هدوء حذر في ازقة بغداد الكوردية.. فما يخبئه الغد للـ”كريدي”؟

الهدوء الذي يخيّم على عاصفة التوتر الاخيرة بين بغداد واربيل، يبدو انه انعكس بشكل تدريجي على الكورد القاطنين في العاصمة والمحافظات الوسطى، بعد ان تصاعدت موجة التهديد بالترحيل ومصادرة الاموال من قبل اطراف مجهولة بالتزامن مع مضي كوردستان صوب استفتاء الاستقلال عن العراق.
ودفع استفتاء تقرير المصير الذي قامت به كوردستان مؤخراً جماعات متشددة الى تهديد الكورد في بغداد، متعكزة الى حد بعيد على التصعيد الذي قامت به الحكومة العراقية صوب الاقليم.
معلومات متطابقة تحدثت ان الكورد في بغداد يواجهون “أزمة هوية”، وبخاصة مع ارتباط اغلب مصالحهم مع العرب الذين تعايشوا لعشرات السنين، باستثناء بعض الأحياء التي يشكلون فيها غالبية، حيث تتصاعد حجم المخاطر صوبهم مع اي توتر بين بغداد واربيل. والخلاف الاخير ليس ببعيد.
الكورد في بغداد يعملون داخل قطاع الخدمات العامة الواسع، أو يعيشون على المعاشات البلدية، وبالتالي فقلقهم من تعرضهم للتفرقة العنصرية قد يزداد بوتيرة متناسقة مع تزايد الخلافات السياسية، خصوصاً أن سطوة جماعات مسلحة في بغداد توسعت بعد القتال الدائرة مع تنظيم داعش.
ورغم تطمينات سياسية ولعدد من فصائل الحشد الشعبي “الشيعي” للكورد في بغداد بأنهم لن يتعرضوا للأذى، الا أن هذه لن تشكل حاجزاً أو سداً امام فصائل مسلحة. قد يراها البعض منفلتة.
ويقول .محمد و. وهو كوردي يسكن بغداد طلب الترميز الى اسمه الكامل. ان اطرافا كثيرة بدأت التعامل معه مؤخرا وفق جانبه القومي فقط بالرغم من اعتناقه المذهب الشيعي. وهو المعتقد السائد في بغداد ولدى الجماعات المسلحة.
ويتناقل سكان ببغداد روايات عن تعرض عوائل كوردية لتهديدات من مليشيات مسلحة تطالبها بالتوجه نحو إقليم كوردستان وإلا تعرضوا للقتل.
ولم تستطع شفق نيوز توثيق الامر على نطاق واسع. إلا ان اكثر من شخص اكد تعرضه لتهديد.
وتنفي الجهات الأمنية العراقية وجود مثل هذه التهديدات. وتؤكد ان الامر لا يتعدى حالات فردية.

ويقول البعض ان الكثير اصبح ينادوهم بالـ”كريدي”. وهي عبارة يطلقها على الغالب سكان الجنوب قد تكون للمزاح. إلا انها بالمعنى تصغير لكلمة كوردي. ولايتقبلونها كورد الوسط والجنوب. كما سردوا ذلك.
ويقول الفيليون إنهم تعرضوا لـ”اضطهاد مركب” في عهد نظام صدام حسين، إذ هجر الآلاف منهم بحجة أنهم إيرانيو الأصل، في حين لم يستطع النظام الجديد إنصافهم أو إعادة جنسيتهم العراقية أو الممتلكات التي صودرت منهم سابقا.
ويقول عضو برلمان كوردستان السابق علي حسين فيلي “في الوقت الذي يجب ان يتسيد الامن والقانون في العاصمة بغداد إلا ان المواطن الكوردي لا يلمس ذلك البتة واصبحت مصالحه وهويته ولغته معرضة للخطر مع أي توتر سياسي وبكل يسر. فاليوم ان حدث هدوء سياسي فله بصيص امل اما ان تزايد التوتر في الغد تعود عليه حمى التهديد والتهجير”.
ويقول الفيلي “هذه العقلية التي اصبحت سائدة في العاصمة اليوم نتيجة بيئة وثقافة. وتمنح ارضية لتهديد الضعيف وفرصة للاستحواذ على مصالحه ومتصديها لايخجلون منها. فللاسف ان العراق اصبح فيه فرض الامر الواقع بالقوة هو السائد على القانون. فان كنت تحمل مذهبا ومعتقدا مشتركا في السائد لن يحمي حياتك واملاكك في خضم الخلاف السياسي”.
هذا الاطار ليس ببعيد عما استقصته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، من ان الاستفتاء على الاستقلال أثار ما اسمته بـ“أزمة هوية” لدى بعض الكورد المقيمين في ضواحي العاصمة بغداد.
