متى يتساوى دخل فلاح الديوانية مع عامل الأجهزة الزراعية في اليابان؟

محمد رضا عباس
نظريا , من الممكن ان يتساوى دخل العامل ( الفلاح) في البلدان النامية مع دخل العامل في البلدان الصناعية عن طريق التجارة الخارجية. بموجب النظرية الاقتصادية , فان البلدان ذات الوفرة في راس المال يجب ان يتركز انتاجها على البضائع الرأسمالية (المكائن والمعدات ), بينما يجب ان تركز الدول ذات الكثافة السكانية ( ذات الوفرة في الايدي العاملة) انتاجها على صناعات تعتمد على الايدي العاملة بدرجة الأساس مثل صناعة الأثاث , صناعة الملابس والمنسوجات , و المنتوجات الزراعية.
هل يمكن التجارة بين دول ذات الوفرة في راس المال مع الدول ذات الوفرة في الايدي العاملة؟ الجواب هو نعم. ومن مصلحة الطرفين المتاجرة في ما ينتجون. اليابان على سبيل المثال باستطاعتها انتاج القمح ولكن سيكون كلفة انتاجه في اليابان أربعة اضعاف كلفة انتاجه في الارجنتين او الصومال او العراق او سوريا. اليابان لا تملك الأراضي الواسعة لإنتاج القمح , ولا الظروف الجوية التي تسمح بإنتاج القمح , كما وان عدد سكانها يحتاج الى كميات هائلة من القمح لا تستطيع ارضها انتاجها نظرا لصغر المساحة المخصصة للزراعة . على العكس , فان العراق لديه الأراضي الواسعة ولدى فلأحه خبرة الالاف السنين إضافة الى فجوة الأجور ما بين الفلاح العراقي والياباني. من جهة أخرى , يستطع العراق انتاج ماكنة حصاد او طائرة لنقل الركاب , ولكن كلفة صنعهما في العراق سوف يفوق كلفة صناعتهما في المانيا او اليابان بأضعاف المرات. وعليه , فان من الاحسن لليابان والعراق ان يتاجران بإنتاجهما , وذلك ان تستورد اليابان القمح من العراق , وان يستورد العراق المكائن الزراعية من اليابان.
ولكن كيف سيكون دخل فلاح الديوانية السنوي مقارب الى دخل عامل الأجهزة الزراعية في اليابان؟ الجوب هو ان استيراد اليابان كميات كبيرة من القمح العراقي سوف يزيد الطلب العام عليه في العراق وسوف يزداد الطلب على الأراضي الزراعية وكذلك أجور الفلاحين. حسب قانون العراض والطلب , فان زيادة الطلب على شيء يزيد من أسعاره , تماما مثل ارتفاع أسعار محصول الطماطة في وقت شحتها وانخفاضه في وقت وفرتها. وعليه وبمرور الزمن , كلما زاد الطلب الخارجي والداخلي على منتوج القمح العراقي كلما زادت كلفة انتاجه و كذلك أسعاره . بالمحصلة النهائية , فان فلاح الديوانية سيكون له دخلا مجزيا من انتاج القمح تمكنه من بناء بيت من الطابوق بدلا من الطين وسيكون هذا البيت مجهز بالأثاث الحديثة والأجهزة الكهربائية المتوفرة في بيوت اهل المدن الكبيرة , ووفرة من المال يستطيع بها ارسال أبنائه الى المدارس والمعاهد العلمية و السفرات الترفيهية داخل وخارج العراق.
