نظرية الاستبداد الفقهي ؟ كيف تأصلت عند المسلمين؟ ولا زالت الى اليوم..؟ دراسة علمية..

د.عبد الجبار العبيدي
——————————————————
مصطلح الاستبداد ليس جديدا . فمنذ ظهور نظرية الانفصال الكوني حسب ما جاء في النص القرآني ،(الانبياء،30) وتكوين المجموعة الشمسية وبداية المخلوقات على سطح الارض . تولدت معها نظرية الاستبداد دون قانون، حين بدء الوجود ، وظهرت حركة الزمن ، وحلول سلطان الفعل الانساني المتمثل بسلطة الغالب على المغلوب .

.ورغم اننا لا نملك وثائق مكتوبة ولا ادلة تاريخية محفورة لما حصل للمخلوقات قبل ان يُخلق آدم أبو الآنسنة البشرية ، لكن المكتشفات الآثارية القديمة بدأت تخبرنا بالكثير مما غمض من مراسيم الحياة القديمة ،عندما تم أكتشاف انسان النايتدرال في الصين ، والذي كان عمره اكثر من مليون سنة قبل الميلاد. وعندما صح هذا الاكتشاف كان علينا ان نعيد النظر في تأويل النص الديني المقدس في عقيدة الدين .

من هنا نقول ان محوربداية الوجود الانساني هو آدم ابو الانسانية وابوالتاريخ وليس ابو البشرية،فمصطلح البشرية يعني كل المخلوقات وليس الانسان فقط..؟ أي بآدم بدأ التاريخ الانساني، وما قبله لم يكن سوى وجود فيزيولوجي هو المخلوق المجهول الذي لانعرف عنه شيئاً.،ويبدو ان النبوة بدأت بنوح ومنه بدأ التجريد :(انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده….. النساء 163) ). لذا نرى ظهور قوانين تحكُم وجود البشر، بدأت من هنا اي من بعد وجود آدم، حين حاول الانسان العثور على قواعد تَحكُم سير الحوادث او اسباب قيام حركة التطور الانساني ، وما مرت به من احداث. فظلت كلها تأملات عاشت حية في أذهان الناس دون معرفة سر الوجود، وكيف خُلق؟وكيف تكائر؟وكيف بدأ يتكون ؟ وحتى النظريات الحديثة كلها أقاويل بنيت على التصورات لا على الحقائق العلمية الثابتة بسند علمي رصين ، وخاصةً عند المسلمين .

اننا لا نملك الدليل المادي لدراسة الانسان وبدء تاريخ سيطرة القوي على الضعيف واخضاعه لأرادته سوى ما نقرأه من لمحات في الايات القرآنية التي نعتبرها المصدر التاريخي الوحيد كشاهد حي على ما نقول.يقول الحق: (لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب …..،يوسف111).وحتى نتبين بداية الاستبداد والقوة ، انظر الاية 258من سورة البقرة “ألم ترَ الى الذي حاج َ ابراهيم في ربه ان اتاه الملك اذ قال ابراهيم ربي
2
الذي يحي ويميت ..قال أنا أحي وأميت ..قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

فالآية اشارت الى عدم معرفة الخلق بالنظام والقانون وحقوق الناس ففرضوا ارائهم بالطغيان الفردي والجماعي دون مراعاة لحقوق الاخرين….ولا زالوا الى اليوم..كما نراه اليوم في محاربة أراء الفقيه كمال الحيدري المناهضة لافكار فقهاء التقليد؟ ومن يقول ان الاسلام قد غير الحالة لصالح الانسان وطبقت عند المسلمين ، عليه ان يقدم الدليل..فالحقيقة اثباتها بالدليل ..فأين الدليل ..؟

ان طرح شعار حاكمية الله كما اعتقد،ألذي ألغى بدوره كل مفهوم للخيار الانساني هو شعار أنساني مبتكر وليس ربانياً مُقدر، ما عدا وحدانية الخالق.،لقد تأصلت هذه النظرية عند الفراعنة حين اعتبروا ان الانسان عبداً مطيعاً لهم عليه كل الواجبات بلا حقوق ،ويتجلى ذلك من المحاورة بين الفرعون وموسى.حين حاول موسى اقناع الفرعون بضرورة الاعتراف بحقوق الناس دون تمييز ،فيرد الفرعون عليه : ( …اني لأظنك يا موسى مسحورا،الاسراء 101) ، لكن القرآن يرد على الفرعون المستبد بقوله تعالى:” وأني آراك يا فرعون مثبورا،الاسراء 102″. لقد أنبهر الفرعون من كلام موسى رغم ان موسى لم يكن فصيح اللسان بمقدرة أخيه هارون ،القصص 35) ، فهل من يحكمون اليوم يتعضون..؟.

