الشرق الاوسط كما يراه الغرب ويعرفوه

حدث في الفترة الاخيرة كثير من الالتباس الفكري والتاريخي حول معنى الشرق الاوسط وحدوده الجغرافية ,ولكي نضمن للقارىء اللبيب معلومة صحيحة ورصينة ارتاينا اعادت ماكتبناه منذ فترة قصيرة حول هذا الموضوع.

ماذا يعني مصطلح الشرق الأوسط الجديد ؟؟ , هل هو مصطلح جغرافي أم اقتصادي أم سياسي أم جيوسياسي ؟!! هل يحمل أبعاداً عرقية أم دينية أم تاريخية أم ثقافية ؟! هل لهذا المصطلح أصل تاريخي ؟ وهل له دلالات استعمارية ؟ هل له علاقة بوجود اسرائيل ؟؟؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد أن نتحدث بداية عن مصطلح الشرق الأوسط , ماذا يعني ومن أطلقه وماالمقصود به ومالهدف منه ؟؟

تاريخ ظهور مصطلح الشرق الأوسط :

ظهر مصطلح الشرق الأوسط لأول مرة في كتابات المؤرخ العسكري الأمريكي ( ألفرد ماهان ) , إذ اقترح في مقال نشره في لندن في أيلول عام 1902 إطلاق هذا المصطلح على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية , كما استخدم المصطلح في وثائق التسويات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وخاصة ( سفر , سان ريمو وباريس ) بين سنتي (1919 -1920 ) وبموجبها تم اقتسام المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .

هذا المصطلح من الناحية الجغرافية فيه الكثير من الالتباس والتناقض فهو يعكس وجهة نظر غربية ترى أن أوربا هي مركز العالم وأن كل الأقاليم الأخرى تتجمع حولها , فالشرق هو شرق بالنسبة لأوريا والغرب غرب بالنسبة لأوربا وكذا الشمال والجنوب , والغريب أن شعوباً أخرين كالروس يستعملونه رغم أن الشرق الأوسط بالنسبة إليهم يقع جنوباً , وبالنسبة للهنود والصينيين غرباً !!!! .

ماهي حدود الشرق الأوسط :

حين أطلق الفرد ماهان المصطلح كان يقصد به المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية . ويدخل الخليج العربي ضمن هذه المنطقة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وسع معهد الشرق الأوسط الذي تأسس في واشنطن سنة 1946 استخدام المصطلح المذكور ليشمل فضلا عن المنطقة أعلاه ، كلا من باكستان وآسيا الوسطى والبلدان العربية في شمال أفريقيا . ومنذ ذلك التاريخ أطلق مصطلح الشرق الأوسط على تلك المنطقة من قبل وزارة الخارجية الأميركية ، وعلى العشرات من مراكز الدراسات والبحوث والأقسام العلمية المتخصصة في الجامعات الأميركية.

ومع بداية إعلان تأسيس إسرائيل على الأرض العربية فلسطين في 14 أيار 1948 بدأ البعض من الكتاب والسياسيين الغربيين يروجون لهذا المصطلح رغبة منهم في تثبيت كيان إسرائيل والسعي لدمجه ضمن المنطقة وعلى هذا الأساس تعاملت أجهزة الإعلام والدوائر الغربية مع بلدان جامعة الدول العربية على أنها أقطار شرق أوسطية.

لقد أصبح معلوما ان مصطلح الشرق الأوسط هو أكثر من مصطلح جغرافي ، فهو مصطلح سياسي واقتصادي ، يضم بين جناحيه أقواما من عروق شتى عربية وتركية وفارسية ، ومن أديان شتى إسلامية ومسيحية ويهودية وتمتد حدوده لتحتوي الوطن العربي ولكن مجزءاً مبتدئاً بمصر دون الشمال الأفريقي ثم إسرائيل ليصل إلى أفغانستان وحتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالا.

وهكذا، فان الشرق الأوسط، يشكل المجال الذي تلتقي فيه قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا ، ويضم البحار: المتوسط والأحمر والأسود ، إلى جانب بحر العرب وبحر قزوين والخليج العربي والمحيط الهندي ، كما يتحكم بأهم المضايق في العالم ، هرمز ، باب المندب ، قناة السويس ، البوسفور ، الدردنيل ، وتروي أراضيه أنهار مهمة كدجلة والفرات والنيل والأردن ، وهو موطن الحضارات القديمة ومهد الأديان السماوية ويضم فوق ذلك كله أكبر ثروة نفطية في العالم.

