عودة الوعي للكرد !

الإنسان كائن غريب ، ومصدر غرابته ، في تكوينه المعقد ، فهو من جهه ، يعرف بأنه ، كائن عاقل ، ولكن العقل ، هو أقل ما يستخدمه في سلوكه وتصرفه ، وهو من جهة كائن خاضع الأهواء وعواطف ، وهما العنصران المسيطران والمهيمنان في كل تحركاته وسكناته ، وهو لا يعود للعقل ويتخذه أداة لتصرف إلا بعد صدمة تعيده للعقل لكي يسترشد به ، إذا، بالطبع ، وفق بالعود للوعي . بيد بأن البعض لن يرجع لوعي السليم أبداً ، لأن الغي ولا معقول قد أفسد كل ما فيه من عقل وفطرة سليمة ، ولهذا يصبح الكي والموت هو العلاج الوحيد الذي يشفي مثل هؤلاء ، ولسوء حظ فترتنا أن مثال أولئك هم من بات لهم الغلبة في عالمنا المعاصر ، فلاعقل هو السائد ، والطيش والحمق ، هما المستحوذين على نوازع الجماهير . ، ولذا ،علينا أن نطرح سؤالنا ، حتى لا نحكم على الناس بدون أن نضع نفسنا في أحذيتهم كما يقول الأنكليز عادة قبل الحكم على الآخر put yourself in my shoes ! . هل هؤلاء أصبحوا هكذا نتجية رعونه وطيش وحمق متأصل فيهم ، أم أنهم باتوا على تلك الشاكلة نتيجة ظروف كثيرة ساهمت لابعد حد ليركبوا مركب مجافاة العقل والمنطق ويذهبوا بالشطط والغرور لغايته القصوى ؟ وبالطبع أن أي جواب على هذا السؤال لا يمكن أن يأتي من الفراغ . فلا بد ، أن يجئ عن معرفة بالظروف والأحوال التي مر بها وعاش هؤلاء ، ولكن علينا أن ندرك في نفس الوقت أن ليس كل إنسان حصيلة ظروفه، فالبعض يولد على الحمق , ويبقى فيه ، ولن يخرج منه أبدا . فالمعرفة ، قبل الحكم ضرورية ، مثلما لا يمكن أعطئ الدواء كيفما اتفق فلا بد من معاينة وفحص وتشخيص ، قبل تحديد العلة . والمرض في حالة جماعة أو شعب ، يجب أن تعاين بنفس الطريقة أقصد ، بمعرفة تاريخ هذا الشعب وما تعرض له وما عانئ ، وما خلفته تلك الظروف في نفسه من أثر وصاغت ردود فعلة على ما يحدث له . فبدون هذا التاريخ ، يصبح الحكم عليه ، مغرض وغير علمي . فالشعوب ، مثل الأفراد يمكن أن تمرض أو تتعافى ، بما يحيط بها من ظروف وما عانته من مصائب ونكبات . وعلينا ، أن لا نمتعض من أستخدام هذا التعابير بحق شعب أو فرد . ولذلك ، وقبل أن نذكر مريضنا ، أن نقول بأننا أردنا أن نكون موضوعياً قدر الأمكان في موضوع تعز في الموضوعية ، حينما يتعلق الأمر في وطن عشت فيه جل حياتك ، وفترة الشباب والمراهقة ونفذ حبه ، من حيث تدري أو لا تدري إلى مشاعرك وعواطفك ، وحين يهدد هذا الوطن بتفت والخراب ، فهل بعد هذا يمكن الحديث عن موضوعية ! لعل ما ما دعانا لحديث عن الموضوعية في هذا الشأن ، هو أن كردستان ليس غريب عنا ، فهي أيضاً لها نصيب وحيزاً كبير في مشاعرنا وعواطف فعشر سنوات من العيش في ربوعها وجبالها وديانها يوم كنا عسكر ، نفذ حب أهلها الذين عرفنا طيبتهم وبساطة سكانها في روحنا . وعليه ، في ذلك الوقت ، حينما كنا في الربايا ، على قمم الجبال وسفوح التلال نرى أنفسنا كابوس ثقيل على سكانها ، وكنا نعزي أنفسنا أن العراق ككل يعيش نفس الوضعية وأن بدرجات مختلفة ، تحت ظل حكم البعث الجائر ، غير أننا لم يخالجنا شك بأن كردستان هي جزء من العراق الكبير . وهذا الأستطراد كان لابد منه . لأننا في الحقيقة ننطلق من وجهة نظر شمولية وترى في العراق وطن للكل بعيداً عن الأنتماءات الطائفية والقومية . وبما لا يمكن للمرء أن يقول كل شيء في آن واحد ، ولأنه الموضوع من التعقيد والتشعب ، ويحتاج تفاصيل كثيرة تجعل الموضع أكثر رطانة ، علينا أن نرجع لموضوعنا وأن نقول أن من نعني به بالكائن المريض ! هم الكرد ! ومرض الكرد هو جزء من مرض العراق ككل ، ولكن مرض الكرد هو بخلاف مرض بقية العراقين ، لا يمكن الشفاء منه إلا بعملية