وظهر الحال قبل الاسلام في عهد المسيحية ، رغم دعوة السيد المسيح الى المحبة والاخاء والحكمة ونبذ الاقتتال والحروب واحلال السلام والمساواة بين الناس ،يقول الحق 🙁 ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل آل عمران 48 ). ورغم اعتناق الرومان للمسيحية ففد ظلوا من المستبدين، حين جعلوا الروماني فوق غيره بحكم القانون .وأصبح القانون الروماني يُحكم الامبراطور ويتجاهل عامة الناس .

وتباهى الصينيون بالافضلية على غيرهم من الشعوب . وما بناء سور الصين الا لانهم ارادوا ان لاتُدنس اقدام الاخرين ارضهم وترابهم،فهم يعتقدون بأفضليتهم على العالمين ،ولا زالت المرأة الصينية الى اليوم لا ترغب بالزواج من غير الصيني الا في الحالات الاضطرارية المحدودة جدا.أما الهنود ،فقد نشأوا على التفريق الاستبدادي في الطبقات حين فضلوا طبقة البراهمة على غيرها من الطبقات الاخرى. وظلت عقدة الجنس الاستبدادي تنتقل بين الشعوب حتى جاء الاسلام في القرن السابع الميلادي ، فهل تغيرت الظاهرة أم ماذا؟ لم تتغير بل زادت استبدادا بحق القانون..

3
عندما جاء الاسلام ،جاء ليعلن نهاية العصور القديمة التي كانت السيادة فيها على الناس لطبقة محدودة ،تملك زمامهم ،وتتصرف في أموالهم،وتحجر على حرياتهم،وتعتدي على دمائهم دون ان تخشى رقيباً او حسيباً ،كما تنقل لنا المصادر المتشددة ،وأنا اعتقد ان العرب لم يكونوا هكذا كما وصفهم اصحاب التاريخ(انظر جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام.). فقالوا: حين جاء الاسلام جاء ليقول للناس حكاماً ومحكومين ان هناك رقيباً هو الله.وانه جاء بمبادىءأخلاقية أرسى دعائمها في سنيه الاولى. وهي مبادىء سياسية، فالاعتصام بحبل الله أمروليس خياراً (وأعتصموا بأمر الله جميعا ولا تفرقوا،آل عمران 103)،.ووحدة الامة أمر وليس خيارأ(ان هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون،الانبياء 92).. لذا لايجوز لاية جماعة ان تتصرف كيفما تريد ولاي سبب من الاسباب كما تعمل انظمة الاستبداد متحججة بحجج مؤسسة الدين..
لكن الدعوة في هذا التوجه لم تلقَ الاستجابة من المسلمين ولا من حكامهم منذ البداية كما طرحت دون تنفيذ .
وعندي ان الوحدة العربية كانت اقوى عند العرب قبل الاسلام .

ان الذي حدث ان بعض المسلمين تصوروا ان العقيدة الدينية هي عقيدة دينية فحسب ،بينما هي في ذاتها قواعد سياسية ،فالدين معناه منهج الحياة المتكامل عقيدة وشريعة واسلوب حياة . فالمنهج الاسلامي يقوم على المساوة الكاملة بين افراد الامة،فلا يتميز حاكم على محكوم الا بما يقتضي به الشرع ،لان الله لم يميز بين ابناء البشر . والشريعة الاسلامية تسوي بين الحاكم والمحكوم في سريان القانون ، لذا فالحاكم لا يتمتع بصفة القداسة ولا العصمة ابدا،وحتى الأنبياء غير معصومين لقوله تعالى :”يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،المائدة 67″ فالعصمة في الرسالة وليست في شخصه الكريم ؟ .

