الى روح اخي وصديقي الشهيد صباح عبد الرحيم الكاظمي

محمد رضا عباس
لم انساك منذ ان سمعت قصة القاء القبض عليك وعلى اخيك الصغير ووالدك من قبل جلاوزة النظام السابق . وكانت دموعي عليك وعلى اخيك ووالدك هي سلواي في غربتي بعد ان أخبرني صديق اخر اعدامكم جميعا. كيف انساك اخي صباح , و انا أرى صورتك في كل مكان من مناطق الكاظمية . مازالت صورتك حية شخاصة في وجداني ونحن صغار نلعب سويتا في ساحة فضوة الشيخ ال ياسين , ونذهب الى حسينية ال ياسين لنستمع المواعظ الحسينية في أيام عاشوراء و مواعظ رمضان في جامع فضوة الشيخ . ونحن في متوسطة الكاظمية , كنا ندرس سوية في كازينو الجامعة , نقضي مع أولاد حارتنا عصرية اليوم في قهوة سفر علي بجوار بيت جدك , ونقضي عصريات الصيف في السباحة مع أولاد الفضوة الاخرين مقابل قصر شيخ بلاسم . وفي كازينو أبو حنوش بجانب جسر الائمة من ناحية الكاظمية ونحن نحضر لامتحانات البكلوريا الإعدادية. وفي كازينو الجامعة ونحن نحضر لامتحانات السنوية والنصف السنوية الجامعية.
أتذكر ونحن “اهل الفضوة” كيف كنا متحمسين في التحضير الى زيارة اربعينية الحسين والمشاركة في خدمة زائري الحسين , وكيف نقضي ليالي الأربعين في كربلاء ونحن نتجول بين المواكب الحسينية والاستماع الى ” رداتهم” الحسينية والتي كانت بعضها ضد ممارسات النظام السابق الاجرامية علنا , ومنها المغلفة . أتذكر وانت معي ونحن نكتب ردات أبناء الرميثة في احد الاربعينيات التي تهتف ” صوت الحق ينادي يا بن حيدرة” . وكيف أنسى اخ وفي وكريم كان في مقدمة المودعين لي وانا اغادر العراق الى الولايات المتحدة الامريكية. حتى انه أقرضني مبلغ ستمائة دينار( كلفة نصف بيت) لتمشية اموري وانا في غربتي.
كثيرة هي الذكريات الجميلة مع اخي صباح والذي كان ملتزما دينيا ,ولكنه لم يكن منتميا الى حزب سياسي . لم اسمعه يوما وهو يسوق الى حزب سياسي ضد السلطة , ولكن كان يكتم كرهه لحزب البعث بسبب تعرضه للمؤمنين ومنعه الشعائر الحسينة . كان تدينه لا يختلف عن تدين اقرانه في تلك الفترة والتي تشمل الصلاة في البيت او المسجد القريب من البيت , صيام شهر رمضان , و المشاركة في المجالس الحسينية و شعائرها , وهذا ما اغاض عملاء النظام السابق من مرضى النفوس و قلة الجاه و والحقد على كل رجل اعمال ناجح يحترمه الناس ( كان يدير محلات والده , صاحب معرض احذية الشرق). لقد القى عصابات النظام السابق على اخي صباح واخيه الصغير (على ما أتذكر في مرحلة الإعدادية) ووالدهم بحجة دعمهم لحزب الدعوة الإسلامي ولم يعرف عن مصيرهم الى هذه اللحظة , ولو ظفروا ببقية افراد عائلته لما ترددوا ساعة من القاء القبض عليهم أيضا , ولكن فضل الجيران انقذها , بعد ان استطاعت الأخت الوحيدة ووالدتها تسلق جدار الجيران .
