رؤيتنا للمستقبل

في سنة 2003 قدم حزبنا رؤيته للمستقبل ، وكان في حينها يتحدث عن الإرادة اللازمة لبناء الدولة المدنية الجديدة ، وكانت طبيعة الكلام في ذلك الوقت يتم بلغة الواثق في صيرورة البناء على النحو الذي قدمناه ، وكنا مؤمنين وبأنه مهما أشتدت وكبرت المشكلات وتعددت أسبابها والمروجين لها ، ففي النهاية لا يصح للعراق غير الدولة المدنية الليبرالية الديمقراطية التي تحتضن الجميع وتكون معهم وفي سبيلهم ، وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن الحزب قد نادى و عبر سلسلة مواقف و أفكار ومقالات على التوكيد على هذه الحقيقة وترسيخها ، وقد لاقت تلك الأفكار والمواقف منابذات وتهم وإفتراءات كلكم تعرفونها ، هذه المنابذات تأتي حتى من أولئك المحسوبين على الخط الليبرالي ظلماً وتجوزاً ، وفي ظل ذلك ومعه نشأ جيل من المرابين وقاطعي الطريق الذين ينعقون مع كل ناعق ، مهللين لأفكار لا تصلح ولا يمكنها العيش في ظل عالم متغير ومتجدد ، حدث هذا من ضعيفي الإيمان ومن في قلبهم مرض من أولئك الأنتهازيين والنفعيين والوصولين حتى رأيناهم يتحدثون في لغة تفوق لغة المتطرفين والإرهابيين ، لأن من لا إيمان بالوطن والقيم الإنسانية و بالليبرالية الديمقراطية لا يمكنه ان يكون عاملاً من أجلها أو محققاً لشيء من أهدافها وطموحاتها .
ولقد سمعنا من فئة ما تقول إن – بناء الدولة المدنية العلمانية – هو ضرب من الخيال !! ، لأن ما تقولونه وتدعون له لا يصمد في واقع جاهل تتراجع فيه الأشياء والثقافة والفكر ، وقال بعض أخر : إن ما تطالب به الليبرالية الديمقراطية هو مجرد نظريات وأفكار لا تصمد أمام من يمتلكون المال والسلاح والدعم اللامحدود من دول الجوار !! ، والكلام هنا عن العراق الذي قد تردت فيه الأحوال منذ سقوط بغداد وإلى اليوم ، فمشاكله قد كثرة وأعداءه قد تعددت ، ولكننا نقول : إن التجربة التي مر بها العراق والعراقيون أكدت بما لا يقبل الشك ، بأن ما كان يطرحه الحزب في ذلك الوقت ليس مجرد نظريات وأفكار ، إنما هو رؤية متكاملة للواقع يمكن البناء عليها والتأسيس ، واليوم نسمع قولاً أخر من نفس أولئك الظانين والمترددين ، قول أقرب ما يكون إلى ما تتبناه الليبرالية وتقول به ، ذلك لأن الليبرالية الديمقراطية لم تكن في طور الحالم الرومانسي البعيد عن الواقع أو المتوهم فيما يمكن أن تصير إليه الأمور ، بل كانت ترصد وتتابع وتستقرأ كل شؤونات الوطن وتتحدث بروح واقعية عما أصاب الوطن من نكوص وتردي مقصود .
إن الدولة المدنية العلمانية ليست رغبة أو هوى أو فكرة رومانسية حالمة ، بل هي حقيقة تجري في عروق ونفوس كل العراقيين الحالمين بالغد وبالمستقبل وبالطموح ، وفي هذا المجال قطع العراقيين أشواطاً مناسبة في تحقيق مقدمات ذلك ، ونشير هنا إلى التلاحم والإصطفاف الشعبي حول الدولة والحكومة حينما تعرض كيانها للخطر ، ووقف الجميع معها وهي تقاتل الأشرار والإرهابيين وقطاع الطرق ، وحين نشير إلى ذلك فنحن حتماً نشير إلى الشرفاء المضحين وذوي النيات الصالحة ، وليس أولئك النفر الملطخة أيديهم بالفساد والدم من السياسين ومنفذي الأجندات الخارجية ، ودعونا نقرب الصورة لكم والمعنى ونقول : إن دعوة البعض من سياسي المرحلة الماضية لم يكن بدافع الإيمان والرغبة ، ولكنهم يتحركون وفقاً لمصالحهم ورؤيتهم الضيقة للأشياء ، فهؤلاء نفعيون دجالون قتله لا يؤمنون بالديمقراطية وبمتطلباتها .
