خطوط كف حياتي..

لم تتمالك نفسها وهي تسمع لصديقتها التي امسكت بكف يدها لتقرأ طالعها مع من تحب، خاصة ان مشاعرها قالت لها أن العلاقة بينهما باتت فاترة في الأونة الأخيرة، البرود الذي تشعر به حين لقاءه اتجاهها قادها لأن تحمل قلقها ثياب ترتديها ساعة رؤيته، عدة مرات قررت ان تطلعه على شعورها غير انها تخاف ان تسمع ما لا تطيق سماعه منه، إنها متيمة به الى حد الإلتصاق بحروف اسمه الذي ما ان تناديه حتى تذهب انفاسها قبلها الى طبع قبلة الشوق على شفاهه.. آه يا معذبي قالت في نفسها… لو تعلم مدى جنوني بك!؟ واقسم حين نفترق كأنك تقطع وريدي الذي يربطني بك، ابقى مشلولة الفكر عن الحياة والعالم إلا حين التقيك، فاستعيد انفاسي كأني أغوص الى اعماق وحدة سوداء لست فيها لتضيء اعماقها.. وها انا ما أن توجست منك البرود حتى فزعت جبنا الى عادتي التي كثيرا ما ساهمت في تقبلي مجريات كثيرة في حياتي، إن عشقي، جنوني، هوسي وانشغالي وحتى غيرتي لم تأتي من فراغ بل ولدت في نفس اللحظة التي صرت لي فيها حبيبا، صديقا، ابا وأما، روحا وقلب.. كأني سُقيتك مذ الطفولة رضاعة من صدر القدر الذي رسم خطوطك على كفي، فما ان اشتاق لرائحتك اشم راحة يدي واقبل الخطوط التي تحمل شذرات من صورك، شفاهك التي اذوب حين ارتمي عليها بكل عذاباتي و ولهي، صدقني حين اقول لك أنها تناديني تعالي قبليني.. أما صديقتي قارئة الكف فقد حارت بوصف مشاعري، هيجان روحي، دوي قلبي الذي افرغت حجراته وملئته بصورك وانفاسك التي اتنفس، جلبتها اليوم وفي نفسي أحساس يقضها، يوجعها، سألتها ان تقرأ طالعك معي بكفي، هل أن برودك وشرودك بأحساسي صحيح أم إنها مجرد اطياف؟ ام هي غيرة أنثى على من تحب؟ وهل في الافق منغصات؟ توقفت عن سؤالها أردتها ان تقرأ لي كل شيء وإن كان موجعا…
فقالت: اسمعي سأقرأ لك ما أراه في خطوط طالعه معك من خلال يدك القلقة، التي ربما ستضيعين بجفافها وهبوب رياح موسمية، قد تدير اشرعة من تركبين معه الحياة في غير اتجاه، تسير بكما الاقدار حيث الرمال السائبة التي تمد اصابعها للإمساك بأحدكما وجره الى باطن عميق، يتيه في باطنه من يغور الى اعماقه بلا صرخة لطلب نجدة، او كف قدر تمسك به.. لا أعرف ما دهاك؟!! كنت قد قرأت كفك عدة مرات ولم تكن خطوطه قد لبست السواد او ركنت الى فزع، ما هذا الذي تمسكين به اكاد أراه غير انك تخفينه كجنين في رحم.. اتركي لنفسك البوح اعربي عن مخاوفك لعلي اجد لك منفذا، فخطوط يد من تعشقين وارفة بالأمل لا يوجد للقلق عثرات ملقاة على قارعة الطريق، غير أنه هناك التواءات أثناء شعور بتأثيرك السلبي على نفسيته، إنك بخوفك وقلقك بت تجذبين كل مشاعرة وأحاسيه الدفينة في كهوف منسية، يثيرها قرعك طبول الخوف من فقدانه، أحس هو بما تخافين منه من خلال سلبية التعامل معه والاهتمام المبالغ فيه بالخوف عليه.. بت ترغبين بتملكه بتقييده وهذا ما لا يطيقه اي رجل.. إن انعطاف