السماح بالزواج من القاصرات جريمة ضد الطفولة ومخالف للدستور

د.عبدالخالق حسين

سمحتْ هيئة رئاسة مجلس النواب خطأً في جلسة لم تكتمل النصاب يوم الخميس، 2/11/2017، بالتصويت “المبدئي” على مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، النافذ، رغم اعتراض 15 نائباً من مختلف الكتل على تلك الطريقة، وخروجهم من الجلسة لكي لا يكتمل النصاب. فكما اعربت القوى التقدمية، أن هذا التعديل يعتبر “نكسة للمرأة العراقية”، وإهانة لمكانتها، وحقوقها الانسانية والقانونية والدستورية، وله مخاطر مدمرة على نسيج المجتمع العراقي، إذ يراد منه العودة إلى الزمن الغابر الذي طبق فيه ما يسمى بـ”القانون الجعفري”، والذي يسمح للرجل بالزواج من الطفلة الرضيعة بعمر السنتين عن طريق تفخذيها، والولوج بها في عمر التاسعة، يعني تحويل الطفلة البريئة إلى لعابة جنسية (sex toy). فهل يقبل أصحاب مشروع التعديل والمصوتون عليه تحويل فلذات أكبادهم إلى بضاعة جنسية (Sex toy)؟؟ إن هذا خزي وعار على عراق ما بعد صدام، ويعطي الذخيرة الحية للبعثيين الصداميين لتشويه صورة العراق الجديد والديمقراطية.(1)

والجدير بالذكر أن أخطر ما جاء في التعديل هو تسليم هذا القانون لرجال الدين ومنحهم الحرية الكاملة بالتصرف في قضايا الأحوال الشخصية، وحسب المذاهب التي يعتنقونها بعد ان كانت هذه الأمور بيد القضاء العراقي.

لقد حذرنا في مقال سابق لنا بعنوان: (حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!)(2)، من أي تعرض لقانون الأحوال الشخصية رقم 88 لعام 1959، الذي صدر في عهد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، و يُعد من أفضل القوانين التي أنصفت المرأة والطفولة والمجتمع في تاريخ العراق. ولكن المشكلة أن أكثر من عارض هذا القانون التقدمي الإنساني، هم رجال الدين الشيعة، حتى أنهم تحالفوا مع حزب البعث المجرم، والجهات الأجنبية المعادية للعراق في أوائل الستينات من القرن الماضي، وأطاحوا بأخلص وأنزه حكومة وطنية عرفها العراق في تاريخه الحديث، ودفعوا ثمناً باهظاً لفعلتهم الشنيعة تلك.

في الطب وفلسفة الأخلاق، وعلوم الاجتماع والنفس، تعتبر الطفولة من الولادة إلى سن السادسة عشر، كما أقرته جميع القوانين الوضعية بما فيها قوانين الأمم المتحدة، أن سن الرشد هو بلوغ 18 عاماً من العمر، حيث يسمح له بالتصويت في الانتخابات.

ففي الدول المتحضرة، أية علاقة جنسية مع أي إنسان وحتى في حالة الزواج دون سن البلوغ، يعتبر جريمة اغتصاب ولو بالتراضي، والمرتكب لهذه الجريمة يُعد من المنحرفين جنسياً، والمصابين بمرض الولع الجنسي بالأطفال (Paedophiles)، يوضعون تحت المراقبة من قبل الأجهزة الأمنية لحماية الأطفال من انحرافهم، وإذا ارتكبوا الجريمة يوضعون وراء القضبان حسب القانون.

لكن ماذا نقول لو قامت جهة مشرِّعة مثل برلمان دولة هي عضو في الأمم المتحدة، بتشريع قانون يبيح فيه الزواج من القاصرات، بممارسة التفخيذ معها من الرضيعة بعمر عامين، والولوج بها بعمر تسعة أعوام. فهذا القرار مخالف لجميع القوانين الدولية، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفولة، وحقوق المرأة، وأنه يمثل خطوة أخرى تكميلية لما فعله النظام البعثي الساقط في الردة الحضارية، والعودة بالمجتمع إلى عصور الهمجية، والجاهلية الأولى. فهذا التعديل يعتبر المرأة بمختلف مراحل عمرها، من الولادة إلى الوفاة، عبارة عن بضاعة يتصرف بها الرجل كما يشاء أسوة بأية بضاعة جامدة أخرى، بعد تجريدها من آدميتها، وإمكانياتها العقلية، ومشاعرها وحقوقها الإنسانية.

فكما ذكرنا في مقالنا السابق، لقد تذرع النواب الإسلاميون المطالبون بتعديل القانون، بالمادة الثانية من الدستور أنه (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام). ولكن نفس المادة أقرت أيضاً (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الديمقراطية). ولا شك أن حقوق المرأة هي من ثوابت حقوق الإنسان والتي هي بدورها من ثوابت الديمقراطية، ولا يجوز إصدار أي قانون مخالف لهذه المادة الدستورية. وعليه فالتعديل المنافي للديمقراطية مخالف للدستور.

ما العمل؟
أولاً، يجب على جميع النواب التقدميين من مختلف الكتل السياسية، وخاصة النساء، معارضة هذا التعديل المجحف بشدة، وشن حملة جدال مع زملائهم في البرلمان من المؤيدين والمترددين لكسبهم ضد هذا التعديل المخالف للأخلاق والقيم الإنسانية، والمفتت للنسيج الاجتماعي.

ثانياً، عدم مغادرة الجلسة المخصصة لهذا التعديل بذريعة عدم إكمال النصاب لسد الطريق على مؤيديه. بل يجب حضور الجلسة والمشاركة الفعالة في المناقشة ما قبل التصويت، للتأثير الإيجابي على بقية النواب، والتصويت ضد التعديل. فمغادرة الجلسة يفسح المجال للنواب الإسلاميين وحدهم للتصويت وبدون معارضة فعالة.
ثالثاً، على جميع الكتاب التقدميين، والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والصحافة وكافة وسائل الإعلام شن حملة توعية واسعة للجماهير لحثهم على إجهاض محاولة الالتفاف على قانون الأحوال الشخصية، وذلك بتنظيم التظاهرات ونشر المقالات، والبيانات، والنداءات ضد هذا التعديل.

رابعاً، في حالة نجاح النواب الإسلامويين بتعديل القانون كما يريدون، يجب على النواب العلمانيين ومنظمات المجتمع المدني تقديم شكوى إلى المحكمة الإتحادية العليا، لإبطال التعديل لكونه مخالفاً للدستور، وضد الديمقراطية، ومناهضاً لحقوق الإنسان، ومسيئاً للشعب العراقي وسمعته في العالم.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نواب ينتقدون بشدة رئاسة البرلمان لسماحها بالتصويت عليه
http://www.akhbaar.org/home/2017/11/236048.html

2- – د.عبدالخالق حسين: حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=925

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here