نظرات في كتاب “مذكرات نصير الچادرچي”

كاظم حبيب
نظرات في كتاب “مذكرات نصير الچادرچي”

اسم الكتاب: مذكرات نصير الچادرچي
المؤلف: نصير الچادرچي
الناشر: دار المدى – بغداد
تاريخ النشر: طبعة أولى 2017
عدد الصفحات: 495 صفحة وبضمنها ملاحق وصور
(مع صورة الكتاب)
يتضمن كتاب المذكرات مقدمة وكلمة شكر وخمسة فصول تمتد أحداثها إلى أكثر من ثمانية عقود، إذ تبدأ مع ثلاثينيات القرن العشرين لتنتهي في النصف الثاني من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وهي فترة طويلة كانت مليئة بالأحداث الجسام، حيث بدأت بمحاولات أولية لبناء المجتمع المدني بالعراق الملكي الدستوري مع تجاوزات على الدستور الديمقراطي لعام 1925، ثم واجه العراق الانقلابات ودكتاتوريات عسكرية متلاحقة، لتنتهي بعراق الحضارات القديمة، إلى بلد مخربٍ ورثٍ، وشعبٍ تائه وممزقٍ، ودولة هشة بسلطاتها الثلاث، ونظام سياسي طائفي مقيت ومحاصصة طائفية وأثنية بغيضة، واجتياح للموصل ونينوى وغيرها من المحافظات، وحيث تسود بالبلاد المليشيات الطائفية المسلحة، وتغيب عن المجتمع حقوق الإنسان وحقوق أتباع الديانات والمذاهب والقوميات، كما تهيمن الهويات الفرعية القاتلة لتطرد الهوية الوطنية، أو هوية المواطنة الحرة والمشتركة والمتساوية، إضافة إلى سيادة الفساد كنظام قائم ومعمول به ومقبول وممارس من قبل الدولة والسلطات الثلاث والمجتمع، وكذلك استمرار الإرهاب والموت كظاهرة يومية اعتيادية!!
يبدأ الكاتب نصير الچادرچي بمذكراته ليشير إلى ولادته في بيت اختار وتبنى ربُ الأسرة لنسفه نهجاً ديمقراطياً في الحياة السياسية والاجتماعية وفي بناء عائلته، ولد ونشأ في بيت ينعم بالثقافة والروح الوطنية والاستقلالية التي ينعم أفرادها في إبداء الرأي وفي التعبير عن الذات والممارسة اليومية. مثل هذه النشأة، وفي أجواء ثقافية ومكتبة عامرة ونشاط سياسي دؤوب وعلاقات إنسانية واسعة، لا يمكن أن ينشأ نصير إلا وهو يحمل عدة سمات مهمة تميزت بها شخصيته، والتي يمكن أن يتلمسها القارئ والقارئة، دع عنك من يعرفه شخصياً وتابع نشاطه خلال العقود المنصرمة من خلال قراءة الكتاب: منها مثلاً تنوع مصادر ثقافته وسعة اطلاعه وطموحه للمعرفة، حرية حركته واختياراته الفكرية والسياسية واستقلاليته الفكرية، وتمسكه بالديمقراطية وممارسته لها في حياته اليومية والعائلية. وبسبب تلك النشأة والوضع الاجتماعي والسياسي الذي ساد العراق حينذاك، تميز أيضاً بالتمرد الثوري والجرأة بعيداً عن الجنوح أو النزوع للقوة والعنف، مع تنامي الرغبة الجامحة في تغيير الأوضاع والمشاركة في تحقيق التغيير. ويمكن إيراد ثلاثة أمثلة على ذلك، وهي مهمة: موقفه ورأيه المستقل الرافض لتنفيذ قرار منظمة الحزب الشيوعي العراقي بمصر في انتماء الشيوعيين العراقيين إلى الحزب الشيوعي المصري لما في ذلك من مخاطر غير مبررة على وجودهم بمصر. أي أنه رفض القاعدة التي تقول “نفذ ثم ناقش!” أو “الطاعة” التي كانت سائدة حينذاك في الحزب الشيوعي العراقي رغم وجود عدم قناعة لدى الشيوعي. ثم موقفه من ميراث زوجته في منحها لأبنتهما مي، إذ التزم بوصية الزوجة الفاضلة بعد وفاتها وخسارته الكبيرة بها، وطرح الأمر على ابنته. فاتخذت الموقف المنصف إزاء أخويها، ولكن الأخوين التزما بموقفٍ أمين وصادق لوصية أمهما الفاضلة وحبهما لأختهم. إنها قضية تبدو صغيرة، ولكنها تعبر عن الروح الديمقراطية في التعامل العائلي وعن التربية السليمة التي حظي بها الأبناء والبنت. والمسألة الثالثة تبرز في إعادة تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي والموقف الإيجابي المسؤول من العضو القيادي القديم في الحزب هديب الحاج حمود، والذي انتهى مع الأسف بلجوء الأخير إلى شق وحدة الحزب. كما يمكن أن نتابع مواقفه المماثلة في الفترات اللاحقة.