نعم نحن نشير إلى ذلك الشعب الذي أنكوى وضاق ذرعاً بالمفسدين والمخربين الذي يستحدثون له كل يوم ألم ،
ولسنا هنا بحاجة لنشرح لكم ماجرى عبر هذه السنوات من فساد وجريمة ، فكلكم فطنون وتتذكرون ذلك جيداً ، لكننا فقط ننبه إلى إن الشعب شيء وهؤلاء الساسة شيء أخر ، صحيح إن العراق طرأ عليه تفكك في بعض بناه السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، لكن الصحيح إن العراقي ظل متمسكاً بهويته وخصوصيته التي لا تقبل القسمة ولا التبعيض ، حتى في ظل ذلك الإصطناع الفئوي والمذهبي والقومي والطائفي والعشائري الذي نمى وترعرع بفضل حفنة من المرتزقة وصناع الفتنة ، وكان ذلك سبباً في ضعفهم وهوانهم وتكاثر الأغيار عليهم ، وصحيح أيضاً إن المجتمع انتابته عوامل الجمود والتفكك والجهل فلم يعد قادرا على ان يتابع التقدم ، لكن هذا لم يكن عائقاً حين أستٌنهضت قوآه الحرة لمحاربة – تنظيم داعش الإرهابي – ، فهذا الشعب على ما به من ألم وحزن ، هب جميعاً وقدم الكثير من التضحيات والدماء حتى تخلص من هذا التنظيم الإرهابي .
إذن فالعراق الشعب والدولة في مواجهة حقيقية مع القدر ، مواجهة يأمل أن يتمكن فيها من بناء دولته المدنية ، التي توفر له هذا القدر من الحرية والكرامة والعزة ، كما إنها تساعده في التخلص من كل مُدعي أو من يحمل فكراً متطرفاً أو فئوياً أو طائفياً ، والدولة المدنية كما قلنا هي ليست شعاراً سياسياً بل هي قيمة وطنية وعمق وحضارة وأرث تاريخي ، وفي هذا المجال نستذكر دائماً البطولة مع الإيمان تلك الصفتان اللتان متى ماتوفرتا لدى شعب فإنه حتماً سوف يستطيع درء مشاكله والعودة إلى حياته الصحيحة ، فما يشعر به العراقي تجاه الحرية وتجاه السلام وتجاه العدل كبير ، يدلنا على شعور بالمسؤولية الوطنية النابذة للأنانيات والكراهية والشعور النفعي الضيق ، وهنا نتذكر بما يوليه رئيس الحكومة حيدر العبادي لهذه القضية من إهتمام خاص ، نجده واضحاً بعد تحريره لمجمل الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي ، ونتذكر إلتزاماته اليومية وتأكيده على سيادة القانون والنظام في البعد وفي القضية وفي التأثير .
وهنا نقول : لذلك تكون الليبرالية الديمقراطية جزءاً من هذا المشروع التنموي الطموح ، وإن مسؤوليتها ستكون مضاعفة حول الدور الذي يجب ان تضطلع به في صياغة مشروع الدولة المدنية التي كانت قد أسست له حتى قٌبيل سنة 2003 ، وهذا ما يتذكره الجميع من المشتغلين بالسياسة ، وليس من المتطفلين أو الراكبين على الأكتاف والأمواج .
