في أنماط التفكير ! إذا نظرناإلى الناس ، من زاوية الفكر ، من حيث طرق تفكيرهم ، نجد أن

هناك أنواع عديد منهم ، أو لهم المواقف مختلفة ، فهم لا يرون الأشياء من نفس الزاوية ، وهذا عادةً ما ينظر أليه علئ أنه شيء مشروع ، فالأشياء من من ناحية لا تبدو نفس الشيء لكل الناظرين ، وهي من ناحية ليس نفس الشيء في كل الأوقات . لكن ما يلفت النظر ليس الأختلاف في وجهات النظر ، وإنما الطريقة التي يتميز بها بعض الناس في النظر للأشياء ، أو بتعبير آخر أنماط الفكر ، فهذه الأنماط أو الأساليب هي التي تثير الأشكالات ، والتي نزمع معالجتها هنا . بيد أن لفظة نمط أو مصطلح نمط ، يبدو لنا أكثر مما نريد نعبر عنه ، فلم نقصد به أنماط الفكر المختلف لدى شعوب العالم ، وأنما أردنا فقط أنماطه من التفكير لدى شعب واحد ، أفراد عديدون منهم ، وأختلافهم ، عن الأكثرية ، عن التفكير السوي . فهو فكر ، لدى مجموعة ، فئة ، تسلك منحى وأحد ويستجيب للأحداث المتباينة بنفس الطريقة . وإذا هذا الذي قدمنا ، لم يوضح لما نريد نقوله ، فلعه ، ما سنقوله عن ذلك النمط ، في هذا السياق قد يوضح ما قصدنا بنماذج أو أنماط التفكير . لنقل عنها أخيرا أنها ميول سيكولوجية عند شريح من المثقفين أو عند عامة الناس . فالنمط الأول ، عند هؤلاء , نجد الواحد منهم ، يأخذ الأشياء كما هي ، ويقبل بما هو موجود ولا يطلب أكثر من ذلك ، مهما كان هذا الوجود غريب أو غير مقبول ، وهذا الإنسان ، هو ، الذي ، لأول وهلة يبدو من قبل الناس على حق والكائن السوي ، فهو ليس لديه أعتراضات عن أي شيء ، لذلك هو يعيش في أتساق وأنسجام مع ما هو موجود حتى ولو كان يعيش في الجحيم . فهو مخلوق يقبل الأشياء على علاتها . ويرى كل ما موجد متفق مع العقل ، عقله هو ، بالطبع ، ، فهذا العالم في نظره أفضل العوالم . ولا فرق لديه في الحوادث فهي كلها ضرورية . هو يختلف عن المحافظ بكونه لا يقبل أي تعديل أو تغير مهما كان ضئيل ، فهو يأخذ الأشياء على علاتها . أما النوع الثاني من التفكير لدى بعض الناس ، فهو الذي يبدأ من رفض كل ما هو موجود ، بعكس الأول ، ويعد كل ما موجود غير مقبول ويستحق الزوال والتغير ، فهو يرى ما هو كائن غير عقلاني ، ولا كما يجب أن يكون ، فالأشياء ، من وجهة نظره ، أما تكون منسجمت مع العقل ، العقل حسب ما يراه هو ، بالطبع ، أو يجب أن لا تكون . وتجده يبحث عن أي وسيله لتغير ، ولذلك تراه كئيب قانط ، فما حوله يشيع في نفسه الحقد والكراهية . ويعد كل من يقبل بما موجود رجعي وكائن كريه . ولهذا ينظر إلى العالم كأسوء العوالم . وهذين النمطين يبدون كوجهين لعملة واحدة ، ولكنهما مع ذلك يتبادلان العداء والأتهامات ، ويحمل كلاهما الآخر مسؤولية سوء الأوضاع .

أما النوع الآخر ، واذي يتوسط هذين النموذجين ، الذي يمكن أن نعدهما متطرفين ، ولا يقبلان التسوية ، والحل الوسط ، فهو اللأدري ، أو غير المبالي ، ومن ليس له موقف مما هو كائن أو موجود . والذي هو المادة الخام التي يستخدمها كلا من الرافض لما موجود والقابل بكل ما موجود لأغراضهما في كسبه لصفهما . فهذا للأدري ، الذي غالباً ما يخضع لواحد من هذين التيارين بحسب ما يمكن للأحدهما يقنعه بفكرته عن ما موجود في عالمنا . ولذا هو شخصية سلبية ومتلقي منفعل أكثر ما شخصية فعالة ومبادر .