ولد نصير الچادرچي وترعرع في فترة زمنية تميزت بتنامي ملموس لاتجاهين متعارضين في الواقع العراقي حينذاك: الأول برز في تنامي الحركة الديمقراطية العراقية المناهضة للهيمنة الاستعمارية وضد العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعة، والرغبة في التجديد وتحديث الاقتصاد، وبزوغ جديد للبرجوازية الوطنية وتنامي البرجوازية الصغيرة، ولاسيما دور المثقفين الديمقراطيين في السياسة والثقافة بمختلف الفنون المعاصرة، ودور الطلبة، وبدء نشاط المرأة في الحياة السياسية وبشكل خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية وانهيار دول المحور لصالح الديمقراطية على الصعيد العالمي. أما الاتجاه الثاني فبرز في تفاقم دور الفئات الحاكمة في تشويهها للدستور العراقي الديمقراطي لعام 1925 في الممارسة الفعلية وفي التشريع والانتخابات ومحاربة حرية الرأي والأحزاب والتجمع والتظاهر، والرغبة المحمومة لدى الحكام في الدخول في الأحلاف العسكرية ومناهضة الحركة الديمقراطية المتمثلة في أحزاب علنية مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال القومي النزعات وأحزاب أخرى تشكلت في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته، إضافة إلى أحزاب سرية مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردي (فيما بعد الكردستاني) وغيرها من الكتل اليسارية، ومنها حزب الشعب (النضال) للمناضل وعضو مجلس السلام العالمي عزيز شريف. وهنا يفترض الإشادة برأي نصير الچادرچي الذي أشار بوضوح لا يقبل اللبس إلى إن سياسات الفئات الحاكمة المؤيدة من بريطانيا والبلاط الملكي ومن كبار الإقطاعيين وملاكي الأراضي، كان السبب وراء تفاقم الصراع وإسقاط النظام الملكي في رده الصريح وغير المباشر على من كان يتحدث عن تطرف القوى الديمقراطية العراقية في مواقفها من النظام الملكي ومن القوى والفئات الحاكمة مثل نوري السعيد وسعيد قزاز وصالح جبر وبهجت العطية على سبيل المثال لا الحصر.
لم ترفع القوى الديمقراطية شعار إسقاط الملكية بل كانت تتحدث دوماً وتنتقد سياسات الحكم، سواء أكان هذا في وثبة كانون، أم في انتفاضة تشرين، أم في انتفاضة عام 1956، لتأييد مصر في تأميم قناة السويس وضد العدوان الثلاثي عليها، ورفض موقف الحكومة العراقية في مناهضة مصر وسياستها، وضد إرهاب السلطة وقمعها.
لقد أُجبرت القوى الديمقراطية على التحالف فيما بينها، رغم وجود اختلافات مبدئية بينها، في اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني أولاً، ومع تنظيم الضباط الأحرار لإسقاط النظام الملكي ثانياً. وكان توضيح هذا الأمر بالغ الأهمية. ويورد نصير الچادرچي أمثلة كثيرة لسياسات التجاوز الفظ على الحياة الديمقراطية وحقوق المعارضة الوطنية التي كفلها الدستور، منها على سبيل المثال لا الحصر إلغاء نتائج انتخابات عام 1954 حين تقرر أن يكون نوري السعيد رئيساً للوزراء بأمر السفير البريطاني، وحين عمد الأخير إلى حل المجلس النيابي وحل الأحزاب السياسية وصدرت مراسيم إسقاط الجنسية في العام 1955 عن شخصيات وطنية وديمقراطية، وحين حرم منظمات المجتمع المدني كالشبيبة والطلبة ورابطة المرأة وحركة أنصار السلام. وعن هذه المرحلة يتحدث نصير الچادرچي برؤية ثاقبة وموضوعية عن دور والده، الشخصية الديمقراطية المتميزة، في عدد من المسائل المهمة في صفوف المعارضة العراقية وعلاقاته المتشعبة الواسعة بالشخصيات السياسية والثقافية وصلابة مواقفه ورفضه المساومة منذ أن استوزر أول مرة بعد انقلاب بكر صدقي العسكري وحكمت سليمان في العام 1936 ممثلاً عن جماعة الأهالي