محفوفة بالمخاطر ، لكونه ترسخ وتأصل ، وأصبح جزء من هويتهم ، فمن لا يبدىه , أو تظهر عليه علامات هذا المرض ينظر له بعين الشك والريبة ، ويعرض نفسه للخطر الأتهام بالخيانة . فهُوية الكردي ، مرضه ، أن يكون كاره للعرب والعراقين بشكل خاص . وهذا زداد تأصل ورسوخ ، مع الهجمة الداعشية ، فهي أكسبتهم نفوذ وأستقلال أكثر على حساب العراق ككل . ولذلك اعتبروا كل رجوع لما بعد هذا المكاسب انتكاسه لهم وتقهقر ، فهم رأوْ بضعف العراق وتقسيمه وأندثاره منتها الطموح ، لذا راحت كراهيتهم له تتعاظم مع كل هزيمة وأنتكاسه يتلقاه البلد . وهذا المرض المصاب به الأكراد ليس نتاج الماضي وحدة وفترات الاضطهاد ، وأنما أيضاً نتاج الحرية والأستمتاع بشبه الأستقلال منذ عام ٩١ . فتلك الفترة تشكلت في مخيال الكرد كتمهيد إلى الاستقلال ، وعليه يجب تعميق الكراهية وابتزاز ما يمكن أبتزاز ، لأن ليس ثمة عودة للماضي أو ما يشبهه ، أو حتى البقاء في مثل هذا الأستقلال الغير منجز لكونه لا يبعث الثقة والأرتياح ولأنه ما زال يربطهم بالماضي بخيط واهـي . وكان الرمز لهذا المرض وتجسيد الحي له ، هو البرزاني . فلقد أراد أن يجسد تلك المشاعر والعواطف من الكراهية والمقت التي تجيش في كيان الكرد ، لكي يكون البؤرة التي تتجه لها أنظار الأكراد ، ومن ثم يكون الرمز لهم . ولهذا عمل وبذل كل جهده لكي يتماها مع ذلك الدور . وفعلاً ، لم يترك البرازاني سانحة وفرصة إلا وهتبلها . فهو قطع كل صلة ورابطة تجمعه مع العراق ، وسخر من حكام بغداد بقسوة ، وتأمر عليهم بلا خشية وبدون أن يطرف له جفن . وتأمر على العراق مع كل أعداءه ، ونال أوسمتهم ، وكان جزء من مؤامرة داعش . فأصاب بهوس دفن العراق حياً على يداه . وكان نجمه يزداد علو كلما أفل نجم العراق . لهذا بات الخصم للدود له . وعليه تماها الأكراد مع كراهية البرزاني . فقد عمل وصور لشعب الكردي ، بأن الخطر كل الخطر بأن يفلت العراق من الموت وأن لا تتناثر أشلاءه في كل الأرجاء ، فعليهم أن يصبوا الزيت على النار بلا رحمة ولا خشية . وهذا يفسر لنا الحمية التي أظهرها الكرد في أحتظان أعداء العراق وحتقاره ، والرفض أن تذكر كردستان مقرون بأسم العراق ، حتى لا يلوث أسمه كردستان . وهكذا أنقلب الكرد على العراق بدرجة ١٨٠ . ولذا تحول مرض الكرد من العراق للرغبة في التدمير والعدوان . وليس فيما قيل أي مبالغ ، وإنما هو وصف حيادي ، القصد منه المساهمة في العلاج وتشخيص المرض ، فأن تشخيص المرض بلا رحمة هو الطريق إلى العلاج والبراء منه . وبعد هذا ، وإذا ما قلناه ، واضح وبين ، لكل من تابع ما جرى لكل أطيافه ومكوناته ، من ردود فعل سلباً ويجاباً . فقد أن الآوان ، لنطرح سؤالنا ، الذي يؤلمنا يخولنا أن نعتب على الأكثرية من الكرد لموقفهم السلبي من العراق ككل . من أن نسأل من تكون كردستان ؟ وشيء طبيعي كردستان ليس كنغر أسترالي موضوعه أو محبوس في قفص عراقي ، جلبت عنوة من ديار غربية ، فهي جزء من الأمتداد الطبيعي للأرض العراق ، فهي لم تسقط على أرض العراق من السماء ، كما يحلو لبعض الأكراد المتعصبين ، أن يقول ، بأنها لا تشبه أرض الأعراب ، فهي من الناحية الجغرافية امتداد طبيعي لما حولها من أراضي . فالأختلاف في التضاريس ، لا يعني الأختلاف ، أو التعارض في الطبيعة . أما هي من الناحية السياسية ، فهي من تركت الأمبراطورية العثمانية حديثاً . وتقسيم تلك التركه بعد انهيار الدولة العثمانية ، وبناء الدول الحديثة منها . فكانت ما يسمى كردستان مقسمة بين أربع دول . فكردستان العراق هي جزء من بنية العراق الحديث . وعليه ، فهي قانونا وعرفاً وحسب المواثيق الدولية جزء شرعي من العراق . وبغض النظر عن