الإعلام الكردي في سوريا، بين الواقع والمأمول

71171.jpg

ARA News / لوند يوسف

ازداد الجدل حول الكرد عَقِب التغيرات والتطورات التي طرأت على واقعهم، فمنذ القِدم قاموا بالعديد من الانتفاضات ضد السلطات الحاكمة، التي سلبت أراضيهم في ‹كردستان الكبرى› التي تنقسم بين (إيران، تركيا، العراق وسوريا)، والقمع الذي مورس بحقهم، إلا أنه لم يكن كافياً ليدع الكرد مكتوفي الأيدي لوقف نشاطاتهم من عاداتِ وتقاليد، وممارسة سياستهم لصون انتمائهم والحصول على أبسط حقوق العيش.

قام الكرد عبر التاريخ بالعديد من الانتفاضات والثورات، ودائماً كان يصل بهم الأمر إلى مرحلة معينة ويكون الفشل نصيبهم. إلا أن إنشاء إقليم كردستان ووجود كيان مستقل للكرد، وأيضاً الحرب الدائرة في سوريا، وإثباتهم مدى قدرتهم على مقاومة ظروف قاسية، كان بمثابة نقطة الفصل والحسم لهم، وكل ذلك ظهر جلياً من خلال وسائل الإعلام الكردية التي وإن لم تكن محترفة، إلا أنها أوصلت صوت الكرد إلى دول العالم.

 لمحة تاريخية

الكرد كغيرهم من الشعوب، مارسوا منذ القدم التواصل بالطرق التقليدية البدائية، كطريقة إشعال (إيقاد) النار والتواصل عبر الدخان فيما بينهم عند الهجوم أو أي أمرٍ آخر تتعرض لها كلاناتهم أو قبائلهم، مروراً بالفرمانات التي كانت تصدر وتنقل فيما بينهم، إلى أن وصلنا إلى الصحف، الفضائيات والوكالات.

كان هناك الكثير من العوامل التي جعلت الكرد يفكرون في النضال من أجل وطنهم ‹كردستان› ولكن الظروف لم تكن كما يريدون، بل كانت أقوى منهم في سائر أرجاء الوطن، لذا، اضطر المثقفون الكرد ومنذ بدايات الصحافة للعمل خارج حدود ‹كردستان›.

التاريخ الرسمي لبداية الصحافة الكردية هو 22/4/ 1898م، وهو التاريخ المجمع عليه, وعادةً ما يحتفل به، لأنه يتزامن مع صدور أول جريدة كردية، ألا وهي ‹جريدة كردستان›.

(الصورة لصحيفة كردستان – أول صحيفة كردية في التاريخ)

 

المؤسس الحقيقي للصحافة الكردية كما يجمع عليه معظم الأوساط الإعلامية هو مقداد مدحت بدرخان باشا. أما مكان صدورها، فهناك عدم اتفاق عليه، فهناك من يقول بأن الأعداد الأولى صدرت في اسطنبول، لأن الأخوان أمين عالي ومدحت، كانا متواجدين في اسطنبول، والبعض الآخر يقول بأنها صدرت في القاهرة.

أعداد الصحيفة الكردية الأولى النصف شهرية طبعت بأربع صفحاتٍ بحجم (25.5سم – 32.5سم)، الكثير من الباحثين يقولون بأن الأعداد الأولى أي من العدد الأول إلى الخامس طبعت في القاهرة، ومن العدد 6- 19 في جنيف ومن العدد 20- 23 صدرت ثانيةً في القاهرة، أما العدد 24 فصدر في لندن، ومن الأعداد 25 – 29 فصدرت في مدينة فولكستون جنوب إنكلترا، ومن العدد 30- 31 في جنيف. (1)،(2)