وجمعية الإصلاح الشعبي، واستمرار هذه المواقف في العهد الملكي في مواجهة عبد الإله بن علي، الوصي على عرش العراق حينذاك، كما يشير إلى سجن والده وسجنه أيضاً. ومن متابعة مذكراته يشير بأمانة وصدق بأن تعامل السلطات معه باحترام وكذلك من جانب الشخصيات السياسية العراقية البارزة، كانت نتيجة لكونه ابن كامل الچادرچي، ولكنها كانت لدوره ومواقفه السياسية أيضاً، وفي هذا التقدير موضوعية عالية وتواضع أمام شخصية متميزة كوالده، إضافة إلى إنه قد تعلم من الوالد جملة مسائل أهمها، صلابة الموقف والجرأة في المواجهة، إضافة إلى الصراحة والوضوح في إعطاء الرأي واتخاذ الموقف الحازم. ويشير نصير الچادرچي بصدد ما حمله معه من نهج وسلوك وممارسات من بيت والديه إلى الآتي:
“إن حديث أي إنسان عن حياته طيلة فترة خمسة وثلاثين عاماً قضاها من عمره يحتاج إلى مئات الصفحات، ولكن بالنسبة لشخص تربى بأجواء وطنية تحت خيمة أحد رواد النهج الديمقراطي في العراق، جالسَ ورافقَ شخصيات وطنية وديمقراطية فمن المؤكد أن يكون متذمراً وناقماً على السلوك والنهج غير الديمقراطي الذي مارسه النظام طيلة الحقبة الزمنية التي حكم بها.” (مذكرات نصير الچادرچي ص 306)
ومن هنا يمكن القول بأن مذكراته الشخصية، رغم ورود ألـ “أنا” فيها كثيراً، إلا إنها كانت في الموضع الصحيح وموضوعية دون غمط حق الآخرين أو أدوارهم، كما لاحظنا تلك الذاتية الصارخة في الكثير من كُتّاب السيرة الشخصية لمناضلين وشخصيات سياسية وثقافية عراقية. ويعطينا نصير الچادرچي صورة دقيقة عن مفاوضات تشكيل جبهة الاتحاد الوطني ودور الأحزاب فيها والعلاقات التي نشأت عبره مع الضباط الأحرار ولاسيما مع رفعة الحاج سرّي. وربما فاتته هنا الإشارة إلى أن الحزبين القوميين (الاستقلال والبعث) رفضا مشاركة الحزب الديمقراطي الكردي في جبهة الاتحاد الوطني، مما تقرر تكليف الحزب الشيوعي العراقي في أن يكون صلة الوصل بين اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردي (الكردستاني لاحقاً).
وحين تأتي المذكرات على ثورة 14 تموز 1958 يطرح نصير الچادرچي رؤية والده والحزب الوطني الديمقراطي والاختلافات التي حصلت في هذا الحزب إزاء سياسات عبد الكريم قاسم ورؤيته لمسيرة قاسم. وفي الموقف من سياسات قاسم تتباين الآراء في الساحة السياسية العراقية حتى الوقت الحاضر. ولكن تشخيصات كامل الچادرچي كانت صائبة ودقيقة، ولكنها تميزت بالشدة، وربما لم تسمح لقاسم على التراجع، إن كان التراجع ممكناً لعسكري وطني ونزيه مثله، ولكنه من حيث المبدأ لا يختلف قاسم عن العسكر في موقفه من السلطة والقناعة بأنه الحامي الوحيد للثورة، وأن الشعب هو الذي منحه هذه السلطة وعليه ممارستها بالشكل الذي يراه هو مناسباً! ولا شك بصواب التقدير القائل بفردية قاسم ونزعته في الحكم، مع الإقرار بوطنيته ونزاهته، ولكن الدرب إلى جهنم يمكن أن يمر عبر النوايا الحسنة وعن هذا الطريق أيضاً. وذكر الكاتب تفاصيل اللقاء بين عبد الكريم قاسم وكامل الچادرچي بناء على طلب الأول والطريقة التي قابل بها الثاني قاسم والتي كان فيها الكثير من القسوة والصرامة، وأقول بعض الخشونة، رغم إنها من حيث المبدأ لم تكن بعيدة عن الواقع والضرورة. وينتهي نصير الچادرچي في وصف اللقاء بما يلي:
“كان لقاءً عاصفاً كثيراً ما تداولناه في مجالسنا الخاصة.. أما انطباعي الذي خرجت به فقد كان ذا دلالتين وتحسب للشخصيتين. لكامل الچادرچي.. جرأته وصراحته وحرصه على الوطن عند أعلى المناصب في الدولة. ولعبد الكريم قاسم.. أدبه الجم واحترامه للشخصيات الوطنية” (أنظر في ها الصدد من ص 235/236).