ما ذكرته أعلاه , ليس حلم ليل او حلم يقظة او سرد قصة خيالية ولكن ما ذكرته قضية واقعية تجدها وانت تزور الريف الأمريكي والبريطاني والدنماركي والفرنسي . شخصيا , زرت جميع هذه البلدان و شاهدت عن كثب ما يتمتع به الفلاح في الدول الصناعية من مميزات . الفلاح العراقي يستطيع ان يعيش مثل زميله الفلاح الأمريكي او الفرنسي او لروسي او البريطاني ,اذا ما توفرت له الإمكانيات , وطبعا هذا لا يتم بالتمني ولكن بالعمل الجاد من قبل المنظمات المجتمع المدني و الحكومات المحلية . فبدلا من ان يتنافس أعضاء المجالس الإدارية على المناصب والامتيازات الحكومية , عليهم بالعمل على مطالبة الحكومة في بغداد بدعم القطاع الزراعي في مناطقهم , تحسين البنى التحتية , و وتشجيع الفلاح العودة الى ارضه, وبذلك يضمن السياسيون وظائفهم في الانتخابات القادمة.
الدول الصناعية في حاجة لصناعات الدول النامية مثلما تحتاج الدول النامية الى الصناعات الدول الصناعية , لان حتى في الدول ذات الدخل المرتفع هناك مكون كبير من الفقراء. على سبيل المثال على الرغم من وجود طبقة غنية في الولايات المتحدة الامريكية ووجود محلات تقدم الخدمات لهم وما يحتاجونه من ملابس واحذية راقية (ماركات عالمية) وسيارات انيقة و اثاث فاخرة , فان هناك طبقة فقيرة لا تستطيع العيش مثل الأغنياء , وعليه فان هذه الطبقة من الناس لا تتعامل مع المحلات الراقية والواقعة في قلب المدن الرئيسية وانما تتعامل مع المحلات التي تقدم البضائع باقل الأسعار Dollar store في هذه المحلات توفر للمشترين اغلب ما يحتاجه المتبضع من مواد استهلاكية وبسعر دولار واحد لكل حاجة.
بالحقيقة ,في كل الدول الصناعية هناك فئة الفقراء او دون معدل الدخل السنوي الرسمي للمواطن وان هذه الطبقة لا تتصرف مثلما يتصرف الأغنياء بدخولهم , وانما يتوجهون الى مراكز التسويق التي توفر لهم البضائع بمستوى دخولهم . ما هو مصدر هذه البضائع التي توفر ما يحتاجه فقراء الدول الصناعية؟ مصدرها جميع دول العالم النامية مثل فيتنام , مصر , تركيا, بنغلادش, الهند , باكستان , الأرجنتين , برازيل , و دول أخرى كثيرة. وهكذا , لا يوجد سبب عند الصناعي العراقي من الاستسلام او التركيز على السوق الداخلية دون السوق الخارجية . على سبيل المثال، العراق له خبرة هائلة بصناعة السجاد , ولكن من النادر ان تجد معرض للسجاد في أمريكا او أوربا يعرض السجاد العراقي , على الرغم من توفر سجاد من دول كثيرة منها الإسرائيلية والصينية و الإيرانية و أمريكا اللاتينية . المعلبات التركية تجدها في اغلب أسواق أمريكا و أوربا , ولكن لا تجد فيها منتوجات زراعية عراقية.
ملخص القول ان التجارة تفتح الأبواب واسعة للمنتجين العراقيين سواء كان هذا المنتج في القطاع الزراعي او القطاع الصناعات الخفيفة , وان منتجاتهم ستجد لها أسواق مربحة اذا ما عملوا بجد على ذلك . لان التجارة الخارجية لا تقتصر على الاتجار بين الدول الغنية فقط او الاتجار بين الدول الفقيرة فقط , كما يسوق له بعض الاقتصاديين , وانما توجد فسحة للتجارة بين الدول الغنية والفقيرة , لان ليس جميع السكان في الدول الغنية هم من الأغنياء , وليس كل المواطنين في الدول الفقيرة , من الفقراء . هناك طبقة من الأغنياء في الدول الفقيرة أيضا , مثل ما يوجد طبقة من الفقراء في الدول الغنية , واحسن شهاد الى ذلك وفرة أسواق يوم الاحد في الدول الغنية , حيث ان هذه الأسواق تغص بالمتبضعين والذين يبحثون عن حاجات مستعملة او رخيصة بدلا من شراءها من الأسواق المركزية والتي تكلفهم اضعاف أسعار سوق يوم الاحد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here