون وسط المحيط المنجمد الجنوبي في الأمد القصير والمتوسط , الاقتصاد العراقي سوف ينمو بين 3 و5% في السنة القادمة , بسبب انخفاض إنتاج النفط العراقي و المقرر من قبل أوبك ( في حاجة الى 10% سنويا) , ولكن بكل تأكيد سوف لن يتشارك جميع العراقيون بهذه الكعكة بالتساوي . المواطن العراقي يجب ان يكون مثل المواطن الأمريكي , البقاء والازدهار للأذكياء والجديين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here