لنرفع قبعاتنا احتراما وتقديرا لقوات البيشمركة الكردية

محمد رضا عباس
مهما كانت الطريقة التي انسحبت منها قوات البيشمركة الكردية العراقية من كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها , فان هذا الانسحاب لا يعتبر خوفا من الموت او جبنا منه من رجال عرفت باسهم الجبال والوديان و السهول والهضاب , وشجاعتهم وصبرهم على تحمل المصاعب و قوة ارادتهم . لقد فضلت قوات البيشمركة الانسحاب من مواضعها في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها ليس خوفا وجبنا من القوات العراقية من الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي , لان البيشمركة من قبل جابهوا وانتصروا على قوات كانت تقاد من قادة شيفونية غاشمة بدون رحمة او احترام لدين او عرف انساني تلك الجيوش التي كانت تقاد من المقبور علي كيمياوي ومن اضرابه , فكيف يقفوا يسددوا أسلحتهم وافواه بنادقهم الى قوات منهم ولهم , قوات لم تكن غازية تريد ان تدخل مدنهم لفرض شروطها عليهم وتلغي هويتهم القومية وحقوقهم المشروعة . انها قوات جاءت لفرض هيبة الدولة العراقية التي هم جزء منها , حماية الثروة الوطنية من السرقات , وحماية العراق من التقسيم و التشرذم.
الشعب الكردي لا يمكن ان يكون عدوا للشعب العربي , وكذلك لا يمكن ان يكون الشعب العربي عدوا للشعب لكردي وهم تعايشوا وتزاوجوا و تعاملوا مع بعضهم البعض من مئات السنين , فكيف يستطيع بضعة من السياسيين الذين لا يريدون الخير للعراق ان يقضي على هذه الاخوة بقرار ؟ لا يمكن ان يكون وسوف يرفضه الكردي قبل العربي. وهذا هو سبب وقوف قوات البيشمركة الكردية البطلة على الحياد او مع العراق. ان هذا الموقف المشرف سوف يذكره العراقيون جميعا وسيخلد في كتب التاريخ , كما خلدت كتب التاريخ وقوف الجيش السوفيتي على الحياد عندما تنازل الحزب الشيوعي السوفيتي من حكمه للاتحاد السوفيتي للقادة الديمقراطيين الجدد , بالوقت الذي كان بمقدوره القضاء على الحركة الديمقراطية بساعات , بل كان يستطيع تدمير العالم خمسين مرة . ولكن هذا الجيش الشجاع والقوي فضل السلم وإعطاء المجال للسياسيين حل مشاكل البلاد , وكانت النتيجة ان يستلم الديمقراطيون الحكم في روسيا ولم تطلق رصاصة واحدة و لم يسقط قتيل واحد, ورجعت روسيا الى هيبتها وعزتها , وباحترام اعظم بين الامم.
قوات البيشمركة هي الأخرى شجاعة ولديها من السلاح والعتاد و مشهود لها في باسها وتضحياتها في الحروب التي خاضتها مع جميع الحكومات المتعاقبة في العراق , وان ما لديها الان من السلاح والعتاد ما يمكنها من تأزيم المناطق المتنازع عليه , ولكن قرارها الشجاع والمسؤول من الانسحاب السلمي هو الذي جعلها ان تقف على الحياد في قضية إعادة سيطرة الحكومة الفيدرالية على المناطق المتنازع عليها حتى يتفق السياسيون على حلها . لقد اكتشفت قوات البيشمركة ان قرار الحكومة كان ليس استهدافا للقومية الكردية وليس استحواذا على حق من حقوقها. لقد اكتشفت قوات البيشمركة ان الدخول في مواجهات عسكرية مع الحكومة المركزية سوف لن ينتج عنها رابح وخاسر , وانما سوف يخسر الجميع , لان دماء الكردي عزيزة على العراق مثل دم العربي والمسيحي والتركماني , وان بقاء التعايش السلمي بين مكونات كركوك والمناطق المتنازع عليها سوف يخدم الجميع , لان الحروب لا تجلب الا الموت والاحزان والحقد والكراهية .