وفي المحصلة نجد أن الهدف الأساسي من طرح هذا المصطلح هو تفتيت العالم العربي ومنع قيام أي مشروع نهضوي شامل في الوطن العربي والهدف الآخر هو دمج الكيان الصهيوني في المنطقة وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي وتحويل المنطقة إلى كتلة اقتصادية سياسية بقيادة يهودية تدور في فلك المشروع الاستعماري الغربي .

الشرق الأوسط الجديد ( السوق الشرق أوسطية ) :

الشرق الأوسط بحسب تعبير مارتن اندك مستشار الأمن القومي الأسبق ، وأحد منظري السياسة الأميركية هو ” في حالة توازن دقيق بين مستقبلين بديلين الأول يتمثل في سيطرة المتطرفين المرتدين عباءة الإسلام أو القومية على المنطقة. والثاني مستقبل تحقق فيه إسرائيل وجيرانها العرب مصالحة تاريخية تمهد للتعايش السلمي والتنمية الاقتصادية وذلك من أجل تأمين التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط ” . ويعد مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 بمثابة عملية انطلاق لترسيم ” خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ” . وفي مؤتمر مدريد سنة 1991 طرحت فكرة السوق الشرق أوسطية بمبادرة إسرائيلية وأميركية مع الجماعة الأوروبية والبنك الدولي . ويعد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين لهذه الفكرة . فقد ركز عليها في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر السنوي لحزبه حزب العمل في أيلول 1991 وتحدث عن التكامل بين ثلاثة عناصر متوفرة في الشرق الأوسط وهي: وفرة موارد المياه التركية، وسعة السوق الاستهلاكية العربية ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية وخلص الى ان اتحاد هذه العوامل الثلاثة ممولة بفوائض نفط الخليج العربي، تستطيع ان تحقق لإسرائيل ما تريد ، ويجعلها جزءا من المشروع الاقتصادي الشرق أوسطي الجديد، فيتعزز عندئذ أمنها ويتحقق رخاؤها، ثم عاد فوسع الفكرة من خلال كتابه ” الشرق الأوسط الجديد ” الذي ترجم الى اللغة العربية أكثر من مرة في عمان بالأردن .

تخيل تيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية «قيام كومنولث شرق أوسطي يكون لدولة اليهود فيه شأن فاعل ودور اقتصادي قائد وبمنزلة المركز للاستثمارات».

أمر مؤتمر بلتمورالصهيوني عام 1942بإقامة كومنولث شرق أوسطي تقوده دولة اليهود، ونجح يهود بريطانيا وأميركا في غرس «فكرة الشرق الأوسط» في صلب السياستين البريطانية والأميركية إبان الحرب العالمية الثانية، ووضعوا خطة لتهويد فلسطين العربية وإقامة«اسرائيل» فيها وتحويلها الى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية في المشاريع والمخططات المستقبلية الأميركية في المنطقة.

وضع المستشرق اليهودي الأميركي برنارد لويس مخططا للشرق الأوسط نشرته مجلة فورين افيرز الأميركية في خريف عام 1992 تحت عنوان: «إعادة النظر في الشرق الأوسط» انطلق فيه من رسم شرق أوسط جديد تصل حدوده الجغرافية الى الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى، وتوقع الغاء دور العرب في التاريخ الجديد للمنطقة لمصلحة قوى اقليمية اخرى وفي طليعتها «اسرائيل».

وتوقع الخبير الأميركي في شؤون المنطقة روبرت ستفالو ان تدخل بعض الدول العربية «اسرائيل» كلاعب رئيس مباشر وعلى المكشوف في لعبة توازن القوى والخلافات فيما بينها، ببناء تحالفات بينها وبين «اسرائيل» تستقوي بها هذه الدول في صراعاتها وخلافاتها التقليدية والمعاصرة.

الولايات المتحدة الأمريكية ومشروع الشرق الأوسط الكبير

طرحت الولايات المتحدة في بداية آذار 2004 «مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي حدد مداه برنارد لويس وشمعون بيريز، واستبدلت كلمة الجديد من المخطط الذي طرحه بيريز بالكبير، ولكن كونداليزا رايس عادت في 21 تموز 2006 واستخدمت كلمة الجديد بدلا من الكبير.