ولو ، حاولنا تفسير سلوك تلك الأنماط ، لصادفتنا صعوبات كأدا . لأن لا تفسير بالعوامل الأجتماعية مقنع ، ولا التفسير السيكولوجي مجد في مثل هذين النمطين من السلوك ، فهما فيما يبدون ، ليس ضحية للأسباب أجتماعية أو لدواع نفسية وإنما ، هما في ما نرى نميطين من السلوك يتعالين عن أي من هذين التفسيرين . وكل ما يمكن أن يقال عنهما نموذجين ، أو ميلين لا دخل للعوامل النفسية أو الأجتماعية في حدوثهما ، فهما فطرين وفِي جبلة الشخص ولد عليهما وكفى ، وجزء من هيكله وتكوينه ، كلون عيون وشكل أنفه ، خلقا هكذا ، وقدر عليهما تأخذ هذا الموقف لا ذاك بقضى لا مرد له . فقد بات معروف أن العوامل الأجتماعية والنفيسة لا تفسر كل سلوك الفرد ، كما شيع عنهم ، وهما ليس لهم الغلبة ، فهناك عوامل آخر خفية لهم تأثير كبير في صياغة تصرف المرء وطريقة ردود فعله عن ما حوله . بالطبع مثل هذا التفسير يبدو وكأنه يجعل من سلوك المرء كأنه لغز وأحجية . ومع ذلك ، علينا نسلمنا بهذا ، ولا نسأل لماذا وكيف ، لأن التجربة والمعايشة والاحتكاك بالآخرين ترين عدد غفير من هذين النمطين ، فهما لا بفعل ظروف أجتماعية ولا لرضات نفسية أصبحا بفعلهما هكذا ، وإنما ولد على مما هما عليه . وما دمنا فيما يبدو قد وصلنا لطريق مسدود في تفسير هذين الميلين وعتبرناهما شيء فطري ، جيني ، بيلوجي ، سابق لنفسي والأجتماعي . فلنظر في نوعين من الفكر آخرين ، ليس أصحاب على هذه الدرجة من الأنغلاق والتعصب لرأيهما ، فهم يقيما تفكيرهما أما على أيمان أو اعتقاد قائم على معرفة غير يقنية ، أو معرفة قائمة على دليل أو حجة . وهذان يقبل الجدل والأستماع لرأي الآخرى . وهم من يعدون الكائن السوي ، اللذان ، يمنحنا رأيهما ، وقبلات الأخذ والرد . فهذين الطريقين الآخرين من التفكير هما الأعتقاد والمعرفة وهما أسلوبين من التفكير لكل واحد سماته ، ويعدان قديمين قدم الفلسفة ، ومنذ زمن أفلاطون . وكان ينظر لاعتقاد على أنه أقل مصداقية من المعرفة ومبني على الحواس دون العقل . أما المعرفة فكانت أكثر مصداقية وقرب للحقيقة لأنها مبنية على العقل . وأصحاب هذين الموقفين هما الرجل العادي والفيلسوف ، فالعامي ، الرجل العادي ، يعتقد بما يرى وما تمده به الحواس دون البحث عن الماهية الحقيقة للشيء والتي تكمن خلف الشيء الذي يراه ، فالأشياء، عادة ما تكون ، ظاهر وباطن ، أو مظهر وحقيقة . وهذه المعرفة متغيرة ومتبدلة . فكان الأعتقاد ، لذلك متغير ، غير أن مع حلول الأديان ، جعل من الأعتقاد شيء جامد وثابت وأعلى قيمة من المعرفة ، التي كانت مرادفة للفلسفة . وبذلك تحول الأعتقاد ، أو المعتقدين في أفكار دينية إلى متعصبين لمعتقدهم . وهم لا يختلفون عن النوع الأول الذي ذكرناها بسوى أنهم لا يقولون لكل ما موجود نعم وهو الذي يجب أن يسود . فهؤلاء لديهم فلسفة خاصة بهم للوجود وللحياة التي يريدونها أن تعم وتسود . أما رجل المعرفة أو الفيلسوف فليس لديه مثل تلك النزعة ، وأنما هو يغير أفكار ويلأئمهم لتخدم أغراض واهداف الإنسان ، ولا يجعل منه نفسه عبد لافكار . ولعل خير من مثل هذا النمط قديماً هو سقراط الدي ينشد الحقيقة من خلال تمحيص المعتقدات والأفكار ومدى معقوليتها . ومثل وهذا الفيلسوف، الذي مثل سقراط ، بات عمله نادر ، ولا يوجد في كل الأزمنة والأماكن ، فهو يوجد في الحضارة المنفتحته على الآخر . ومع ذلك ، فليس كل فيلسوف في المقابل ، الذي من همه ، بحسب تعريف الفيلسوف الباحث عن الحقيقة ، يخلو من التعصب ، فهناك عبر التاريخ أيضاً ً فلاسفة متعصبون ولوجهة نظر معينة ، فأرسطو ، مثلاً ، كان يعتقد ، أن الأغراب ، أو ما كانوا يسمونهم البرابرة ، أقل جدارة وقيمة من المواطن الأغريقي ، غير أنه يبقى تعصب الفلاسفة أقل وطئة من تعصب المتعصب ، لأن الفيلسوف يعتقد بصحة وحقيقة وجهة نظره في حين المتطرف يدافع عن وجهة بغض النظر عن صحتها أو خطئها ، فهو يدافع عنها بتركيبت عقله ومزاجه . بينما الفلاسفة ، عادةً ما يراجعون معتقداتهم وينتقدوها ما أن يتبين لهم تهافتها ولا معقوليتها .وما نخلص إليه في النهاية ، هو أن نشير بأن الطريقتين الأولتين في التفكير ، أي القبول بكل ما موجود ، ورفض كل ما موجود هما لا ينبع من موقف أيدلوجي أو حزب ، وإنما كما قلنا عن طبيعية وجبلة ، وميل وحالة مرضية ، ولذا هما لا يمكن مناقشة أصحابهم عن حججهم في الرفض والقبول . أما الموقفين الآخرين والنابعين عن أعتقاد ومعرفة فهما اللذان يمكن أن يجادل المرء بهما . والنمطين الأولين هما اللذان يسودان لدينا ، وسبب ذلك هي أننا لم نصل بعد للمرحلة أو نهجر مرحلة التعصب للقبيلة والطائفة والحزب ، فهي مرحلة أقتصادية عليا لم تبلغها اكثرية الدولة العربية . وعلية ، فمرحلة المعرفة ، هي الفترة التي ينظر فيها الناس للأشياء من زاوية موضوعية ، بعيداً عن التعصب ، ومن أجل معرفة الحقيقة . وهي المرحلة العليا ، والتي توجد في البلدان الديمقراطية الحقة .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here