صعوبات تواجه اندماج العراقيين في المجتمعات الأوروبية

باسم لازم/

لعل الاندماج بالمجتمعات المضيفة يمثل واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه العائلات العراقية القادمة من مجتمعات العنف والخوف والتحفظ إلى مجتمعات منفتحه له ثقافتها وطريقتها في العيش والتعبير.

وبينما تواجه العائلات العراقية بقلق كبير ترك أطفالها لتلقّي ثقافة مختلفة ومغايرة تماماً لتلك التي تريد أن يتربى عليها أطفالهم،فإن ثمة عائلات أخرى تترك أطفالها ليندمجوا بهذا المجتمع الذي سيعيشون فيه، وسيفرض عليهم ثقافته في كل الظروف.

القادمون من مدن الرعب

في ساعةٍ متأخرة من إحدى ليالي الموت المنكوبة، شاهدَ بعينه اقتياد والده من قِبل مجموعة إرهابيين، ظلّ طوال شهرين وهو يعاني من صدمةِ المنظر ويتخيّل عودة المسلحين لأخذه وعصب عينيه كأبيه، قبلها امتنع عن الكلام لأسابيع طوال ظناً أنهم يسمعونه إذا تكلم، كان يستيقظ ليلاً وهو فزع ويرتجف ويسأل عن أبيه الذي تم العثور عليه بعد عدة أشهر جثة مرمية في إحدى المزابل.

حالة هذا الطفل، وغيره الكثير من الذين عاشوا ظروفاً غير طبيعية في بلدانهم، تنعكس على طريقة حياتهم الحالية بعد انتقالهم للعيش في المجتمعات الأوروبيّة.

هروب قاتل

تقول (أم عمر) والدة الطفل: في رحلة هروب مرعبة عبر البحر وصلنا السويد، فتم وضع ولدي بمركز نفسي خاص لتهيئته لمرحلة ما بعد الصدمة، وكيفية التعامل مع حالات التوتر التي تصيبه فجأة، وها هو يتماثل للشفاء بعد مرور أربع سنوات على الحادث، أما بشأن بناتي اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 11-15 فأعتقد أنّ موضوع التعامل مع ثقافة المجتمع الجديد لأعمار مثل هذه الفتيات يجب أن يتم حصر المواضيع الحساسة منها ضمن الأهل فقط، لأن الانفتاح على أمور حساسة وبشكل مكشوف (صورة وصوت) وباختلاط يحتاج إلى تأنٍ، أنا أقوم باستمرار بتوجيه بناتي الأربع نحو طبيعة العلاقة ما بين الرجل والمرأة، وما هو المقبول وغير المقبول بين الطرفين.

قانون وبيئة

المغتربة العراقية في هولندا بشرى الطائي تقول: بدأ ابني يومه الأول بالمدرسة بموجزٍ مكتوب بخطِ اليد داخل كراسه الملون، يلخص تفاصيل البداية مع معلماته وزملائه في الدرس، إضافة لأكثر من مقطع فيديو قامت إدارة المدرسة بإرساله لي عبر الواتس أب، علماً أنّ المدرسة تتكفل بطعامه وشرابه لوجبتين غذائيتين.

بهذا الشغف الجميل تحدثت عن تجربة طفلها، وحينما قاطعتها باستفزاز متعمد، حول عدم أحقية الحكومات الأوروبية بسحب وصاية الوالدين، أجابت بغضب: من حق الطفل أن يحمي عالمه الملون بالحياة، ماذا يفعل إذا كان الأبوان جلادَين؟

أما قضية خوف العائلة الشرقية من أرقام الهواتف التي تعطى للطفل عند تعرضه لسوء المعاملة، فلا أعتقد أن هنالك مبرراً للخوف من أية جهةٍ أو مؤسسة معنية بالاستماع لشكوى الطفل إذا ما كانت قبلها جسور المحبة والثقة ممدودة بين الطفل وذويه، علماً أنهُ لا يوجد رفع لوصاية الوالدين إلا في حالة تعرض الأطفال للعنف الأسري، أو أُرغم على تربية شرقية متخمة بالعيب والحرام والموانع داخل دول أوروبا، ذلك أن الطفل خلال تكوينه النفسي الثقافي الاجتماعي يستمد الجزء الأكبر من المجتمع الأوروبي الذي صار منه.