ولا يهم في هذا الطريق إن كان تحقيق حلم الدولة المدنية صعب وفيه الكثير من المخاطر والأهوال ، لكن المهم هو هذا الإصرار على تحقيق حلم الشعب في نيل كرامته وحريته وعيشه المشترك بسلام وأمن ، وقد يقول قائل وما علاقة حيدر العبادي بموضوع الدولة المدنية ؟ ! ، أليس هو من نتاج فكر الأحزاب الدينية التي سببت للعراق الكثير من القهر والألم ؟ ! ، نقول : نعم هذا صحيح ، ولكن الرجل قد تغير بدرجة كبيرة يمكننا فيها الرهان عليه ، وهذا التغير ليس فعلاً سياسياً أو تكتيكاً أو رشوة لدول صانعت للقرار ، إنما هو فهم وإدراك بان الدولة في العراق لا يمكن وصفها وقيامها ، من غير أن تكون مدنية وعلمانية وفي هذا الشأن لا يكون الكلام فيها مناورة ، ولكنه يكون معبراً عن الحقيقة وعن الإيمان ، إذ لا يكون التعايش المجتمعي ممكناً بدونها ، ولا يكون للديمقراطية معناً بدونها كذلك ، وقد ثبت بالدليل إن الحكم الإسلامي السني أو الشيعي فاشل ، ولا يصلح للعراق ولا لغيره من البلدان ، ليس لأن العراق لا يقبل الإسلام لا ، فالعراق الشعب والدولة بلد مسلم ولكن الإسلام السياسي لا يقبل بالتعددية والإختلاف ، وفي هذا المجال أيضاً لا يصح مطلقاً نقل تجارب الأخرين بحرفية لمجتمعنا ، لا يصح لا في الحاضر ولا في المستقبل ، وسواء أكانت تجارب جديدة أو تجارب تاريخية فهي لا تصح عندنا مطلقاً ، وقد ثبت فشلها الذريع ، وقد وعى ذلك الجميع حتى المتطرفين منهم .
وبكلمة مختصرة فالعراقي يشعر بأنه جزء من هذا العالم الكبير المتعدد ، ولا يصح أبداً إغلاق المنافذ بوجهه ، وقد جرب صدام حسين وحزبه ذلك ففشل وإنهارت مملكته بسببها ، لأنه شعب حي كان في الماضي السحيق يقدم للإنسانية كل الخير وكل الحقوق ، ولهذا لا يصح جعله ضمن وعاء معين أو يتحدث بلغة وثقافة معينة ، إنما الواجب أن يكون منفتحاً على نفسه وعلى الأخرين ، ولا يكون الإنفتاح للفرجة والتلهي بل يدعم ذلك الحوار البناء والتلاقح الفكري الرصين والتنمية الطموحة ، عوضاً عن هذا التناطح وهذا التناكف الذي احدثه تدخل الأغيار في شؤوناتهم ، وهنا تبدو الليبرالية الديمقراطية هي الوعاء الحاضن لهذه النقلة في تصحيح المسار وتصحيح الخطاب وتهئية الظروف للقبول بالآخر المختلف ، و في هذا نحن لا ننطلق من وهم أو تصور معاكس فالليبرالية الديمقراطية تضع كل المخرجات التي يمكن للشعب التلاقي من خلالها ، ومادتها العملية في ذلك هو الحوار وقبول الأخر وعدم خلق التفاوت والإضطراب تحت أية ذريعة .
وإذا أعتمدنا ذلك تكون – الدولة المدنية – حقيقة ، طالما نكون قد وضعنا لها الأسس الصحيحة واللبنات الصحيحة ، ولكن هل الذي يجري من مناكفات على الساحة تساعد على ذلك ؟، نقول : نعم ، ونقول : لا .