الكاتب والباحث الكردي سلمان عثمان (كوني رش) اعتبر في حديثه عن بدايات الصحافة الكردية، «عدم وجود صحافة منذ عام 1957م عند الكرد»، وأضاف لـ ARA News «الحس الوطني الكردي الذي خُلق عند الكرد يتجلى في أحمدي خاني الذي دعا إلى توحيد الكرد والقومية الكردية وذلك في قصة (مم وزين) قبل الثورة الفرنسية بـ 100 عام، وبعد ذلك قُدِم حاج قادر كوي كأستاذ لأولاد المير بدرخان في اسطنبول، مما زاد من الشعور والحس القومي الكردي. مير مدحت بدرخان الذي لم يستطع أن ينشر جريدة كردستان في اسطنبول، لجأ إلى القاهرة في 22/4/1898م ليطبعها هناك باللغة الكردية، وفي كل مرة كان يرسل 2000 نسخة منها إلى المثقفين الكرد آنذاك، الذين يمكن تعريفهم بـ (الشيخ، الملا، الفقي) هؤلاء كانوا يعتبرون النخبة المثقفة عند الكرد».

وتابع «وهكذا بدأت الصحافة الكردية بعد عام 1908م عندما أجبر السلطان عبد الحميد الثاني بتعديل بعض القوانين الدستورية وإضافة بنود تحوي على الحرية، العدالة والمساواة، وهذا ما دفع الكرد إلى إنشاء مؤسسات خاصة بهم، ومن بينهم كانت جريدة الترقي الكردية. في عام 1918م افتتحت مجلة جين JÎN في اسطنبول من قبل محمود سليم بكواندي وحمزة بك مكسي، وبعد ذلك بدأت مسيرة الصحافة الكردية، واقتصرت على الشعر وتعليم اللغة الكردية، ولم تصل إلى مستوى الصحافة، والجريدة التي طبعت كانت تنشر فيها مواد باللغتين الكردية والتركية، أما كردستان فكانت بالكردية فقط، بالأحرف اللاتينية».

أضاف عثمان «افتتحت سنة 1932م مجلة عرفت باسم هاوار من قبل المير جلادت علي بدرخان بطباعة 57 عدداً، نشرت بالأحرف الكردية اللاتينية، وكذلك قام الدكتور كاميران بدرخان بطباعة جريدة (اليوم الجديد ROJA NÛ) بالكردية والفرنسية في لبنان، إضافة إلى ملحق لثلاثة أعداد باللغة الكردية. ومع كل هذه التطورات على الساحة الكردية بدأ المثقفون الكرد بزيادة نشاطاتهم في مجال الكتابة، وبرز عدد كبير منهم كـ (سيدايي جكر خوين) الذي كتب له المير جلادت بدرخان مقدمة في ديوانه الأول و(آبو أوصمان صبري، قدري جان أبو الشعر الكردي المعاصر، مصطفى أحمد بوطي) وهكذا، بدأت الكتابة الكردية تتطور شيئاً فشيئاً، مع جريدة هاوار، وروناهي واليوم الجديد».

أردف عثمان أنه «لم تتواجد نسخ من جريدة كردستان في أجزاء كردستان، لأن النسخ كانت موجودة كما ذكرت آنفاً أغلبها عند رجال الدين، وبسبب الهجمات التي تعرضت لها كردستان، ونتيجة الهجرات التي حصلت بقيت الأعداد في مكانها، حيث كانوا يمكثون، ولأنها كانت محظورة آنذاك فقد قاموا بحرقها. في الآونة الأخيرة قام بعض المثقفين الكرد بالبحث عن بعض النسخ منها في مكتبات القوقاز، ووجدوا قرابة الثلاثين نسخة منها».

واعتبر أنه «لم تلعب الصحافة دورها منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري سنة 1957م، كما أنني لا أجد بأن الصحافة لعبت دورها في سنوات الحرب الخمس. يمكن القول بأن الصحافة التي أظهرت المقاومة في كوباني كانت جيدة، وقبل ذلك أيضاً في سري كانيه (رأس العين). لكن، ومع الأسف الصحافة التي نراها في يومنا هذا، هي صحافة حزبية وكلٌ يعمل لمصالح حزبه، ولم أجد إلى الآن صحافة تعمل لصالح الشعب ومصالحه، إضافة إلى أننا نرى بعض الحيادية في القليل من الوسائل الإعلامية. الصحافة الكردية يمكن تشبيهها بالتناقضات بين الأحزاب الكردية، وأرى بأنه كلما تقاربت الأحزاب مع بعضها وتخلصت الصحافة من الرؤى الحزبية والتفكير الضيق، عاد بالفائدة لشعوب المنطقة كرداً، عرباً، أرمناً وشركس. ومن المعلوم أن 75% من الصحافة الموجودة في المنطقة تتخذ من العربية أساساً لها. ككاتب كردي أتمنى أن تستخدم اللغة الكردية أكثر من غيرها، لأننا كرد ويجب أن تكون لنا شخصيتنا الكردية، ذلك أن لغتنا هي هويتنا، هنا لا أعني بأن لا تتواجد اللغات الأخرى في الصحافة، بل يجب التركيز على اللغة الكردية».