لقد تسامت قوات البيشمركة فوق مصالح بعض السياسيون الموترون الذين أرادوا للعراق الشر و تساموا فوق أكاذيب و تدليس الكتاب العملاء وأصحاب النزعات القومية الذين اصطفوا مع أعداء العراق في محاولة تقسيمه وبمبررات عجيبة غريبة . البيشمركة في تصرفها وانضباطها خلال عملية فرض الامن اثبتت وطنتيها وحبها الى العراق الواحد الموحد، وان ما يصرح به بعض السياسيين الفاشلين والخاسرين , ما هو الا محاولات لإنقاذ مستقبلهم السياسي و حماية مكتسباتهم التي حصلوا عليها على حساب تجويع أبناء الإقليم . لقد كشفت الاحداث ان هناك خطأ فاضح في إدارة الإقليم. لقد خالف قادة الإقليم دستور الإقليم ودستور الحكومة المركزية. الكل يعلم كيف طرد رئيس برلمان كردستان وعدم السماح له بالدخول الى أربيل , والكل يعلم ان رئيس الإقليم قد تجاوز على الدستور ببقائه على راس سلطة الإقليم على الرغم من انتهاء ولايته , والكل كان يعلم كيف تصرف قادة الإقليم بالثروة النفطية والتي من المفروض ان تكون ملك لجميع الشعب العراقي لا ملك لهم و تحفظ واردات النفط تحت أسمائهم في البنوك الخارجية , فيما لا تستطع دفع أجور ورواتب موظفي إقليم كردستان , البعض منهم لم يستلم راتبه لفترة خمسة اشهر.
قوات البيشمركة هم جزء من المكون الكردي وكانوا يعانون من تصرفات قادة الإقليم الخاطئة مثل بقية المكون الكردي الموجود في كركوك وأربيل والسليمانية ودهوك. وهكذا , فان وقوف البيشمركة على الحياد في عملية فرض الامن ما هو الا تعبيرا عن رفضه ما يجري في إقليم كردستان من خروقات دستورية على يد قادته . قوات البيشمركة لم تشعر ان الإقليم يتجه نحو تحقيق طموحات الشعب الكردي وان توجهات قادة الإقليم على الضد من نضال الشعب الكردي الطويل في تحقيق الديمقراطية. لقد انتهى الحكم في كردستان على يد مجاميع عشائرية لا تعترف بالديمقراطية وجعل الوظائف الحكومية العليا بيد ابناءها , وعم الفساد المالي والإداري , واستخدام مستشارين أجانب ليس مرحب بهم من قبل جيران كردستان مثل زلماي خليل و وزير الخارجية الفرنسي الأسبق و الصهيوني الفرنسي المعروف ليفي . لقد اقلق الإقليم جيرانه وخيب قادته امل سكانه , ولابد من علاج لما ال اليه الإقليم , وهكذا كان دخول القوات العراقية الى كركوك و المناطق المتنازع عليها حبل نجاة للإقليم , ومتنفسا لقوات البيشمركة التي سيطر على قراراتها بعض السياسيين الفاسدين . ان تحرك القوات الاتحادية نحو كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها كان حقا دستوريا لتنظيم علاقة الإقليم بالمركز و وقف تجاوزات قادة الإقليم على المواد الدستورية مثل الاستحواذ على حقول النفط والسيطرة على المطارات والمنافذ الحدودية واعتبار إقليم كردستان دولة داخل دولة وهي أمور بدون شك اقلقت قوات البيمشركة والتي كانت تعلم جيدا ان قادة الإقليم اصبحوا يتجاوزن على دستور الإقليم والدولة , وغدا ربما يتجاوزن على المكتسبات المتبقية لهم .
هذه هي الأسباب الحقيقية لوقوف قوات البيشمركة على الحياد , لا خوفا من القوات الحكومية ولا جبنا من الموت , وانما كانت خوفا من تلاشي مكتسبات أبناء الإقليم على يد بعض قادتهم الفاسدين. كما وان انتشار الشائعات من عودة قوات البيشمركة الى مواقعهم التي تركوها في كركوك وبعض المناطق المتنازع عليها عند دخول القوات الاتحادية لها ما هي الا أكاذيب وشائعات روجها الخاسرون.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here