ثلاث دقائق غيرت فنلندا !

ثلاث دقائق غيرت فنلندا !

لحظة القاء القبض على المعتدي
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
في مدينة توركو الفنلندية، العاصمة التأريخية للبلاد، وفي سوق شعبي مفتوح، وسط المدينة، في 18 من آب الماضي، هاجم شاب من أصول اجنبية، تبين فيما بعد أنه طالب لجوء مغربي الجنسية (مواليد 1994)، المواطنين العزل بالسلاح الابيض، فقتل امرأتين وجرح ثمانية اخرين، وتمكنت الشرطة من الوصول الى المكان خلال ثلاث دقائق واطلقت النار على فخذ المهاجم واستطاعت توقيفه. وكانت الشرطة الفنلندية حذرة جدا في تصريحاتها حول الحادث، فلم تستبق الامور، وحرصت على عدم تسريب المعلومات الا بعد ان قطعت التحقيقات مع المعتدي شوطا كافيا لتعلن انها تتعامل مع الحادث كعمل ارهابي، ليسجل الحادث الاول من نوعه في فنلندا، ولتغير هذه الثلاث دقائق من الحياة في فنلندا بشكل كبير، ففنلندا ما قبل الحادث هي غير ما بعد ذلك !
حصل الكثير من التغيير في الجانب الامني، انعكس بشكل كبير على مجمل ايقاعات الحياة في فنلندا وخلق نوعا من التوتر المجتمعي. فرغم أن الجهات الامنية أبقت مستوى التهديد الأرهابي للبلاد عند مستوى “مرتفع”، وهي الدرجة الثانية على مقياس من اربع درجات (منخفض ، مرتفع ، مرتفع للغاية وشديد) ، وكانت رفعت ذلك اثر الاحداث الارهابية في اسبانيا، الا ان الشرطة الفنلندية أصبحت في حالة تأهب دائم، وعلى حد تعبير وزيرة الداخلية “باولا ريسكو” (حزب الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) :” لا يوجد لدينا شرطي بدون عمل”. ولاول مرة في فنلندا، وبشكل لم تشهده البلاد سابقا، صار عناصر الشرطة يتجولون في الاماكن العامة وهم يحملون اسلحتهم النارية، وبجاهزية كاملة، في اجواء ومظاهر ترقب غير مشهودة سابقة، مع الصلاحيات الكاملة بأطلاق النار عند الحاجة، اضافة الى اعلان وزارة الداخلية عن دعوة من يرغب من الشرطة المتقاعدين للعودة للعمل، والاعلان عن توظيفات جديدة في الوزارة وزيادة مخصصات عموم الوزرات الامنية، وتبعا لوزارة المالية فقد خصصت الحكومة أموالا إضافية لضمان الأمن الداخلي. واشار وزير المالية الفنلندي، وهو عمليا يشغل مهام نائب رئيس الوزراء، “بيتيري أوربو” (حزب الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) إلى أن الحكومة ستصرف 17 مليون يورو إضافية لتشديد الإجراءات الأمنية وتخصيص 5 ملايين يورو إلى وزارة العدل و12 مليون يورو إلى الشرطة والأمن. من جانبه اثنى رئيس الجمهورية الفنلندية “ساولي نينيستو” (الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) ، في خطاب له ، أمام الاجتماع السنوي للبعثات الدبلوماسية الفنلندية ، على جهود الجهات الامنية الفنلندية، ورغم انه بين أن فنلندا فيما يخص تطبيق قوانينها ملزمة بالاتفاقات الدولية، ما يخص حقوق الانسان، الا انه وبنفس الوقت أثنى على سياسة الحكومة الحالية، وكرر تصريحات رئيس الوزراء “يوها سيبلا” (حزب الوسط) في دعوته لتوسيع قوانين المراقبة وتغير الدستور وايجاد تشريعات تقر للحكومة بذلك. وكان العديد من المسؤولين الامنين سبق وان اشتكوا من الحاجة الى قوانين تسمح لفنلندا باللحاق بباقي دول اوربا في مجال الرقابة الاليكترونية لمكافحة الارهاب، حيث لا تسمح القوانين الحالية في البلاد للسلطات واجهزة الاستخبارات بمراقبة المجرمين والارهابيين المحتملين على الانترنت قبل أن يرتكبوا جريمة ما. وبينت تصريحات لوزيرة الداخلية الفنلندية في الايام الاخيرة، ان الاجهزة الامنية تقوم بمراقبة أكثر من الف شخص، بينهم 350 تحت المراقبة الخاصة من قبل جهاز المخابرات الامنية الفنلندية (سوبو)، مشيرة الى كون الاجهزة الامنية نجحت منذ عام 2012 بأحباط العديد من النشاطات الارهابية بما ذلك مهاجمة سياسيين او مدارس.
واذ يرى بعض المراقبين ان توجهات الحكومة الحالية وإذ تدفع بأتجاه لتكون أجراءتها اكثر بوليسية، فأن هناك الخشية من ان الاجراءات الامنية لمكافحة الارهاب قد تستغل لتهديد التجربة الديمقراطية في البلاد وتنتهك حقوق الانسان، حيث تجد الجماعات العنصرية، واحزاب اليمين المتطرف فرصتها لتغذية روح الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين واثارة الخوف والرعب في نفوس المواطنين الفنلنديين ، ودعا “يوسي هالا آهو”، رئيس حزب الفنلنديين الحقيقيين، اليميني المتطرف، الذي يعتقد بأن الهجرة احد الاسباب الرئيسة للمشاكل الامنية للبلاد، الى احتجاز طالبي اللجوء، االذين حصلوا جوابا سلبيا والذين لا تزال ملفاتهم تحت الدراسة، في جزر خاصة لانهم وحسب اعتقاده يصبحون عاملا خطرا يهدد امن البلاد.
وحاولت منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني وبعض الاحزاب اليسارية، من تهدئة الاوضاع، سواء بالتصريحات وانتقاد اجراءات وسياسة الحكومة اليمينية الحالية او بحضور الفعاليات التي ينظمها المهاجرين واللاجئين للتعبير عن التضامن، وتقديم خطاب متوازن يدين خطاب الكراهية ويؤكد على اهمية الحفاظ على حقوق الانسان بالرغم من كل شيء .
من جانب اخر نجد ان الاحداث المتتالية تلقي مهمات كبيرة على عموم المهاجرين واللاجئين المقيمين في فنلندا،قدامى وجدد، اهمها تقديم الصورة الحسنة والالتزام بقيم المواطنة وادانة اي سلوك مخالف للقانون، فالصحف الموالية لليمين المتطرف والجماعات العنصرية استثمرت كثيرا التجاوزات التي ارتكبها البعض من اللاجئين والمهاجرين، كحوادث السرقة والتحرش الجنسي والاغتصاب، وتم المبالغة فيها، لرسم صورة سلبية عن عموم الاجانب المقيمين في البلاد ولتغذي خطاب الكراهية الذي يخدم توجهات قوى اليمين الراغبة في البقاء في مواقع السلطة في الانتخابات التشريعية القادمة عام 2019 ولتستخدم موضوعة المهاجرين واللاجئين والارهاب كأوراق انتخابية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here