ففي حالة النعم يحصل ذلك في حالة التغير الجذري والقناعة والإيمان الذي يحصل للشعب ومن خلاله يؤمن بأن الحل هو في التغيير ، ولكي يتم التغير وفق الأسس الدستورية لا بد للشعب ان يكون جدياً وصادقاً فيما يؤمن به ويريد ، وهنا نشير إلى دور المؤوسسات المدنية في التهئية الإعلامية والفكرية والثقافية لمرحلة الإنتخابات – نعني المرحلة الديمقراطية – ، بحيث يصار إلى إنتخاب جيل جديد طموح وواعي ومحب للحياة وللوطن وغير مدنس ولا متهم بفعل أو بقول سيء ، ودور المؤوسسات هو في تقديم هذه النوعية من الرجال ، وفي ذلك لا يصح لها أبداً أن تلعب دور المتفرج واللاأبالي ، فالقضية ليست للغير بل هي لتقرير المصير .
وأما في حالة اللا فإن المناكفات عمل يذهب إليه أعداء الشعب والنفعيين والذين لا يجدون لهم ملاذات آمنة في ظل الحرية والعدالة والسلام ، وهؤلاء لن يسكتوا أو يملوا في دفع الأمور إلى الفوضى والإضطراب ، ولذلك من واجبنا تنبيه الشعب وتنبيه القوى النزيهة لكي لا تخلط في عملها بين القبيح والحسن .

إن على القوى المدنية أن تبدأ من الآن بأثارة فكرة بناء – الدولة المدنية – ، وعليها كذلك أن تبدأ بنشر ورعاية فكر – الدولة المدنية – ليس فقط على مستوى الدعاية ولكن على مستوى العمل وتحفيز الهمم بإتجاه تحقيق الحلم الذي فقدوه ، وحين نقول بالعمل فإننا نعني الآليات الممكنة التي تساعد وتساهم في هذا المجال ، وأهم تلك الآليات الفصل بين العناصر المضللة والعناصر النافعة في كل مؤوسسات وإدارات الدولة ، ولا يجب إستثناء قوى الأمن والجيش والحشد من هذه العملية ، طالما نحن نريد لعراقنا الإستقرار والرفاهية والأمن ، ونحن عارفون بطبيعة الواقع وتدافعاته ونعرف كذلك المشاكل السياسية والإجتماعية والاقتصادية والفكرية .
إذن وكما نحن معنيون بمسألة قيام – الدولة المدنية – كذلك نحن معنيون بمقومات هذه الدولة ، من حضور شعبي وإصطفاف قوى وتيارات مؤمنة بالتغيير بعد مرحلة اليأس والقنوط ، كما إن مقومات ذلك تبديل نمط الحياة الإقتصادية على نحو يُسرع من وتيرة النمو والبناء والإعمار ، وهنا سننظر بعين الرعاية لمقومات الإقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وتجارة ، وهل بالإمكان تحرير وسائل الإنتاج من الهيمنة والتبعية ، تلك التي تزيد من التدهور في مجال التطور والنمو ، وفي كل ذلك ربط سياسة الإنفتاح المتبعة بما يحقق الإستقلال الوطني والأمن الإقتصادي ، فثمة شكاوى كبيرة نسمعها من مزارعين وصُناع وحرفيين ، وكيف غطت عليهم الواردات بحيث عطلت قوى العمل وهددت بشكل مباشر طبيعة الأمن الإقتصادي .
وإذا كان ذلك مسكوت عنه في المرحلة الماضية فإن من الأهمية بمكان وضع حد لهذا الهدر في موارد وثروات الوطن ، الذي أدى ذلك الهدر إلى تقزيم حجم الوطن مقابل دول الجوار ، وإذا ما أستطعنا إنتاج جيل جديد وتقديمه بهذه الروحية فإن أشياء كثيرة ستتغير من أجل مصلحة الوطن وإستقراره وشعوره بكرامته ، ذلك لأن الدولة المدنية التي ننشدها ليست صناعة سياسية أو قرار يصدره الرئيس بل هي مكونات ومقومات وطنية بإمتياز ، وفكرة العمل في سبيل تنمية هذه المقومات تنطلق من فكرة الإيمان بجعل الوطن ملاذ آمن للجميع .