فلا الرسول معصوم ولا أهل بيته ولاتقديس لمرجعيات الدين. فاذا ما خرج الحاكم على نهج الشريعة وجب على جماعة المسلمين الوقوف في وجهه وعزله عن السلطة او الثورة عليه وازاحته من ساحة الحكم بالقوة والعنف. والقرآن رده في مواقع معينة وعنفه فيها: يقول الحق: “عفا الله عنك لم آذنت لهم حتى يتبن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين،التوبة 43، نزلت في موقعة مؤتة. لم تطبق النظرية ،لا بل راح اتباع الجماعة الاسلامية يستبدون أكثر من الفراعنة والرومانيين..كما في الفتوح ونشر الاسلام بقوة السيف ،بينما الاسلام يدعو ا الى (لكم دينكم ولي دين ).حتى قال قيل فيهم:
“ما سُل سيف في الاسلام مثلما سُل على الخلافة ” .

أما ان المسلمين لم يلتزموا بهذه النهج التشريعي فالذنب ليس ذنب الاسلام بقدر ما هو ذنب من تعهد بتطبيقه على الارض وعلى الناس معا. وعندما تعقدت الامور بعد السنة
4
الخامسة للهجرة ،وخوفا من عدم التطبيق القانوني والاخلاقي للعقيد ة الجديدة أصدر الرسول (ص) دستور المدينة المكتوب من اكثر من سبعين مادة الزم فيها اتباعه في التطبيق،لكن هذا الدستور تم أخفاؤه بعد الفترة النبوية فوقعت الدولة في فوضى الاجتهادات الفردية والى اليوم،
انظر الوثائق النبوية،دائرة المعارف الأسلامية )..

لابد لنا من ان نبين ان ربط الاسلام بالاشخاص حال دون تحويله الى مؤسسات ، فظلت الدولة مربوطة بشخص الحاكم وليس بمؤسسات الدولة المدنية،ولم يقدم الاسلام مؤسسات سياسية تضمن حرية الرأي والراي الاخر في التعبير، مما افقد القضاء فقهه الدستوري الذي ينظم بنية الدولة وشرعيتها،هذا الغياب ادى الى ظهور مؤسسة الاستبداد السياسي حين بقي الخليفة يحكم دون تحديد مدة او مدى سلطان،من هنا استمرت تصفية المعارضة والحاكم اصبح مطلقا لا يخضع للمحاسبة والمراقبة، وبيت المال تحت اشرافه المباشر. وقد بدأ هذا بشكل واضح ومباشر على عهد الامويين والعباسيين ، حين بدأ النص الديني لا يشكل المعيار الحقيقي الوحيد للسلوك السياسي .

هنا بدأ الانحراف وعاد خط الاستبداد من جديد،فبدأت تظهر تيارات الانحياز نحو القوة لا نحو العدالة الاجتماعية ،وكأن لا اسلام جاء ولا نبي ظهر،
ولا زالت الحالة مستمرة الى اليوم في أمة العرب .أنظر علي كريم سعيد في كتابه الموسوم”اصول الضعف”. ففيه كل التفاصيل.

” لقد تمثل الانحراف الاول بخط الارجاء مؤسساً لخط الضعف ،ثم جاء خط الجبر نتيجة نظرية القضاء والقدر(وما تشاؤون الا ان يشاء الله ) الذي وضعت المسلم في اطار الاستسلام لكل شيء ،أي ان كل ما يحصل له فهو مكتوب عليه سلفاً.فاصبحت الاعمار والارزاق والاعمال مكتوبة ومحددة بزمن ،فبقي الانسان جامدا دون حراك.وبدأ الاتجاه في تعريف القضاء والقدر هو بصمة الاستبداد السياسي الخطيرة على العقيدة الاسلامية .فلا احتجاج على حاكم ولا فقه دستوري يحدد شرعية الدولة،فظهر مفهوم الطاعة العمياء للحاكم دون نقاش(متمسكين بالاية الكريمة(أطيعوا الله واطيعوا الرسول وألوا الآمر منكم) ” .وما دروا ان : أولي جمع لا مفرد ,هو ليس جمعا لولي..وهم المقدمون من الجماعة ولا يقُصد به فردا معينا ..فوقعوا في الوهم الذي جرَ علينا الويلات والمصائب ، لينتج منه دمج غير مقبول شرعا وهو طاعة أولي الامر متساوية من طاعة الله. هنا اصبح الفقه الاسلامي خليطا في الاعتقاد بين المعاملات والاحوال الشخصية والعبادات والاخلاق وكما يريدها الحاكم فنتفت الحاجة الى الشرعية والرأي الجماعي معا فمات الحق ..!