مثلا. حي “عكد الأكراد” أو حي الأكراد، الواقع وسط بغداد تعيش فيه منذ أجيال 200 أسرة كوردية في أزقة متعرجة ومنازل متلاصقة، حيث نقلت الصحيفة عن أحدهم قوله بان الكورد مُجبرون، لأول مرة منذ عقود، على الاعتراف بهويتهم المزدوجة، لأن معظمهم يتحدث العربية بلكنة العاصمة المميزة، ولم يسبق لهم الذهاب إلى إقليم كوردستان في الشمال.
وأفاد صباح مكي، وهو معلم متقاعد وُلد وترعرع داخل الحي، إنه فيما يتعلق بتنامي نزعة القومية العربية العراقية لدى كورد بغداد، فاننا “كلنا هنا نرتعد خوفاً مما قد يحدث لنا بسبب الاستفتاء”، مضيفاً أنَه “قلق من أن العرب، الذين يمثلون الغالبية العظمى لسكان بغداد، سوف ينظرون إلى الكورد كفريسة سهلة في حال تفاقم المواجهة السياسية أو العسكرية”.
وتابع قائلا إن “معظم الكورد في المنطقة عاشوا حياتهم كلها في بغداد، وهم يعتبرون أنفسهم كوردا عراقيين”، فيما أفاد رجل الأعمال محمد عبد الله (54 عاماً)، بانه “راقب بتوجس تصاعد حدة تداعيات الاستفتاء من مجرد مشادة سياسية كلامية إلى غارة عسكرية فعلية شنتها القوات العراقية على مناطق واقعة تحت سيطرة الكورد، مثل مدينة كركوك”.
وأضاف انه وبعد شعوره بان هذه المسألة لن تنتهي بسلام، أعد العُدة للانتقال مع عائلته إلى الأردن في حال تمكن الغضب العراقي إزاء الاستفتاء من بلوغ الحي الذي يقيم فيه، وأردف قائلا “الكورد هنا في بغداد أقلية، ليس لدينا من يحمينا، نحن من سوف يتضرر من جراء موجة الغضب حول الاستفتاء المنتشرة حالياً”.
“حي عكد الأكراد” ذاته لا يحاول إخفاء هويته الكوردية، فهناك تنتشر السلع في منطقة التسوق الرئيسية على الأرصفة وتفيض في الشوارع، وتكثر عربات بيع الأطعمة التي تروّج اللحوم المشوية التي يشتهر بها الكورد، كما ان العديد من مظلات مداخل المطاعم والمقاهي تكتب أسماء أصحابها بفخر مصحوبة باللقب الشرفي “كاكا” والذي يعني “الأخ” باللغة الكوردية.
وداخل الحي ذاته، تتزين الجدران بصور قديمة لشعراء كورد وعرب، فمثلاً، تعلو أحد الجدران صورة باهتة باللونين الأبيض والأسود للرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم، تجاورها صورة لجلال طالباني، الرئيس العراقي الكوردي الراحل الذي تولى رئاسة العراق بعد تعرض البلاد للغزو من الولايات المتحدة الأميركية عام 2003.
من جانبه، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي، طمأنة الكورد في العراق بأنهم ليسوا عدوا، حتى مع دخول القوات العراقية الاتحادية إلى مناطق تمركز أكبر عدد من السكان الكورد في الشمال، وقال العبادي في لقاء له مع صحيفة “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي “أنا فخور للغاية بأنَّ المجتمع العراقي استطاع الحفاظ على تنوعه وتنوع سكانه؛ هنا يكمن موطن قوتنا! هنا يكمن تراثنا! هنا تكمن هويتنا! هذا هو ما يجب علينا أن نحميه ونحافظ عليه! الاختلاف ليس عيباً في بلادنا؛ العيب الحقيقي هو أن نحاول قمع الجانب الآخر الذي يمثل الأقلية”.
لكن الشاب “طه عباس” ليس مقتنعاً بأنَّ كلمات رئيس الوزراء “الاسترضائية” سوف تتخلل المجتمع العراقي المنقسم بشدة، حيث قال “أفضل حل هو الهجرة إلى بلاد أخرى، بعيداً عن الصراعات، والبدء من جديد”.
بينما أعرب فايق حماد (70 عاماً)،عن تفاؤله تجاه الوضع الراهن، واسترجع بذاكرته أسوأ أيام شهدتها الأزمة الحكومة العراقية والكورد، من ضمنها الانتفاضة الدموية ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتي قمعت بالغاز السام في عام 1988، وقُتل فيها ما لا يقل عن 5 آلاف كوردي، وأوضح ان “ما يحدث الآن مجرد زوبعة وستزول. لطالما كانت كوردستان وبغداد شقيقتين، وستظلان دائماً كذلك”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here