إن عصر الإرهاب إلى زوال وتلك حقيقة ، قدم فيها الشعب كل ما يمكن لكي يجعلها واقعاً ملموساً ، ولكي تتأكد هذه الحقيقة علينا دعم قوى الأمن والجيش والشرطة والحشد وكافة الفصائل الوطنية المخلصة ، وبهذا نريد التأكيد على الدور الوطني المسؤول فليس مسموحا مطلقاً ثمة عناصر مسلحة خارج عمل وإطار الحكومة ، وكل من يعمل خارجاً فهو من أعداء الوطن مهما قرب من مراكز الحكم ، وفي هذا نريد أن نبني قوى مسلحة لحماية الوطن والمواطن ، ولا يجب السماح لقوى تكون تابعة لمنظمات أو أحزاب أو عناصر فئوية أو قومية أو طائفية ، وكنا من أوائل المشجعين على تقنيين عمل الحشد داخل مؤوسسات الحكومة ، والقانون والدستور هو الفيصل في كل ذلك .
 وفي السباق نحو المستقبل يجب طرح الأفكار والمتبنيات التي يروج لها راديكاليون من داخل العراق ومن خارجه ، وتنزيه ساحة العراق وتطهيرها من المنحرفين والفاسدين من السياسيين ورجال الدين الوصوليين وأدعياء القومية والطائفية الزائفة .
 وكما تعرفون ان هنالك نوعين من الخيارات تطرحها دول ومؤوسسات لما يجب أن يكون عليه الحكم في العراق ، ونحن نعترف بأن نظام المحاصصة الطائفية كان من أسوء الأنظمة وأشدها عداءاً للعراق وشعبه ، وفيه ومن خلاله حدثت كل تلكم المآسي ، وعليه وحتى تكون الدولة مدنية بمنظور عصري متقدم ، فيجب رفض الإصطفافات الطائفية والمذهبية الدينية كما يجب رفض الشعارات القومية الضيقة ، وبما ان الجميع ملتزم بفكرة – الإنتخابات – فلازم ذلك التقيد بشروطها الموضوعية التي تُتيح تبادل السلطة بين الجميع وفقاً لما يقدم من مشاريع تنموية وعمرانية وطنية ، وفي هذا نؤكد على الأغلبية ضمن هذا القيد وهذا الإعتبار ، وليس من حيث هي أغلبية توافقية أو محاصصاتية ، إننا نريد أن نحرر المواطن من عقد الماضي ومشاريعه السيئة ، وإدخاله في عملية سياسية سلسة وسهلة يكون الرابح الأول فيها الوطن والمواطن ، وفي ظل هذا نؤكد على دور المحاسبة وفق القانون بحيث لا يستثنى أحد ولا يقدم أحد على غيره ، ولكي نكون دقيقين في الوصف علينا أن لا نستلهم تجربة دول الجوار في كل شيئ لا من جهة البناء والعمران ولا من جهة السياسات والتنظيم ، بل يجب النظر إلى ماهو أعلى رتبة في دول العالم الحر ، ذلك إن دول الجوار حالها يتشابه ومنها ومن خلالها تنفذ الفوضى واللاأبالية والفتن والتنابذ ، المرحلة المقبلة لا بد أن تكون مختلفة في الخطاب وفي التوعية وفي نشر المفاهيم والتأكيد على الحرية والصدق في تناول الموضوعات والقضايا ، من غير تضخيم ومن غير إستفزاز ومن غير مواربة .