ولنصير الچادرچي التقدير صائب عن مسؤولية عبد الكريم قاسم في انتكاسة الثورة أولاً، وفي تصفيتها عبر انقلاب شباط الفاشي عام 1963 ثانياً. إلّا إن هذا التقدير يحتاج إلى استكمال، كما أرى، وبهذه الصورة: كان قاسم المسؤول الأول عما انتهى إليه وضع العراق في عام 1963، ولكن الأحزاب السياسية العراقية دون استثناء، وأن اختلف حجم دورها ومسؤوليتها، تتحمل المسؤولية ايضاً، بسبب جموحها في المشاركة أو الوصول إلى السلطة أو محاولات تنظيم انقلابات عسكرية ضده، وبسبب ضعف وعيها وقدرتها على رؤية وقراءة صحيحة لموازين القوى والعوامل المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة في الوضع السياسي حينذاك، أو تصلبها المبدئي. لقد تورط قاسم بمعارك داخلية وخارجية عديدة في آن واحد من جهة، ولاحق القوى الديمقراطية، ولاسيما اعتقال الشيوعيين وزجهم بأحكام قاسية في السجون، التي هي الأخرى ارتكبت أخطاءً في حينها من جهة أخرى، ثم تورط في حرب بكردستان العراق من جهة ثالثة، وقرَّبَ القوى المتآمرة ضده ووضعها في مواقع المسؤولية العسكرية والمدنية من جهة رابعة، وبهذا وفَّر قاسم الأرضية الصالحة لنجاح التآمر المحلي والإقليمي والدولي على ثورة تموز التي كانت تعيش انتكاستها قبل ذاك. ولا شك في أن لموقف قاسم غير الإيجابي والمتأثر بالحاشية العسكرية القومية القريبة منه إزاء القيادة الكردية ومطالبها حينذاك، وموقف القيادة الكردية المتعجل التي سارعت إلى إعلان ثورة أيلول 1961 ضد حكومة الثورة ودخولها في تحالف مع القوى البعثية والقومية المتآمرة ضد الجمهورية، على قاعدة عدو عدوك صديقي، قد ساعد في تسهيل مهمة القوى البعثية التي جاءت بقطار أمريكي-بريطاني إلى السلطة. يقدم نصير الچادرچي لنا لوحة پانورامية عن ثورة تموز والسياسات الإيجابية والسلبية التي مارستها قادة الثورة وبموضوعية عالية وفهم عميق لأهداف الثورة التي نُكبت بالعسكر. حين أسترجع أحداث تلك الفترة، وأنا من جيل نصير الچادرچي ذاته، أود تسجيل الرأي التالي: لقد لعب قاسم دوراً مهماً في شق وحدة الحزب الوطني الديمقراطي من خلال كسبه محمد حديد والجناح الذي تشكل في حينها إلى جانبه، واستعداد الأخير للمساومة مع قاسم، ربما بهدف إصلاحه، ولكن الحصيلة الفعلية كانت في غير صالح مسيرة الثورة ولا في مصلحة قاسم، كما إن هذا الانشقاق في الحزب الوطني الديمقراطي قد لعب دوراً سلبياً في قدرة هذا الحزب، الذي تأسس في العام 1946، والذي يحمل التراث النضالي والفكري لجماعة الأهالي وجمعية الإصلاح الشعبي منذ العام 1933، على التأثير المناسب والضروري في أحداث ما بعد ثورة تموز وعلى سياسات قاسم، خاصة وأن مساومة جناح محمد حديد ومسايرته لسياسات قاسم، قد اضعفت القدرة على تغيير سياسات قاسم. لقد لعب الحزب الوطني الديمقراطي دوراً نضاليا وإصلاحياً مهماً وحيوياً منذ تأسيسه حتى قيام ثورة تموز 1958 وكان محفزاً للنضال وواجه عنت السلطات الملكية واستبداد حكامها ولاسيما نوري السعيد، وكثيراً ما أُجبر الحزب على تعطيل نشاطه أو غلق جريدته، الأهالي ومن ثم صوت الأهالي، التي كانت مطلوبة شعبياً. كما إن قاسم لعب دوراً غير سليم في محاولته شق وحدة الحزب الشيوعي العراقي بدفع داود الصائغ إلى تشكيل حزب كارتوني حينذاك من أجل رفض منح الحزب الشيوعي إجازة عمل أو التعاون معه بذريعة وجود حزب آخر هو الحزب الشيوعي العراقي! لقد برزت لدى قاسم سياسة “فرق تسد!”، وكان مخطئاً في ذلك!