وفي إطار وسائل الإعلام الكردية التي صدرت بعد صحيفة ‹كردستان›، يمكن أن نعدد:

  1. أول تلفزيون فضائي كردي: بدأ بثه من بروكسل عام 1994م باسم (MED TV).
  2. أول جريدة كردية بعد جريدة كردستان في اسطنبول كانت باسم (ولات – الوطن) تأسست في 22 شباط/ فبراير 1992م، أغلقت تلك الجريدة وافتتحت بعدها باسم welatê me (وطننا)، هي الأخرى أغلقت، وبدأت الصحيفة تصدر باسم Azadıya welat (حرية الوطن) في سنة 2006م بشكل يومي.
  3. أول مجلة كردية: (نهار الكرد) أصدرت من قبل الجمعية الطلابية هيفي في 6 حزيران 1913م.
  4. أول راديو يبث بالكردية في سوريا: راديو جودي منذ 14-6-2013م.

 

الصحافة الكردية في سوريا

في 15/5/1932م أصدر المير جلادت بدرخان، العدد الأول من مجلة ‹هاوار› في دمشق، وتوقفت عن الصدور نهائياً عند العدد (57) بتاريخ 15/8/1943م، وبعدها مجلة ‹روناهي› في 1/4/1943م أيضاً في دمشق وقد كانت تطبع شهرياً باللغة الكردية.

وإن تحدثنا عن وضع الصحافة في ‹أجزاء كردستان الأربعة›، فإننا نجد بأن إقليم كردستان كان السباق في تشكيل صحافة خاصة بالكرد، لأنها كانت قد استقلت عن السلطة المركزية بطريقة أو بأخرى، على غرار تركيا التي تعادي الصحافة الكردية والتي تعيش ضمن أطرٍ مقيدة ومحدودة منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا، وإيران التي تقمع الحريات خاصة ما يخص الكرد ولا سيما صحافتهم، وسوريا التي كانت تخلو فيها الصحافة  باستثناء الحزبية إلى أن أخذت في الآونة الأخيرة أي بعد عام 2011م منحى جديداً والتي تعتبر بمثابة منعطف تاريخي لهم، والتي أدت لظهور العديد من الوسائل الإعلامية الكردية المرئية منها والمسموعة والمقروءة، فمنذ بداية ‹الثورة› في سوريا كانت للصحافة الكردية دوراً جيداً.

الإعلام الحزبي

كانت الصحافة الكردية في سوريا، وفق مراقبين، مقتصرة في السابق على المنشورات الحزبية التي لم تكن تفي بالغرض، وذلك لأن الصحافة كانت خاضعة لسيطرة السلطات الأمنية، والتي كانت تحارب بقوة أي نشاط يصب في مصلحة الكرد، وبالطبع تمنع أي وسيلة إعلامية من ممارسة عملها، إن لم تكن تحت مظلتها. كما أنه لا يخفى وجود صحافة حزبية بحتة في سوريا كجريدة البعث والثورة والفضائيات كالتلفزيون السوري.(3)

صحيفة كردية

ويرى الكاتب والصحفي الكردي سالار ملا درويش، أن «هناك الكثير من الانتقادات التي تتعرض لها الصحافة الكردية تكمن في تأخرها من حيث المهنية والخبرات الصحفية، نتيجةً للتخلف السياسي الاجتماعي والاقتصادي العام للحركات الكردية، وأن الصحافة الكردية لم تفلح رغم قِدمها في توحيد الصف الكردي، لأنها بقيت تحت عباءة السطات الحاكمة، كما أن الصحافة الكردية الناشئة تعتمد على الهواة، وهذا ما شكل عقبة تعترض طريقها، لأنه وكما هو معروف بأن تطور الصحافة يعتمد على المهنية والتخصص والتدريب الدائم».(4)

