صحيفة: كرد بغداد يدفعون ثمن استفتاء لم يشاركوا فيه.. وهذا هو الحل الوحيد أمامهم

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، الثلاثاء، ان الاستفتاء على الاستقلال باقليم كردستان في الـ 25 من أيلول الماضي، أثار ما اسمته بـ “أزمة هوية” لدى بعض الكرد المقيمين في ضواحي العاصمة بغداد.

وقالت الصحيفة في تقرير لها، نشر اليوم ( 31 تشرين الأول 2017)، إن حي “عكد الأكراد” أو حي الأكراد، الواقع وسط بغداد تعيش فيه منذ أجيال 200 أسرة كردية في أزقة متعرجة ومنازل متلاصقة، حيث نقلت الصحيفة عن أحدهم قوله بان الكرد مُجبرون، لأول مرة منذ عقود، على الاعتراف بهويتهم المزدوجة، لأن معظمهم يتحدث العربية بلكنة العاصمة المميزة، ولم يسبق لهم الذهاب إلى إقليم كردستان في الشمال.

وأفاد صباح مكي، وهو معلم متقاعد وُلد وترعرع داخل الحي، إنه فيما يتعلق بتنامي نزعة القومية العربية العراقية لدى كرد بغداد، فاننا “كلنا هنا نرتعد خوفاً مما قد يحدث لنا بسبب الاستفتاء”، مضيفاً أنَه “قلق من أن العرب، الذين يمثلون الغالبية العظمى لسكان بغداد، سوف ينظرون إلى الكرد كفريسة سهلة في حال تفاقم المواجهة السياسية أو العسكرية”.

وأضاف مكي أن “مخاوفهم تتباين ما بين المخاوف العادية والوجودية، فهناك كرد عديدون يعملون داخل قطاع الخدمات العامة الواسع في العراق أو يعيشون على المعاشات البلدية، وبالتالي ازداد قلقهم من تعرضهم للتفرقة العنصرية الآن أكثر من ذي قبل”، كما انهم يخشون التعرض في أسوأ الأحوال للطرد من منازلهم”.

وتابع قائلا إن “معظم الكرد في المنطقة عاشوا حياتهم كلها في بغداد، وهم يعتبرون أنفسهم كردا عراقيين”، فيما أفاد رجل الأعمال محمد عبد الله (54 عاماً)، بانه “راقب بتوجس تصاعد حدة تداعيات الاستفتاء من مجرد مشادة سياسية كلامية إلى غارة عسكرية فعلية شنتها القوات العراقية على مناطق واقعة تحت سيطرة الكرد، مثل مدينة كركوك”.

وأضاف انه وبعد شعوره بان هذه المسألة لن تنتهي بسلام، أعد العُدة للانتقال مع عائلته إلى الأردن في حال تمكن الغضب العراقي إزاء الاستفتاء من بلوغ الحي الذي يقيم فيه، وأردف قائلا “الكرد هنا في بغداد أقلية، ليس لدينا من يحمينا، نحن من سوف يتضرر من جراء موجة الغضب حول الاستفتاء المنتشرة حالياً”.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى ان “حي عكد الأكراد” ذاته لا يحاول إخفاء هويته الكردية، فهناك تنتشر السلع في منطقة التسوق الرئيسية على الأرصفة وتفيض في الشوارع، وتكثر عربات بيع الأطعمة التي تروّج اللحوم المشوية التي يشتهر بها الكرد، كما ان العديد من مظلات مداخل المطاعم والمقاهي تكتب أسماء أصحابها بفخر مصحوبة باللقب الشرفي “كاكا” والذي يعني “الأخ” باللغة الكردية.

وتابعت انه داخل الحي ذاته، تتزين الجدران بصور قديمة لشعراء كرد وعرب، فمثلاً، تعلو أحد الجدران صورة باهتة باللونين الأبيض والأسود للرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم، تجاورها صورة لجلال طالباني، الرئيس العراقي الكردي الراحل الذي تولى رئاسة العراق بعد تعرض البلاد للغزو من الولايات المتحدة الأميركية عام 2003.

ونقلت الصحيفة عن أحد البقالين في المنطقة ويدعى سمان عليّ (50 عاماً)، قوله “نحن نعيش أياماً عصيبة ما بين حلم الاستقلال في دولةٍ خاصة بنا ككرد والمستقبل المجهول الذي ينتظرنا ككرد يعيشون في بغداد، الأمر غاية في التعقيد، لأنَّ الشعب الكردي يستحق أن تكون له دولة مستقلة خاصة به”.

وألقى البعض، لاسيما الشباب، باللوم الشديد على عاتق قيادة الإقليم الكردي لوضعهم في موقف محفوف بالمخاطر في بغداد، المدينة الوحيدة التي يعتبرونها موطناً لهم، حيث أفاد طه عباس (23 عاماً)، وهو طالب جامعي، إن لغته الأم هي اللغة العربية، وأنَه يتعرض للسخرية من الكرد في أربيل بسبب لكنته عندما يتحدث باللغة الكردية، في حين تذكر بطاقة هويته في بغداد أنه كردي الجنسية، مما يجعل منه “مواطناً من الدرجة الثانية” على حد تعبيره.

من جانبه، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي، طمأنة الكرد في العراق بأنهم ليسوا عدوا، حتى مع دخول القوات العراقية الاتحادية إلى مناطق تمركز أكبر عدد من السكان الكرد في الشمال، وقال العبادي في لقاء له مع صحيفة “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي “أنا فخور للغاية بأنَّ المجتمع العراقي استطاع الحفاظ على تنوعه وتنوع سكانه؛ هنا يكمن موطن قوتنا! هنا يكمن تراثنا! هنا تكمن هويتنا! هذا هو ما يجب علينا أن نحميه ونحافظ عليه! الاختلاف ليس عيباً في بلادنا؛ العيب الحقيقي هو أن نحاول قمع الجانب الآخر الذي يمثل الأقلية”.

لكن الشاب “طه عباس” ليس مقتنعاً بأنَّ كلمات رئيس الوزراء “الاسترضائية” سوف تتخلل المجتمع العراقي المنقسم بشدة، حيث قال “أفضل حل هو الهجرة إلى بلاد أخرى، بعيداً عن الصراعات، والبدء من جديد”.

بينما أعرب فايق حماد (70 عاماً)،عن تفاؤله تجاه الوضع الراهن، واسترجع بذاكرته أسوأ أيام شهدتها الأزمة الحكومة العراقية والكرد، من ضمنها الانتفاضة الدموية ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتي قمعت بالغاز السام في عام 1988، وقُتل فيها ما لا يقل عن 5 آلاف كردي، وأوضح ان “ما يحدث الآن مجرد زوبعة وستزول. لطالما كانت كردستان وبغداد شقيقتين، وستظلان دائماً كذلك”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here