لقد حصلت بين 1963-1968 سلسلة من الانقلابات القومية-البعثية اليمينية المتطرفة وعاني الوطنيون والديمقراطيون الأمرين على أيدي هذه النظم السياسية الاستبدادية وقواها القومية المتطرفة. ويشير نصير الچادرچي إلى اعتقاله بعد انقلاب شباط 1963 واعتقال المئات بل الآلاف من الناس الديمقراطيين والشيوعيين وأنصار عبد الكريم قاسم، وجمهرة كبيرة من المثقفين الذين التقى بهم في المعتقل ومعاناتهم من أساليب التعذيب وإساءات الحكام الجدد والسجانة. وفي هذا القسم من الكتاب، ومع إشارته إلى ما تعرض له من ضرب وإساءة، إلا إنه ركز على ما أصاب الآخرين من جور وتعذيب واضطهاد، سواء أكان في معتقل النادي الأولمبي، أم في معتقل “أبو غريب” مع المثقفين ومعاناتهم في ليالي التحقيق المريعة مع المعتقلين. إن الكاتب يقدم صورة حية لمعاناة المثقفين في ظل الحكم الفاشي والعذابات التي تعرضوا لها ومعاناة عائلاتهم. ويذكر نموذجاً واحدا عن قذارة السجانين، وليس كلهم طبعاً ويمدح منهم رؤساء العرفاء، ولم ينج من قبضة الحرس القومي ورجال الأمن البعثيين حتى المجانين من الناس أو المرضى بالصرع. ويمكن الاطلاع على هذا السلوك الهمجي على ص 254 من الكتاب.
وغَدَرَ البعثيون والقوميون بالكرد، كما كان متوقعاً، الذين تحالفوا معهم لإسقاط حكومة قاسم، فشنوا الحرب مجدداً في كردستان العراق ضد الشعب الكردي وقيادته. ولم تمض فترة طويلة حتى انقض الحلفاء القوميون على الحكام البعثيين ليمارسوا أساليب مماثلة في تعذيب حلفاؤهم البعثيين وخصومهم الجدد وأصدروا كتاباً بعنوان (الكتاب الأسود) يتحدث عن خسة ودناءة وفضائح البعثيين، ولكنهم نسوا مشاركتهم في الخسة والدناءة والفضائح، ومساهمتهم في جريمة تنظيم قطار الموت حينذاك الذي حمل المئات من الضباط والعسكريين السجناء من بغداد في عز الصيف بقطار شحن حديدي إلى نقرة السلمان، كاد أن يهلك الجميع لولا نخوة وشجاعة أهل السماوة.
وفي الفصل الثالث، وتحت عنوان “الحياة تحت ظلال خيمة سوداء”، يكتب نصير الچادرچي مذكراته عن 35 عاماً من حكم البعثيين بالعراق، ويتطرق إلى الأوضاع في ظل النظام القومي بين 1963-1968 وعشية انقلاب القصر والمخابرات العراقية ووصول البعثيين إلى السلطة ثانية. ويشرح سياسة البعثيين في محاولة منهم تحسن قبح وجوههم بسياسات التقرب من الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين. ويشير إلى أحداث مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية أذار للحكم الذاتي بكردستان العراق، التي أُجبر عليها البعث نتيجة تدهور أوضاع نظامه في الحرب ضد الشعب الكردي وقيادته السياسية، ثم عن محاولات البعث لوضع دستور جديد أو مع مرافقته للشاعر الكبير محمد مهدي لجواهري، ومعهما الشخصية الوطنية عبد اللطيف الشواف، في زيارة لنادي المنصور وحديثه مع سكرتير النادي كاظم الخلف، وما حصل له في النادي ورواية نصير الچادرچي الشيقة عن الشخصية النجفية التي انتقلت إلى بغداد وأقام فيها واراد أن يقيم مجلس عزاء للإمام الحسين، وطالب القارئ بعدم ذكر السنة ولا المسيحيين ولا بني أمية في حديثه، ولم يكن من القارئ إلا أن قال لصاحب الدار: “لا مانع، ولكن حينها سأقول بأن الحسين قد مات صعقاً بالكهرباء ولم يمت بواقعة الطف استجابة لطلباتك.” (مذكرات نصير الچادرچي ص 313). وهنا أراد نصير الچادرچي أن يشير بشكل غير مباشر، كيف كان الناس حينذاك يتصرفون باحترام إزاء مشاعر الآخرين ولا يريدون الإساءة لأصحاب المذهب أو الدين أو الرأي الآخر بأي حال.