فراغات وموانع

التربوية العراقية المقيمة في السويد عبير عامر تقول: العلاج من آثار التدمير النفسي وضجيج الحروب المفضية إلى الانطواء والعزلة التي يعاني منها الطلبة اللاجئون يبدأ بضرورة اندماجهم مع الطلاب السويديين ليتم ملء الفراغات السلبية العالقة بذهنياتهم. امّا المشكلة التي أعتقد أنها تقف دائماً عائقاً بين الطالب والبيئة السويدية الجديدة، فتتلخص بالوصاية التي يحاول بعض الآباء فرضها على أبنائهم كقضية الاختلاط وطبيعة الملبس عند الفتيات، تلك الموانع التي يشتكي لنا منها الطلبة أنفسهم وبتذمر.

ولا أستبعد، تضيف عبير، أن يتحول مع الوقت إلى موقف صارم، لذا يجب تأهيل الأهل لمعرفة قوانين البلد وأخذ فكرة عن قوانين المجتمع السويدي. تصوري أنهم يسألونه داخل المدرسة حتى عن رغبته باللحم المذبوح على الطريقة إلاسلامية أم لا، لا أعتقد أنهم مجبرون على أدق التفاصيل، لكن كما أكدت بأن البناء التربوي السويدي قائم على احترام الحريات الشخصية وتقديسها.

صراع ثقافي

المتخصصة بشؤون الأسرة خولة السليطي تقول: من الصعوبة حجب الطفل، مهما كان انحداره، عن ثقافة البلد المضيف، لأنه ببساطة يقضي جلّ أوقاته خارج المنظومة العائلية وبهذا يفقد تدريجياً ثقافة عائلته ويتجه إلى ثقافة البلد المضيف، وهنا سينشأ في داخلهِ صراع ما بين ثقافة قديمة وأخرى جديدة ويتصاعد هذا الصراع ويأخذ منحدرات متعددة والنتيجة في كثير من الحالات تُفضي الى ازدواجية السلوك حيث يظل هذا الطفل حائراً ما بين إرضاء أهله وبين ما يحمله من قيم جديدة، أما إرجاع نفسية الطفل إلى الحالة الطبيعية بعد تعرضه إلى كوارث الحروب او ضغوط نفسية معينة، فإنه هنا يحتاج إلى رعاية خاصة وحلول تساعد الطفل على اجتياز مرحلة “ما بعد الصدمة” والمتلخصة بالرعاية النفسية عبر زجّ الطفل ووالديه، باعتبارهما الشريكان الرئيسان، بعملية البناء التربوي إذا ما أردنا أن نبني ثقافة متوازنة للطفل طرفاها مصادر القوة والإيجابية من الثقافتين ونبذ كلّ السلوكيات المضرّة بشخصية الطفل.

عزل واندماج

المتخصص في العلوم السياسية، الأكاديمي علي حسين الشمري أعتبر أن العائلة المهاجرة لديها سوء قراءة في المجتمع الأوروبي وازدواجية غير متعمدة وربما ناتجة عن جهل وفقر معلوماتي، قائلاً: إنهم يدمجون المجتمع الأوروبي بكل ما ينتج من تكنولوجيا وطب واحترام للخصوصيات والحريات الفردية، وما بين معتقداتهم التي يظنون بالتوارث أنها الأمثل وخصوصاً الدينيّة وهذا خطأ كبير، فلا يحق لأحد أن يقبل الجانب التطوري الأوروبي من ناحية صناعة الحياة، وفي الجانب الآخر ينكر الجوانب الفكرية باعتبار أن الصدارة من حصة العقلية الشرقية، بل أن المجتمع يعتبر أوروبا نموذجاً للتقدم الفكري الذي يتفرع منه التطور لكلِ مناحي الحياة المجتمعية.

وفيما يخص مرحلة ما بعد الصدمة، فإن هناك ثلاثة محاور صحية بإمكانها إعادة الطفل المأزوم نفسياً إلى طفولته الطبيعية: الأول هو المدرسة والثاني هو العائلة، أما الثالث فهو البيئة خارج هذين المحورين، عبر خلق مناخات جديدة لهؤلاء الأولاد بالإستجابة لهواياتهم وما يرغبون، لدينا هنا نوادٍ ثقافية لكلِ المواهب الكفيلة بتنقية ذهنية الطفل القادم من صخب الانفجارات وكوابيس الموت، وهناك مسألة مهمة جداً وهي قضية الجو الأسري المفخخ بأخبار الحروب والحوادث التي يتداولها الأب والأم وعبر شاشات التلفاز الإخبارية العربية، كل تلك الأمور من شأنها إعادة اجترار الماضي بذهنية الطفل وإلصاقه، لا إرادياً، بعالمه القديم البائس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here