تعتقد الادارة الأميركية ان هناك فرصة حقيقية بعد تغيير النظام العراقي بالقوة والحرب على لبنان لاعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية والاسلامية اسوأ من خريطة سايكس ـ ـ بيكو، وكانت اليهودية العالمية و«اسرائيل» قد اعلنت الحرب على العرب والمسلمين.

خرج مشروع الشرق الأوسط الكبير أوالجديد الى حيز الوجود من دراسة وضعها المستشاران اليهوديان في ادارة بوش وهما ريتشارد بيرل ودوغلاس فايت تحت عنوان «استراتيجة جديدة تضمن أمن «اسرائيل» تدعو الدراسة الى التخلي عن اتفاق اوسلو بسبب عجز السلطة الفلسطينية واحترام حقوق اليهود في «دولة اسرائيل الكبرى اليهودية»، وربط المصالح الاسرائيلية والأميركية في المنطقة بالاستراتيجية الأميركية الشاملة.

وزعم السفاح شارون ان الارهاب الذي ضرب الولايات المتحدة هو نفسه الذي يضرب «اسرائيل» منذ عدة عقود، وزعم يهود الادارة الأميركية ان كراهية العرب لـ «اسرائيل» نابعة من احقاد دينية وتاريخية متوارثة وان الثقافة العربية ـ الاسلامية والمناهج الدراسية هي المسؤولة عن الكراهية والتحريض على قتل اليهود والأميركيين.

ينطلق المشروع الأميركي من ركيزتين: الركيزة الأولى: تقول ان التدهور الكبير في الاوضاع العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتطلب البدء في الاصلاح. والثانية: ان هذه الاوضاع تشكل الارضية الخصبة لبروز التطرف والارهاب الدولي.

وينادي المشروع بضرورة البدء بالتغيير والاصلاح وضرورة مساعدة الجهود الدولية لتحقيقه، لان الولايات المتحدة ترفض هذه الاوضاع وتصر على ضرورة تغييرها للقضاء على الارهاب (المقاومة) والكراهية والتحريض الموجه ضد «اسرائيل» وضد المصالح الأميركية، وحددت المبادرة الأميركية الاصلاح بثلاثة اهداف رئيسة: الديمقراطية والمعرفة وحرية المرأة، وتضمنت الوسائل لتحقيقها.

إن الولايات المتحدة تعمل على دمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية وتثبيته على حساب الأرض والحقوق الفلسطينية والعربية والاسلامية، وجعله المركز والمهيمن على المنطقة للمحافظة على تجزئتها وتخلفها وتبعيتها واستغلالها، وتبنت الولايات المتحدة المشروع الصهيوني لمستقبل المنطقة ودمجته في استراتيجيتها الكونية وتخرجه اليوم الى حيز الوجود لتأمين السيطرة على منابع النفط وممراته وأمواله وتصفية قضية فلسطين.

ويهدف المشروع الى اجبار العرب على الغاء المقاطعة والهرولة بالتطبيع وفرض هيمنة «اسرائيل» على الاقتصادات العربية ويتسم بدلالتين: الأولى: انه ستار لدمج «اسرائيل» في المنطقة وتوليها دور القائد والمركز، والثانية: ان المحرك الرئيس له محرك أميركي من خارج المنطقة.

وإن وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة بدعم من المنظمات اليهودية العالمية وبدون سند وقوى مؤثرة داعمة له في المجتمع الأمريكي ( باستثناء تجمعات السود وهي ليست مؤثرة كثيراً ) ( أي رئيس ضعيف ) تتضح أسبابه ويمكن تفسيره الآن في مايحدث في المنطقة العربية وخاصة سوريا والعراق حيث تتبنى الإدارة الأمريكية الرؤية الإسرائيلية بشكل تام دون اعتبار للمصلحة الأمريكية وهذا يحدث لأول مرة في تلريخ الولايات المتحدة الأمريكية مما أدى إلى حدوث صدام مع الجمهوريين مؤخراً ولكن مهما تطور الموقف الأمريكي لاحقاً من اوضاع سوريا ومما يحدث في العراق ولبنان , أعتقد أن ماأرادته اسرائيل تحقق وتم تحويل الصراع العربي – الاسرائيلي والإسلامي – الغربي ( وجدانياً على الأقل ) إلى صراع سني شيعي سيؤسس للمرحلة اللاحقة وهي فوضى خلاقة كبرى .

قاسم محمد الحساني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here