واقع وصعوبات

يروي قادر عكيد، رئيس تحرير صحيفة ‹بوير› لـ ARA News، ملاحظاته على الصحافة الكردية في سوريا، عبر الحديث عن تجربة صحيفته قائلاً: «تاريخ صدور العدد صفر كان في الخامس عشر من شهر أيار من العام 2014م تزامناً مع عيد اللغة الكرديّة، طبعاً العدد صفر طُبع في باشور كردستان (إقليم كردستان) في مدينة دهوك، وكانت هناك صعوبات جمّة في إيصالها إلى باكور (تركيا)، منها ما يتعلق بالوضع السياسيّ, حيث كانت سرعة إيصال العدد مرتبطاً بالوضع السياسيّ وحسن العلاقات بين باشور وباكور، فتح وإغلاق معبر سيمالكا».

تابع عكيد «صعوبات العمل بدأت مع العدد صفر، وصعوبة إيصاله في الوقت المحدد لصدوره، حيث تأخر حوالي أسبوع وذلك بسبب بعض الخلافات السياسيّة على طرفي الحدود، ثم ألغيت الطباعة في باشور كردستان, وبدأنا بطباعتها في روج آفا، وبدأت تصدر في يومها المحدد دون تأخير منذ أكثر من سنتين ونصف, وصدر منها حتى الآن خمس وخمسون عدداً، عالجت في معظمها قضايا سياسيّة ومجتمعيّة إشكالية وكانت صوت كافّة المكوّنات في روج آفا، واستطاعت وضع اليد على الجرح في أكثر المواضيع حساسيّة».

صحيفة كردية

وأضاف «أهم العراقيل التي تعترض عملنا تتلخص في حياديّتنا وشفافيتنا في نقل الخبر مهما كان نوعه وأهميّته وحساسيته، وهذا ما جعلنا نصبح عرضة للنقد واللوم من قبل طرفي الحركة السياسيّة في روج آفا. لم نتلقّ حتى الآن أي دعم خارجي سواء من منظمات إعلاميّة أو جهات سياسيّة، كوننا نعمل في الداخل، ونركز قبل كل شيء على الوضع الكرديّ، أما دعمنا الحقيقي فهو من الداخل, ولا يكاد يفي بمصاريف الطباعة، حيث نلقى دعماً مادياً بسيطاً من طرفي الحركة السياسيّة، كما نعتمد في تمويلنا على مبيعات الصحيفة البالغة ثلاثة آلاف عدد، وتوزّع في معظم مدن وبلدات مقاطعتي الجزيرة وكوباني. كما نعتمد على الإعلانات التجاريّة التي ننشرها في أعدادنا».

مردفاً «نفتقر إلى إعلاميين أكاديميين, وذوي خبرة, كما نفتقر إلى موزّعين ومراسلين أكفّاء في أغلب البلدات، وهذا يعود بدوره إلى ضعف التمويل، وأغلب الكوادر التي كانت تعمل معنا تركت العمل، بسب قلة الراتب الشهري إذ كانوا يتقاضونه بالليرة السوريّة, وهذا ما دفعهم إلى ترك العمل والبحث عن وسيلة أخرى تدفع بالعملة الصعبة».

وعن رأيه حول الدول الذي تقوم به الصحافة الكردية، تابع عكيد «بالنسبة للصحافة الكرديّة، لا أعتقد أنها أدّت الدور المنوط بها حتى الآن، كونها لم تبلغ بعد مرحلة المهنيّة المرجوّة، ولم تواكب روح العصر، والسبب ربّما يعود إلى أن الأجزاء الأربعة كانت ترزح لعقود طويلة تحت نير المستعمر الذي كمّ الأفواه، وحظر كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تقدّم الكرد وتطوّرهم. أعتقد أن الصحافة الكردية متقّدمة نوعا ما في باكور وباشور قياساً بمثيلاتها في روج آفا وروجهلات، وعلى العموم فهي لا تزال في مرحلة التكوين، وغير محدّدة الملامح. لم تستطع الصحافة الكرديّة بشكل عام أن تكون صوت مواطنها, ولا تزال كذلك حتى الآن، كون الصفة الرئيسيّة المميّزة لها هي الحزبويّة، بل كانت دائماً صوت فئة معيّنة من مؤيّدي ومناصري حزبها، وهذا ما نلاحظه في صحيفتي روناهي وكردستان الحزبيتين. بالإضافة إلى صدور صحف حزبية أخرى إلى جانب الصحيفتين».