التمرد ودعوات الأنفصال فهي تبقى تابعه للعراق وتعامل على أنه أحد مكوناته . وتخضع للدستور العراقي . وهذا التحديد لكردستان على علاته هو القول الفصل في وضعيتها الحالية ، وأليه تخضع . وبتالي لا تملك أي أمتياز سوى ما تمنحه الدولة لها ، فتمتعها بالحكم الذاتي لا يعني بكل الأحوال أنها بعيدة عن سلطة الدولة . فهي خاضعت للدولة فيما عدى تصريف شؤون الإقليم داخل حدود الدولة العراقية . هذا هو كل ما تملكه كردستان ، أما ما مارسته أبعد من هذا ، فقد كان تجاوز على سلطة الدولة وأنتهاك لسيادتها وأهانة لها . وعليه ، بعد أن بينا ، وضع كردستان في العراق ، دعونا نناقش هذا الذي طالما طرح وتردد بشكل ممل وسوء فهم ، ونعي به الشعار يكثر رفع في مناسب وبدونها ، شعار حق تقرير المصير ، فنحن نرى هذا، لا ينطبق على كردستان ، ويجب أن لا يأخذ به أحد ولا يمكن تطبيقه على العراق , ، فهو ينطبق فقط على الدول التي لها كيان محدد وحدود مرسوم يسهل تبينها عند أنفصالها عن الجسم الذي أتحدت به أو معه ، كما هو الحال مثلاً مع جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابقة ، والتي حينما أنهار السوفيت رجعت تلك الدول لحدودها السابقة بدون أن تخلف أي مشكلة ، بينما ، حقيقة ، لا نعرف على وجه اليقين أين تبدأ كردستان وأين تنتهي ، فحدودها كلها قائمة على ادعاء الأطراف المختلفة . فهي متداخلة مع أرض العراق وجزء طبيعي منه ، فكردستان لا يمكن أن تكون سوى دولة هجينة ، إذا ما نفصلت ، وتخلف مشاكل عويصة . فشعار تقرير المصير ، أسم على غير مسمى ، هنا ، وفِي غير محله . والذي رفع وتردد بغير فهم لوضعية كردستان ، مما ساهم في خلق المشاكل . وهو ، عادةً ، ما يردده ، الشيوعين العراقيين بشكل ديماغوجي ، لما كان يقوله السوفيت للدولة المنضوي في الأتحاد ، والذي كان لا يسمح به عملياً ، ولا يجيز التفكير به ، فيجب ، من ثم ، رفض هذا الشعار ، وهجر كلياً . وبقى ، علينا بعد أوضحنا ، بشكل مؤجز ، سوء الفهم لوضعية كردستان من العراق ، وأن مشكلتها في الاستقلال هي مشكلة زائفة لحقت أضرار في كل من العرب العراقين والأكراد العراقين ، وأن المشكلة كلها تركز في حكم ذاتي صحيح يلزم به الكل ولا يتجاوز عليه وتخطيه . أن نشير ، للقيادة الكردية المتجسدة في البرزاني وعائلته ، بكونها ، هي التي تقف بشكل مباشر وراء كل ما حدث ويحدث ، بسبب طموحات شخصية وتشبث بزعامة والسلطة . فهي تديم المشاكل وتغذيها لكي تستمر بزعامة . فالبرزاني ، الحق ضرر بالغ بالقضية الكردية وفِي العراق ككل . ولهذا يجب ابعاده البرزاني وتقديمه لمحكمة لما سبب من أضرار وما قام به من خيانات متتالية ، وانتخاب قيادة وطنية تؤمن بأنها جزء من العراق وتعد الأستفتاء خيانة وطنية . وكذلك ، يجب أن يعمل على أنهاء حالة الدولة داخل الدولة ، ، فهذا ، هو الذي ذهب بعقل البرزاني بعيداً والكرد ، وجعله يبني قصور على الرمال . وبتالي ، حل البيشمركة ، وتسليم كل الأسلحة الثقيلة لديهم ، تكوين منهم شرطه عادية لحراسة الأمن والمنشأت الحكومية . وكذلك ، الكف عن ترديد ما يسمى المناطق المتنازع عليه ، فليس هناك أرض لهذا الطرف وآخرى لذاك ، وكأن هناك دولتين بينهم نزاع على أرض ، فكل الأراضي عراقية وملك مشاع للكل . ومن ثم ، عدم السماح لأي دولة أجنبية التعامل مع كردستان بشكل منفرد بدون علم الحكومة وأذنها . فمثل هذا السلوك ، يغذي النزع الأنفصالية ، ويجعل كردستان متميز عن بقية المحافظات . وبسط سيطرة الدولة في كل أرجاء العراق هو وحده الكفيل في بناء عراق قوي قائم على الديمقراطية السليمه التي تحفظ وحدة العراق .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here