ويتطرق نصير الچادرچي إلى اعتقال شقيقه المهندس المعماري والفنان الكبير، رفعة الچادرچي، وما حصل له في المعتقل ومعاناة العائلة، ولاسيما أمه وزوجته، وسعيهم لإطلاق سراحه. وفي هذا المقطع من الكتاب يقدم لنا نصير مشهداً مسرحياً أو سينمائياً ممتازاً لنتبين منه حقيقة سلوك المستبدين في الأرض الذين لا يحترمون كرامة الإنسان ويتصرفون وفق أهواءهم وسلوكهم النرجسي والمرضي بعيداً عن الشعور بالمسؤولية إزاء الإنسان. ويشير لنا إلى كتاب “بين ظلمتين” الذي صدر بتحرير مشترك بين رفعة الچادرچي وبلقيس شرارة، زوجة رفعة. والكتاب يجسد الدكتاتورية بأبشع صورها واخس سلوكياتها وأفدح عواقبها على الفرد والمجتمع. وقد تسنى لي الكتابة والنشر عن هذا الكتاب القيم. ويمر الكاتب أيضاً على معاناة العراقيين في الحصول على شهادة الجنسية العراقية وما حصل لأبنة شقيقه باسل الچادرچي المهاجر إلى كندا (ريمة) وما حصل لها في دائرة الجنسية وقول مدير الجنسية الذي صرخ بالموظف المعرقل للعملية “إذا كانت حفيدة كامل الچادرچي ورشيد عالي الكيلاني لا تمنح الجنسية العراقية فلمن تمنحها؟ ..” (ص 324) وهنا يمكن الإشارة إلى معاناة الكرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب في تهجيرهم القسري بعد إسقاط الجنسية العراقية عنهم إلى إيران، حيث وصل عدد المهجرين قسراً بمئات الآلاف إضافة إلى معاناة المرضى والأطفال والعجزة وموت غير قليل منهم بالألغام المزروعة في الطريق.
وفي هذا الفصل يتحدث الكاتب عن الإرهاب الذي تعرض له الشعب العراقي وعن طموحات وأطماع النظام في التوسع وغزو الكويت وحرب العام 1991 بعد أن رفض نظام صدام حسين الانسحاب من الكويت والعواقب الوخيمة التي تعرض لها الشعب نتيجة تلك السياسات المناهضة لمصالح الشعب. ثم ينهي الفصل بالإشارة إلى الحرب في العام 2003 حيث تم إسقاط دكتاتورية البعث وصدام حسين واحتلال العراق من قبل القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة دون تخويل من مجلس الأمن الدولي.
ولاحظت بأن نصير الچادرچي قد تجنب ذكر ثلاث مسائل جوهرية، ربما سهواً أو بسبب حجم الكتاب، أشير إليها فيما يلي:
1. اتفاقية الجزائر في العام 1975 والانتكاسة الشديدة التي تعرض لها الشعب الكردي وقضيته وتحالف إيران والعراق وبتأييد من الولايات المتحدة وإسرائيل في توجيه الضربة للحركة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى البارزاني، والتي اقترنت قبل ذاك بالمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث عام 1974 وما أعقبه من بدء الهجوم على الحركة الديمقراطية العراقية وإنهاء عملي للتحالف بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي وما حصل للشيوعيين والديمقراطيين بالعراق.
2. التهجر القسري الواسع النطاق من جانب النظام العراقي للكرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب خلال الفترة بين 1979-1980 والذي أشرت إليه في أعلاه بدعوى “تبعيتهم لإيران!”، والخشية منهم أثناء الحرب التي شنها ضد إيران في العام 1980.
3. الحرب التي خاضها صدام حسين والقوات المسلحة ضد الشعب الكردي والحركة الكردية المسلحة وضد قوات الپيشمرگة -الأنصار الشيوعيين في العام 1988 وما حصل فيها من إبادة جماعية ضد الشعب الكردي واستخدام السلاح الكيماوي في حلبچة وغيرها، والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من الناس الأبرياء من الكرد ومن قوميات أخرى.
لديّ الثقة بأن الكاتب والسياسي الديمقراطي المميز نصير الچادرچي له مواقف واضحة وسليمة إزاء هذه القضايا الثلاث التي وقعت بالعراق في ظل حكم البعث الدموي، قبل هيمنة صدام حسين على السلطة وفي أثناء وجود أحمد حسن البكر، وبعد المجزرة التي نظمها ضد رفاقه في الحزب ومجلس قيادة الثورة للاستيلاء الكامل والمطلق على السلطة بالعراق. ومع ذلك كان لا بد من التنويه إليها.