كذلك، تحدثت الإدارية في إذاعة ‹صوت جودي› هلز حسن عمر لـ ARA News، عن بدايات وصعوبات إطلاق أول إذاعة في الشمال السوري، قائلة: «بدأت إذاعة صوت جودي بثها بتاريخ 14-6-2013م باللغة الكردية بإمكانيات تكنيكية قليلة جداً، وأقصد بذلك أننا كنا نملك جهازاً محمولاً واحداً (لابتوب)، ومايك واحد، وإثنان من الكوادر ليكونوا الأوائل بافتتاح أول إذاعة كردية في شمال سوريا (روج آفا). كنا نواجه صعوباتٍ جمة لإتمام البرامج ولتقديم أسلوب وسياسة نشر جديدتين في المنطقة، لأن إذاعة جودي هي الأولى على مستوى الوسائل الإعلامية المسموعة التي تتخذ من اللغة الكردية أساساً لها».

تابعت عمر «ومن جملة المشاكل التي اعترضتنا عدم اكتراث شعوب المنطقة للإعلام المسموع، بل دائماً ما ينجذبون إلى الصحافة المرئية أكثر من غيرها. خلال السنوات الأول واجهتنا صعوباتٍ من هذا القبيل، إلا أنه كلما تقدمنا وقدمنا برامج أكثر، أصبح عدد المستمعين والمتابعين للإذاعة في تزايد».

نوهت عمر، إلى أن «السياسة التي كانت متبعة من قبل الإذاعة في تقديم برامجها كانت سياسية، ثقافية، مجتمعية، كما أننا خصصنا برامجاً تهم شؤون المرأة والشباب، إضافة إلى برنامج خاص بالأطفال، وأغلبها كانت تذاع باللغة الكردية إلى جانب عدد من البرامج العربية، وكنا من خلال هذه البرامج نسلط الضوء على القضايا الاجتماعية أكثر من غيرها باعتبار الإذاعة تخاطب المجتمع بالدرجة الأولى. كانت تأثيرات إذاعة جودي الإيجابية على فئة الشباب أكثر من غيرهم، لأن الشباب كانوا متأثرين كثيراً بالذهنية السلطوية مما جعلهم يبتعدون عن ثقافتهم، وكان لا بد لنا كإذاعة أن نوضح هذا التأثير عليهم باعتباره واجب يقع على عاتقنا، وبالفعل وصلنا إلى مبتغانا في ذلك، والدليل على ذلك انضمام أعداد كبيرة من الشبان إلى الإذاعة بعد سماعهم لهذه الأمور ومعرفتهم بها».

 

تفاؤل

بدوره، يرى جاندي خالدي، رئيس تحرير راديو ولات FM في حديثه لـ ARA News، بأن «نشوء عدد من وسائل الإعلام – غير الحزبية – هو أمر إيجابي، وأن استمرارية هذه المؤسّسات بالعمل تشكِّل تحدياً كبيراً أمامها».