5
وحين نأتي على الحديث النبوي فتلك من اعقد المشكلات،حين دس السم في العسل وكتبت الاحاديث الموضوعة لتأييد سلطة الامويين والعباسيين،,واجيز أخذ الحديث عن الاطفال ،في حين ان الرسول قال وبعظمة لسانه الشريف:”خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن ،انظر الواقدي في المغازي الطبعة القديمة”. اما نقلة الاحاديث من اليافعين فحدث ولا حرج فقد نُقل عن عبدالله بن عباس اكثر من 1696 حديثا وهو لا يتجاوز ابن عشر سنين،وأنس ين مالك اصغر منه بسنة وعبدالله بن عباس لم يعرف النبي ولم يجتمع به ابدا. ومن يدعي خلاف ذلك فليقدم الدليل.

من هنا يتم طرح امور الاسلام ويريدوننا ان نلتزم بها وهي كلها من احاديث الاحاد التخريفية .ومن هنا ايضاً نستطيع ان نقول ان المسلمين تركوا الكتاب للسنة ، وتركوا السنة للائمة الفقهاء حتى اصبح التراث حاجزا بين المسلمين وبين مصادرهم الاساسية. أنظر صحيح مسلم والبخاري وبحار الانوار للمجلسي سترى الأكاذيب المنتحلة والأعاجيب ..؟

وهكذا بعد ان زُرع الاستبداد الفكري في رؤوس الناس اصبح الخطأ هو الصحيح وبمرور الزمن لم يعد لاحد ان يعود للصحيح فكانت النكبة المرة التي نعاني منها الان.

لقد جاءت القصص القرآني ، ليشرح سنن التاريخ وحركته، ومن اجل المتغير،اي من تراكم الاحداث بعد وقوعها ، وهي تعطينا خط تطور التاريخ الانساني القديم والحديث: يقول الحق : “نحن نقص عليكم نبأهم بالحق،الكهف 13”.،فكتب عن فرعون وهامان وكل المستبدين دون ان يلتفت اليه المفسرون ،بل قاموا بشرح نواقض الوضوء ومفسدات الحج والصلاة ومروا على الباقي مر الكرام ،فتركوها دون تفسير.

لقد أنتصرت مدرسة الترادف اللغوي على المدرسة العقلية والعلمية لفهم افضل للقرآن والكتاب والقضاء والقدر ويقف ابن خلدون على راس مدرسة الترادف ،فمنع الاجتهاد
في التفسير او نقده فاصبح التراث وكأنه التنزيل المقدس فضاعت علينا الحقيقة والاسلام معاً. ولا زلنا تحت رحمة الاستبداد الفقهي المختلف الذي لا يخترق دون تغيير. فهل سنعرف طريقنا نحو بناء دولة الحقوق والقانون مثل الأمم الاخرى… لا أعتقد …ماداموا هم يحكمون…والعامة المتخلفة يتبعون..؟ ونحن نقول :

هل سيقبل العراقيون غدا أعادة انتخاب من باع وطنهم … وسرق اموالهم.. وقتل شبابهم وشيبهم ..وهتك اعراضهم..ومكن الاكراد على قتل اولادهم في الشارع بدم بارد ..على انتخابهم من جديد بحجة الطائفية والمذهبية الباطلة والمصالح المشتركة بينهم..وهكذا لولا العناية الآلهية ومنزلق الاستفتاء لأصبحنا ان نستحق مذلة الزمن ..وعار

6
التاريخ..؟.أصحوا يا حكام العراق اليوم على تجاوزكم وأعتدائكم على حقوق الوطن والمواطنين وأتركوا مصالحكم الخاصة ..لقد أعتديتم على الوطن كثيراً.. ، أن الله لا يحب المعتدين..وأخيرا نقول :

ان خير الدروب ما أدى بسالكه …..الى حيث يقصد…؟

د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here