التاه – ريخ؟!!

التاه – ريخ؟!!

تاه من التيهان , وريخ من راخ يريخ ريخا: إذا ذل وانكسر , وريّخه: أوهنه ولانه , وراخ الرجل يريخ ريخا: إذا حار.

وكلما تناولنا التاريخ , ندخل في تيهانات وحيرات , فالتاريخ مفعم بالتيهان والحيرة , ولا يمكنك أن تنتهي منه بنتيجة نافعة وذات قيمة ودور في الحياة المعاصرة , فكل قوة تفصّل التاريخ على قياساتها , ومع تعدد أنظمة الحكم تتعدد المتاهات وتتنامى الحيرة والنتيجة صفر على الشمال!!

والتاريخ بصورة عامة يحتشد بالأضاليل والأباطيل والرؤى والتصورات المُغرضة , لأن الذين يكتبون التاريخ ليسوا صُناعه وإنما يدونونه وفقا لأهوائهم وتصورانهم ومواقفهم ونوازعهم وكيف يقرؤون أحداثه , وما يحصلون عليه من أموال ومنافع.

وقد عاصرنا الحالة في العقود السابقة وتمثلت أمامنا آليات التزوير والأكاذيب والتحريف للتاريخ القريب جدا , فكيف الحال مع التاريخ البعيد.

فالذين يكتبون وسيكتبون عن العقدين الماضيين يكذبون ويحرّفون ويسطرون أهواءهم بإنفعالية وعاطفية وفئوية وبمداد الدمامل المتقيحة فيهم , وهذا شأن معظم الذين كتبوا التاريخ على مر العصور والأزمان , فما أن ينتهي الحدث حتى يكون التدوين مبنيا على الذاكرة والعاطفة والموقف المُتبنى , وغير ذلك من دواعي تقديم الحدث وفقا لما يبرر مآثم وخطايا ومظالم القوة التي فازت , والتي تريد أن يكون تاريخها مسطورا بأحرف من نور , وتاريخ خصمها بأحرف من نار.

فكتابة التاريخ تعبير عن سلوك بشري بكل ما يتصل به من حالات وتفاعلات ومعطيات , ومؤثرات نفسية ومادية وتقربية من ذوي الكراسي والسلطان , ولهذا تتكرر إعادة كتابة التاريخ وفقا لمقتضيات المصالح الكرسوية , مما يعني إنتفاء الصدق وهيمنة الأكاذيب والتزويقات التي تتودد للحكام والأزلام.

ومن المعروف أن البشرية قد حُكمت بالنار والحديد فكانت الرقاب تُجز بسبب الكلام , ولا يمكن لكاتب أن يدوّن شيئا لا يتفق ومرام السلطان , ولا يمكنه أن يُظهر الحقيقة , لأن الحقيقة هي ما يُعجب السلطان , وما لا يُعجبه هو العُدوان.

وفي تاريخنا العربي لا بد من النظر للتاريخ بحذر وتمحيص علمي وتدقيق نزيه سليم , لأنه محشو بالفبركات والمرويات المؤلفة لخدمة الأغراض والتوجهات والسياسات والأهداف والأطماع , والعقائد والتصورات والغايات القريبة والبعيدة والنوايا الدفينة والظاهرة.

وفي هذا الخضم المتلاطم تتأكد الحيرة ويتحقق التيهان , ولا يمكن لمؤرخ أن ينتهي إلى نتيجة ذات قيمة وتأثير لأن هناك ما يدحضها ببرهان من الفبركات والدسائس والمَحشيات المتداولة عبر الأجيال , فالأكاذيب بتكرارها وتوارثها تصبح أصدق من الصدق المنزوي في أقبية النسيان.

فهل علينا أن نقول “تاه – ريخ” ولا نقل تاريخ؟!!
وهل أن التاه – ريخ هو الذي ألقى بنا في متاهات الحيرة والخسران , ولماذا نعشق التيهان؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here