صحف كردية

مضيفاً «لا نستطيع القول أنه كان هناك إعلاماً كُردياً (قديماً) في المنطقة الكُردية السورية، فالمؤسّسات الإعلامية هي وليدة المتغيِّرات التي طرأت على سوريا بشكلٍ عام وعلى روجآفايى كُردستان بشكلٍ خاص، وما هي إلا انفجارٌ لطاقاتٍ كامنة كانت قديماً مقموعة بسلطة استبدادية تمنع الماء والهواء عن كل ما هو إنساني أو كل ما يساهم في تطور المجتمعات. الإعلام الذي يشكِّل السلطة الرابعة في الدول المتقدّمة، لا زال يترنّح كُردياً، إذ أنّ التقييم العادل لوسائل الإعلام الكُردية من إذاعات ومواقع إلكترونية وجرائد لا بدّ وأن يكون على أساس المهنية التي يجب أن تتوفَّر فيها. الأمر الذي نفتقده في وسائل الإعلام الكُردية حديثة المنشأ، ولأسبابٍ أكثرها مرتبطة بالوضع السيء الذي تعيشه المنطقة من كافة النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى ظروف الحرب وتعرّض المنطقة لإرهاب عالمي لم يشهد التاريخ له مثيلاً حتى الآن. إذاً فالإعلام الكُردي الحديث يلقى صعوباتٍ عديدة كي تصل رسالته بالشكل الصحيح للرأي العام، عدا عن افتقاده لخاصية مهمة في الإعلام وهي التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو تقويم عمل السلطة وتشكيل جهة رقابية على كلّ ما من شأنه أن يؤثِّر سلباً على المجتمع، فدور الإعلام يتجلّى كونه مرآةً للمجتمع الذي هو فيه».

ولم يخف خالدي تفاؤله المستقبلي بشأن الإعلام الكردي، وتابع «نلحظ في الآونة الأخيرة نشوء عدد من وسائل الإعلام – غير الحزبية – وهو أمر إيجابي إن كنّا مقتنعين أنّ المادة الإعلامية تحتاج إلى خبرة وعدد آخر من السنوات والكثير من الوسائل المختلفة القادرة على التعبير عن جزءِ معيّن من رسالتها ضمن المجتمع. ومن جهةٍ أخرى فإنّ استمرارية هذه المؤسّسات بالعمل يشكِّل تحدياً كبيراً أمامها، في الوقت الذي من الممكن أن تتغربل فيه أعداد لا بأس بها من هذه المؤسّسات التي ستعاني من عدم القدرة على الاستمرارية لأسبابٍ مختلفة. إذ أنّ حداثة الإعلام لدينا تجعل المسؤولية أكبر على عاتق من يعمل في الصحافة والإعلام لتأسيس جيلٍ إعلاميٍ قادرٍ على القيام بدوره الكامل، ودون انتقاصٍ لما أُنجِز حتى الآن إلا أنّ هذا يحتاج لسنواتٍ طوال حسب تقديري».

الإعلام الكردي و‹الثورة السورية›

هجار السيد، وهو صحفي يعمل في قناة كردستان 24 يؤيد جاندي خالدي في قوله بأن الإعلام «لم يكن موجوداً قبل الثورة السورية»، مؤكداً لـ ARA News بأنه «وبعد الثورة السورية بدأ ظهور دور الإعلام في المناطق الكردية ولعب دوراً في تكوين الرأي العام ولكنه لم يصل إلى مستوى الاحترافية وأعتقد  بأن الإعلام الكردي سيرتقي للإعلام العالمي مستقبلاً».

ويذهب الصحفي أحمد البرو، والذي يعمل في وكالة ‹سمارت›، إلى أبعد من ذلك، ويعتبر أن الإعلام الكردي انتفض بعد انطلاق ‹الثورة› السورية، وتحرر من قيود النظام، مشيراً في حديثه لـ ARA News، إلى أن «الإعلام وجد فسحة كبيرة وقام بأداء رسالته بعد خروج المناطق الكردية من قبضة النظام»، ويضيف قائلاً: «شهد الإعلام الكردي تحولاً نوعياً في السنوات الخمس الأخيرة بالمقارنة مع ما قبل الثورة السورية، فقد ظل الإعلام (إن صح التعبير) حالة مرفوضة ومحاربة من قبل الحكومات السورية المتلاحقة بسبب تباين سياسات الحكومة مع منشورات كردية كانت تطرح ثقافة ورؤية أيديولوجية وسياسية مختلفة، الأمر الذي كان يجعلها هدفاً للأنظمة الاستبدادية  للحد من قيامها  من إظهار الحقيقة من الوجهة الكردية».