مشاعرك نحو الاستحواذ ستفقدك إياه، ستندمين كثيرا، بل ستقفين متوسلة على بابه كمتسولة لسماع صوته، تذوق انفاسه، حبه الذي اهداك دون شروط، ابتعدي يا صديقتي عن التفكير كإمراة بحمل وليدها الجديد كغيرة أنثى، اجهضيه فربما هذا الوليد سيكون السبب في فراقكما.. أقولها بصراحة لم استبين خطوط يدك كما تعودت هناك من الغموض والغشاوة اسدلت على سماءك كغيمة سوداء استجدت .. كيف لا أدري؟؟
لذا اقول لك احبيه دون عقد الخوف والغيرة، اجعلي حبك لك سلم ارتقاء حتى الوصول الى ذروة النقاء الأزلي في المصارحة.. اجيبيه ، قولي له إني اخاف المستقبل والاقدار وتقلباتها.. اخاف الابتعاد عنك والانزواء في ركن من اركان وحدتي دون ان اتنفسك، او سماع موسيقاك وانت تدندنها بينك وبين نفسك تلك التي احب، اخاف ان أركن الى مكان لا تتواجد فيه ارجوك، علمني كيف السبيل الى ان اكون الى جانبك في كل لحظة دون الاحساس بأني افقدك؟
دون ان تكمل حديثها سارعت الى الخروج لرؤيته دون موعد مسبق، دخلت عليه خلوته دون ان تستأذن، رمت بنفسها بين يده قائلة.. ارجوك يا معذبي هل ذبت في الهوى مثلي؟ هل انا منفاك كما انت لي؟ هل تحبني كوطن تشتاق له حين تفارقه مرغما بسطوة الأقدار؟ هل تتيه في بين خلاياي كما افعل انا؟ هل تحبني دون ان تتساءل كيف أو لم؟ ارجوك إني دون خجل اريدك ان تكون لي الميناء لسفينة العشق الذي حمله بحرِ المجنون، أجعلني ارسو دون حاجة الى سفر أخر .. اريدك ان تكون لي الميلاد، واريد ان تكون الهواء المذاب في سائل حياتي، امجنونة أنا حين احدثك بكل ما سمعت؟ فإن حسبت ذلك فأنا يا حبيبي قدرك المجنون، فحبني بكل عقدي وخرافاتِ وإيماني بخطوط الكف وقراءة الطالع.. ارجوك يا عطر زهري وشرنقتي ضمني وأبعثني الى الحياة على يديك..
قال لها: حقا مجنونة انت!! إني يا أنا قدري وما بدا علي ما هو إلا خوفي من فقدانك، أنا الذي دب في داخلي هلع خسرانك، بعدما رأيت من تغيرات في هدهدات انفاسك، شرود عيناك، اصابني الجنون والهلع ففي كل مرة استنشق القلق من فمك كأنك تنفثين أخر انفاس عقب سيجارة، وخزات داهمتني عكرت تسارع ضربات قلبي، كأنها تامره بالتوقف، غير ان اسمك الذي يردده اعاد له النبض.. انا الذي يقول لك: احبيني كما انا دون عقد او خوف، وبوحي بمشاعرك دون ان تتلعثمي او تساقطي مفرداتك بعيدا عن شفاهي، ترجمي كل خوف مشاعرك، احاسيسك قبلات أو زقيقها زقا، اطعميني مما يقلقلك، دعيني اعيش حالتك حتى نطرد كل الظنون كل الفتن، فأنا يا حبيبتي رجل يعشق ان يهدي مشاعره لأمراة واحدة، اختارها قلبي بكل عيوبها أو حتى كانت متمردة، تؤمن بالطالع وقراءة الكف او تخاف عين حاسدة… يا وجعي خلاصة قولي كوني من تكوني الارض، السماء، الصحراء او المنفى، كوني البحر او الاعصار أو السراب او كلهم شتى لا يعنيني مادمت ستكون في حضني واتنفسك في كل لحظة.
القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here