وفي بداية الفصل الرابع من كتاب المذكرات يطرح نصير الچادرچي بدلاً عن القراء سؤالاً مهماً عن موقف شخصٍ ناضل في مطلع شبابه ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية على وطنه وهو سليل أسرة وطنية قضى والده الكثير من سني عمره متنقلاً بين السجون والمواقف والحظر والمحاكمات في سبيل قضية وطنه واستقلاله ونيل شعبه حقوقه كاملة وأهمها الحرية، عن سر قبوله للأمر الواقع من وجودٍ لقوات أجنبية تهيمن على بلده بعد كل تلك السنين من النضال والطموح، فأقول تجاه ما رأيت حينها بأن (الإنسان أهم من الأرض) إلا في حالة أن تكون الأرض هي المحور والنقطة المركزية لنضال الشعب ووحدته من أجل تحريرها واستعادتها من المستعمر والدخلاء كقضية فلسطين، ووجود (داعش) في المحافظات العراقية وآخرها مدينة الموصل.” (ص 335/336). هذا السؤال طرحه الكثير منّا على نفسه، ولكن قبل ذاك السؤال الأكثر أهمية هو الموقف من الحرب ذاتها والتي قادت حقاً إلى طرد النظام الدكتاتوري الفاشي، ولكنها، وبسبب ضعف وعي الشعب واستعداده للنضال ضد الدكتاتورية، كانت الحرب لا تعني سوى الاحتلال ومن ثم إقامة النظام الطائفي الذي نهض في أعقاب الحرب والعواقب التي يعيشها العراق ليس بالموصل ونينوى وصلاح الدين والأنبار فحسب، بل وفي العراق كله، ومنها ما يعيشه العراق اليوم في الخلافات المحتدمة مع إقليم كردستان العراق. لقد رفضتُ الحربَ، ولكن، وبعد وقوعها، لم يكن أمامي وأمام غيري، إلا البحث عن سبل مناسبة للخلاص من المحتل ومن الوجهة التي عملت الإدارة الأمريكية وإيران والأحزاب السياسية الطائفية على فرضها على الشعب بالعراق، فرضها النظام الطائفي المقيت الذي يعاني الشعب حالياً من ويلاته المريرة.
تشير المعطيات الواردة في المذكرات إلى الدور الذي سعى نصير الچادرچي إلى القيام به لدرء، أو السعي للوصول إلى نتائج أفضل لصالح المجتمع العراقي، وأعني بها:
1. الموقف الرافض للتوزيع الطائفي للجنة السداسية فالسباعية، ومن ثم في مجلس الحكم الانتقالي وإصراره على أن يكون ممثلاً للحزب الوطني الديمقراطي لا ممثلا ًعن السنة، وهو موقف سليم وحصيف، إضافة إلى موقفه الرافض لأن يكون حاكم بغداد.
2. الموقف الرافض للسرعة في وضع الدستور العراقي وإجراء الانتخابات، والتي جسدت مشاركة قوى لا يمكن إلا أن يخرج عنها دستور مشوه في الكثير من مواده واتجاهه العام، وانتخابات لا يمكن أن تأتي إلا بالنتائج السلبية التي ظهرت حيث استطاعت القوى السياسية الطائفية اجتياح المجلس النيابي. وأشير هنا إلى إن المرجعية الدينية والمذهبية الشيعية لعبت دوراً بارزاً وحاسماً ومتفقاً مع موقفي الولايات المتحدة وإيران في تعجيل وضع الدستور وتنظيم الانتخابات، وكانت النتائج كما ارادتها هذه الأطراف الثلاثة وبالضد من مصالح الشعب.
3. الموقف الرافض لحل الجيش العراقي وعدم دفع رواتب تقاعدية لأفراد القوات المسلحة المسرحة قسراً، والذي مارسه بريمر بأمر من الإدارة الأمريكية، وما يمكن أن ينشأ عن ذلك من عواقب تجويع العائلات وإمكانية اقتناص عناصر منهم من جانب قوى الإرهاب والتطرف. وما كان يخشاه نصير الچادرچي وقوى ديمقراطية أخرى قد وقع فعلاً وبأبشع صوره.
4. لقد أكد في محادثاته مع أطراف كثيرة إلى أهمية حصول تحالف وطني ديمقراطي بين القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية على صعيد العراق كله، وكذلك بمشاركة الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن من المؤسف القول بأن المكاسب الضيقة والآنية قد هيمنت على أغلب الأطراف، مما جعل من المستحيل تحقيق ذلك الهدف النبيل. وقد لعب التحالف الكردي-الشيعي دوره السلبي البارز فيما وصل إليه العراق بعد أن تخلت القيادات الكردية عملياً وفعلاً عن التعاون والتنسيق مع حليفها السابق والدائم، القوى الديمقراطية والتقدمية العراقية، وركزت على التحالف مع الأحزاب الشيعية الطائفية التي تخلت عنها كلية!