وأردف «مع بدء الثورة السورية وتراخي قبضة النظام بل وسقوطها  في المناطق الكردية وجد الإعلام الكردي فسحة كبيرة للظهور وأداء رسالته في  تسليط الضوء على كل ما يحدث في المناطق الكردية مروراً بالعربية ذات الصلة. بدء الإعلام الكردي بمداخلات ناشطين ومن ثم التأسيس لمؤسسات إعلامية تسعى إلى طرح مادة إعلامية متوازنة تحمل الحد الأدنى من المهنية، إلا أن ما يؤخذ على كثير من المؤسسات الإعلامية الكردية أو أغلبها هي تبعيتها لجهات حزبية حيث تقوم بنشر أيديولوجيتها ورؤيتها السياسية والانحياز لطروحاتها القيمية والفكرية تجاه الأحداث السياسية والاجتماعية والخدمية ما يجعلها تفقد الصفة الأهم التي يجب عليها التحلي بها وهي الحيادية في نقل الخبر والحدث (قناة روناهي وروداوو نموذجاً)».

ختاماً

من تتبع ما يتم تناوله من قضايا في وسائل الإعلام الكردية، نلاحظ حجم البروبوغندا الإعلامية المزيفة التي تنتهجها المؤسسات الإعلامية الحزبية ومدى انحرافها عن الحقيقة لصالح حزب سياسي أو أيديولوجية معينة في تبعية مفرطة  تغرق الإعلام بالجدال العقيم البعيد عن المعرفة.

ولكن وبالرغم من المفارقات الكبيرة وحداثة التجربة وعدم القدرة لدى الكثير من المؤسسات الانسلاخ عن فكر الحزب وسياسته إلا أنه نشأت كيانات إعلامية تسعى إلى تشكيل هياكل مؤسساتية مهنية للإرتقاء بتلك المؤسسات إلى مصاف الإعلام المحترف والحيادي.

فرغم كثرة الممارسات الشوفينية والضغوطات الإقليمية والدولية والقمع على الكرد، إلا إن الكرد كان لهم كلمة أخرى، ألا وهي المقاومة إلى آخر رمق، وهذا يظهر جلياً بعدم إخماد نيران الصحافة الكردية منذ بداية نشوءها إلى يومنا هذا.

وبالخلاصة يمكن القول، أن الصحافة الكردية قد قطعت شوطاً كبيراً في المهنية، إلا أن هذا لم يكن كافياً، بل كانت أكثرها محصورة في الإطار الحزبي، أكثر من اهتمامها بالمشاكل المجتمعية والاقتصادية ونقل الخبر بحيادية. ولكي تصل الصحافة الكردية إلى مبتغاها، وأهداف الشعب المرجوة منها يجب أن تتخلص من الرؤى الضيقة والدوغمائية التي لا تخدم سوى الِقوى والأطراف والأيديولوجيات.

_____________________

الهوامش:

  1. الكاتب سلمان عثمان (كوني رش) في كتابه الأمير جلادت بدرخان حياته و فكره بالعربية عام 1992 في دمشق – في الصفحة 26.
  2. كتاب (خلاصة تاريخ كرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) للكاتب محمد أمين ذكي – الجمعية الكردية اللبنانية الخيرية.
  3. في الذكرى الـ 117 لها.. الصحافة الكردية في سوريا بين الحزبية والاستقلالية – موقع محيط – 22-4-2015
  4. الصحافة الكردية، واقع متردٍ رغم مرور 117 عاماً على إصدار أول صحيفة كردية – موقع رصيف22 – سالار ملا درويش بتاريخ 4-5-2015م.

__________________

المصادر والمراجع:

  1. الكاتب سلمان عثمان (كوني رش) في كتابه الأمير جلادت بدرخان حياته و فكره بالعربية عام 1992 في دمشق – في الصفحة 26
  2. كتاب (خلاصة تاريخ كرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) للكاتب محمد أمين ذكي – الجمعية الكردية اللبنانية الخيرية.
  3. في الذكرى الـ 117 لها.. الصحافة الكردية في سوريا بين الحزبية والاستقلالية – موقع محيط – 22-4-2015
  4. الصحافة الكردية، واقع متردٍ رغم مرور 117 عاماً على إصدار أول صحيفة كردية – موقع رصيف22 – سالار ملا درويش 4-5-2015م.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here