إن النظرة الصحيحة الى قيام الدولة المدنية يكون أساسها تحرير العقل العراقي من عقد الماضي ومن هيمنة السلطات الوهمية ، والتحرير هو تدعيم للعقل وجعله أكثر جرئةً وقدرة على إستنباط ماهو لا ئق وفي مصلحتة ويحقق طموحاته ، والتحرير هي إنغماس العراقي في بناء وطنه والقضاء على تفشي الرأسمالية الخطيرة التي غدت تتحكم في أكثر من جهة من تفاصيل حياته ، وهنا نشير إلى هذا الإنكباب على خصخصة نظم التربية والتعليم بحيث أصبح تجارة لمن يمتلكون المال ، ولم تعد مدارس الدولة صالحة للتعليم ، وأستنسخت التجربة المصرية الفاشلة في هذا المجال ، أعني المدرس الخصوصي والمدارس الخاصة التي يمتلكها تجار ومصاصي دماء ، وهكذا الحال بالنسبة للنظام الصحي الذي ما عاد ينفع الفقراء وذوي الدخل المحدود ، فإنتهى نظام الرعاية الصحية في العلاج وفي الطبابة والمستشفيات ، ويعني هذا خلل في نظام المصروفات يساهم في هذا الكثير من المفسدين والسياسين الذين جمعوا ثروات طائلة من حقوق الشعب .
في بناء وتأسيس الدولة المدنية قد نعتبر أنفسنا الأقرب إلى تحقيق معناها الصحيح الواقعي الغير مزيف ، أعني إن الليبرالية الديمقراطية هي وحدها فقط القادرة على بناء الدولة ، وهنا نشير إلى قيم وقواعد ومفاهيم وفكر وثقافة الليبرالية الديمقراطية ، وليس حصراً المنتمين إليها أو المنظمين إلى حزبها لا ، إنما نعني مفاهيمها وإلتزاماتها وما تتطلبه من أعمال وتجهيزات تساعد في جعل الدولة المدنية ممكنة ، ومن غير ذلك يكون العكس وقد جرب العراقي هذا العكس فكان شراً وقتلاً ودماراً وفضائع وفساد منقطع النظير ، ولم ينحصر في مؤوسسة أو وزارة أو هيئة بل شمل كل المناحي والفئات .
إن الفرصة تبدو مناسبة لطرح رؤيتنا عن المستقبل بعدما تخلص شعبنا وجيشنا وحشدنا من التنظيم الإرهابي ، الذي كان ينغص على العراقيين حياتهم ، و نعتقد إن أدعياء الوطنية والحرية سوف يشمرون عن سواعدهم وينسبون لأنفسهم بطولات لم نعرفها ولم نسمع عنها ، ولهذا نعتبر الإجراءات الرادعة التي يريد رئيس الوزراء القيام بها في هذا المجال مهمة ، وذلك تحصيناً للمرحلة المقبلة من الفوضى وما يضمر بالخفاء ، هؤلاء الأدعياء يريدون تقاسم المنافع والمغانم ، تقول المؤوسسات الدولية : إن نوعا من البيع والشراء قد حصل للوطن ، وكان ذلك من أجل تحقيق منافع ومناصب كانوا يرغبون بالأستأثار بها دون سواهم ، وكانوا ينظرون إلى مستقبل الوطن وحاجاته نظرة احتقار وتضليل ، حدث هذا وحدث مثله كثير فمن الحيل والاكاذيب والتضليل إلى طمس معالم الدولة .
 ونعود لنقول : إن الخطوات العملية نحو الدولة المدنية تأتي من خلال بث روح التسامح وإعتماد مبدأ الكل شركاء في الوطن بنفس الدرجة وبنفس النسبة ، والتحلي بروح العفو عند المقدرة فهي تعني القدرة على بعث الحياة من جديد ، ونبذ روح الفئوية والأنا التي تلحق الضرر بمعنى التعايش السلمي ، وإعتماد مبدأ العدالة الإجتماعية الإنتقالية تلك التي عمل بها نلسون ماندلا في توزيع الثروة والحقوق ، كما يجب فعل كل ما من شأنه تضييق مساحة وعمل الأعراف العشائرية المناقضة للقانون والدين ، وتنمية المواهب وخلق فرص العمل والتنافس الإيجابي لما يحقق تقدم الوطن والمواطن ، والتقليل من دور بعض رجال الدين وحصر مشاركتهم في العمل السياسي لا بصفتهم الدينية بل بصفتهم الوطنية
راغب الركابي
مركزالدراسات والبحوث
في
الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي
بغداد
01 – 11 – 2017 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here