5. كما يتبين من مجرى الكتاب الجهد الذي بذله نصير الچادرچي وبقية الأخوة العاملين معه، مثل هاشم الشبلي وعبد الرزاق السعيدي وغيرهم في الوصول إلى إعادة تشكيل ونشاط الحزب الوطني الديمقراطي والمشكلات التي واجهت تشكيله والتي لعبت، كما أرى، الكثير من الذاتية والرغبة في قيادة هذا الحزب، والتي كان لها الدور البارز في فشل تلك المحاولات. لقد كان وما يزال مهماً للعراق وشعبه وجود حزب كالحزب الوطني الديمقراطي في الساحة السياسية العراقية لتجميع القوى الوطنية من فئات المجتمع وبشكل خاص ما تبقى من البرجوازية المتوسطة والبرجوازية الصغيرة والمثقفين الديمقراطيين، وكذلك من عمال وفلاحين، إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي وقوى سياسية يسارية وديمقراطية أخرى، لينتهج السبيل المناهض للطائفية والشوفينية والعنصرية ويمارس سياسة إصلاحية ديمقراطية يبعد الوطن عن الطريق المعوج الذي هو فيه الآن، وما تسبب ويتسبب به من كوارث ونكبات. وقد نشأت مراسلة بين أستاذي الفاضل نجيب محي الدين وبيني حول أهمية وجود مثل هذا الحزب وضروراته وضرورات وجود شبيبة، إناثاً وذكوراً، فيه، إذ بدونها يستحيل بناء الحزب مجدداً وتطوره ولعب دره المنشود بالبلاد.
6. ولا شك في صواب الموقف الذي اتخذه نصير الچادرچي من اللقاء بصدام حسين يعد اعتقاله ورفضه الشماتة بهذا الأسلوب المشين الذي مارسه موفق الربيعي مع الدكتاتور الذي أذاق الشعب العراقي مرً العذاب. وقد أعلنت موقفي في حينها بأن من الأفضل للعراق التخلي عن أحكام الإعدام بما في ذلك التخلي عن تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين، لا من باب الرحمة به، بل من المبدأ الفعلي القائل بإن أحكام الإعدام لا تنفع أحداً ولن تغير من طباع المستبدين ولن تقدم لهم دروساً مفيدة، وخير دليل على ذلك سلوك رئيس الوزراء السابق والقائد العام للقوات المسلحة الذي انتهج في فترة حكمه بين 2006-2014 سياسات وأساليب لا تختلف كثيراً عن صدام حسين والعواقب المريعة التي نشأت عنها، وهو ما يزال يسعى لفرضها على الحكم والمجتمع وكذلك نشاطه المحموم في العودة إلى السلطة!
لقد تضمن هذا الفصل تفاصيل مهمة غير مطروقة سابقاً، سواء أكان في الموقف من حاكم العراق الأمريكي والمستبد بأمره پاول بريمر، أم من القوى السياسية الطائفية ونهجها وسلوكياتها، أم في مجمل الأوضاع الجارية والتي دعته إلى رفض ترشيح نفسه للانتخابات الثانية التي جرت بالعراق لقناعة تشكلت لديه بأن الأوضاع تسير بالاتجاه الغلط، وهو ما وقع حقاً.
إن كتاب نصير الچادرچي، والملاحق التي جاءت في نهاية الكتاب، يشكل شهادة حية وموضوعية ومهمة عن العصر الذي نحن فيه، عن الفترة التي تقع بين 1933، وهي سنة ولادته، وعام 2017، حيث اُحتل العراق في العام 2014 من عصابات داعش والنضال لتحرير البلاد من رجس هذه العصابات والخلاص من الطائفية المقيتة المهيمنة على البلاد والعواقب التي نشأت وتنشأ عنها إن استمرت في الهيمنة على حكم البلاد. أشعر بأن المكتبة العراقية قد اغتنت بهذا الكتاب وكذلك سيغتني بمعلومات ومعارف ومواقف مهمة من يقرأ هذا الكتاب، ولاسيما الشبيبة العراقية، من الإناث والذكور.
وأخيرا أشعر بضرورة وأهمية أن أشير إلى إن الصديق ورفيق النضال الديمقراطي الطويل الأستاذ نصير الچادرچي يعتبر بحق قامة وطنية وديمقراطية شامخة قدمت للعراق وشعبه، بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية الديمقراطية واليسارية والعلمانية، الكثير من الخدمات وما يزال يقدم مثل هذه الخدمات النبيلة. إنه أبن ذلك الأب الجليل كامل الچادرچي وابن تلك العائلة الكريمة التي قدمت الكثير من الخدمات في السياسة والأدب والهندسة المعمارية والفن. أتمنى له الصحة الموفورة والعافية وطول العمر
برلين في 15/10/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here