تداعيات الاستفتاء (النفط يوحد.. النفط يفرق)

جاسم الحلفي
بكل صراحة لا يكمن جوهر الصراع بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية على شكل الدولة ولا على محتوها، ولا على بناء الدولة المدنية، ولا على التحول الديمقراطي، ولا على العدالة الاجتماعية، ولا على الحريات العامة والخاصة، ولا على الحقوق والضمانات الاجتماعية، ولا على برامج التنمية المستدامة، و على الوقوف بوجه التدخلات الاقليمية، ولا على حفظ السيادة، ولا على الاسراع في تشريع القوانين التي تسد فراغات الدستور، ولا على تنويع الاقتصاد ومصادره، ولا على تحسين الخدمات وتطوير طرق تقديمها للمواطنين. كل ذلك وغيره، وفي مقدمته حق كادحي كردستان وفقرائها والمتقاعدين في العيش الكريم، لم يكن اساس الصراع وسره. انما الصراع يدور حول المال والسلطة وامتداد النفوذ.
النفط ووارداته هو السر وهو الهدف الخفي في الصراع. موارد النفط وطرق تصديره، شرعية كانت ام عبر التهريب، هي احد اهم اسس الازمة بين احزاب سلطة الاقليم اولا. موارد النفط وحجمها وعدم الشفافية في اعلانها، هي التي اضعفت وحدة القرار السياسي الكردستاني وأخلت به. على موارد النفط وليس غيرها، يتركز الصراع الاساسي بين القوى الرئيسية في الاقليم.
سعر النفط الخادع حينما تجاوز مئة دولار للبرميل الواحد، خدر المسؤولين في الاقليم كما غش غيرهم، وجعلهم يعتقدون ان طريق التقدم والاستقرار والرخاء يمر عبر بناء القصور. وهكذا شهدت مدن الاقليم تطورا في البناء والعمران، وعاش مواطنوه في بحبوحة نسبية، مع ان المظهر الاستهلاكي غير المنتج كان الاوضح في المشهد الاقتصادي. ذلك ان الاقتصاد الحقيقي كان ولا يزال وسيبقى ريعيا مرهونا بتصديرالنفط، هذا ان بقيت الرؤية الاقتصادية الاستهلاكية في كردستان على حالها.
غاب منهج استثمار الموارد المالية للنفط عن برامج التنمية. وعند هذه النقطة تكمن الخطيئة الاساسية التي وقعت فيها حكومة الاقليم، اذ رهنت رواتب الناس والحركة الاقتصادية بسعر النفط الذي انخفض في السنوات الاخيرة، وبهذا كشف المستور، واتضحت عورة الوضع المالي للاقليم، وعجز الحكومة عن الايفاء بالتزاماتها المالية، ومنها صرف الرواتب. من اجل فك ازمتها، هربت حكومة الاقليم للامام باجراء الاستفتاء، غير عابئة بالأوضاع الداخلية والدولية، التي صيغت بصورة نصائح حريصة ومخلصة، لكن دون جدوى.
ولم يكن انقسام القرار السياسي الكردستاني خافيا على المتابعين، منذ ان طرحت موضوعة الاستفتاء. والاجتماعات والصور الجماعية لقادة الاقليم لم تخف الخدعة المطلوب تمريرها على الناس حول وحدة الصف الكردي. وسرعان ما انكشفت الصراعات الحقيقية بينهم، حالما صدرت قرارات الحكومة الاتحادية بشأن اجراء الاستفتاء، وتجلت في اصطفاف قسم اساسي منها مع قرار الحكومة الاتحادية اعادة نشر قواتها في المناطق المتنازع ، ومنها كركوك مصدر النفط.
ان من حق الشعب الكردستاني، الذي استبشر خيرا بسقوط الطاغية الدكتاتور، وعاش اعواما بعيدا عن اي تهديد لاستقراره، وبنى علاقات دولية واسعة، وكسب تعاطف وتأييد الرأي العام الدولي، سيما بعد دوره المتميز في المعركة ضد الارهاب متمثلا في داعش، وفي دحره، من حقه ان ينعم بالرخاء والاستقرار. انه لا يستحق ان تزجه قيادته في ازمات وصراعات معروفة النتائج سلفا، تضيف اليه اعباء معيشية وحياتية فوق ما يعيش من اوضاع تثقل كاهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here