لم يكن سهلا على الشهيد صبحي دخول المعتقل ليكون واحدا من المئات الذين اتهموا بنفس تهمته , وهو يعاني من مرض الربو , حيث ان أصحاب هذا المرض يعانون منه وهم طلقاء , فكيف بهم وهم معتقلين في غرفة صغيرة مع العشرات من المظلومين مثله لا يكادون يتنفسون الهواء الطلق؟ لقد كانت محنة اخي صبحي متعددة الجوانب والصفحات , فهو يترك زوجته وطفلته التي لم تبلغ بعد حد السنتين , وبكل تأكيد كان يفكر بمصير اخته وامه من قبضة النظام و اعتداءاته المعروفة ضد النساء , وكان يفكر بمصير اخوته الباقين ولا يعرف مصيرهم , وكان يفكر بمصير محلاتهم والتي كانت تقع في شارع الرشيد والأخر في حافظ القاضي والثالث في السعدون , إضافة الى معملهم في الحيدرخانة , وبكل تأكيد غصته كانت يومية وهو ينظر الى والده المحترم والذي كان في يوم من الأيام محطة الزائرين من كبار القوم في بغداد والقادة العسكريين والمدنيين , والى حال أخيه الصغير والذي لم يكن يتعدى العشرين عام . بكل تأكيد كان ينظر الى أخيه وابيه وقد غطت وجيهما الدماء من اثر التعذيب اليومي و سماع السب والشتائم عليه وعلى أخيه وابيه من انذال ليس لهم دين او شرف او وجدان , وليس لهم شيء من الإنسانية.
لا أتصور حال اخي صباح , وهو لا يجد من حوله من يعينه على محنته في سجنه وهو الذي كان السباق الى معاونة الاخرين والمشاركة في افراحهم واتراحهم . ولا يمكن ان أتصور حال اخي صباح وهو يستمع الى قرار ذلك الحكم الظالم بحقه وحق اخية وابيه , اذا كان هناك محكمة , حيث كانت تصل الأحكام الى السجناء وهم في سجونهم , وليس مثل محاكمة جلاد العراق , صدام حسين, والذي طالت فترتها ما يقارب السنة وأعطى له من الحقوق ما لم يعطي جزء من الواحد من المئة لضحاياه . اعدم صدام حسين , وبقرار من محكمة علنية بعد ان كشفت عن جزء يسير من جرائمه ولكن على اقل استلمت عشيرته جثته وصلى بعض افرادها عليه , صلاة الجنازة, اما اخي صباح ورفاقه المغيبين لم يصلي عليهم احد من البشر الا ملائكة السماء, ولم تعثر على أجسادهم الطاهرة . ولم أتصور حال صبحي شهيد الكاظمية حاله وهو يستمع الى قرار حكمه بالإعدام مع أخيه وابيه على جريمة لا توجد الا في عقلية راس النظام المذعور آنذاك. لقد عذب واستشهد اخي صباح على ” جريمة” انضمامه الى حزب الدعوة , فيما لا يعدم الإرهابيون الذين سببوا في قتل عشرات الاف من العراقيين الأبرياء وتدمير الممتلكات العامة والخاصة بعد التغيير. عائلة صباح دمرت من الأساس : قتل رجالهم وسبيت نسائهم و صودرت ممتلكاتهم بسبب انتماء احد ابناءها الغير مؤكد لحزب الدعوة, ومئات من المحرضين على الموت ينعقون نهارا جهارا للقضاء على العملية السياسية ويبثون سمومهم الطائفي ولا احد يرميهم في السجون؟ اليس من الظلم ان يستمر اليسار واليمين يبثون سمومهم ضد العملية السياسية ولا أحدا يردعهم؟ ولا ادري حال اخي الشهيد صباح وهو ينتظر لحظة إعدامه , و يا ترى هل كان هو الأول في الصعود الى المقصلة قبل أخيه ووالده ؟ اعتقد صباح اختار لان يكون الأول حتى لا يرى والده واخيه وهم معلقين على اعواد المشانق , وارواحهم تشكوا من ظلم وطغيان أولاد الزنا واحفاد الشيطان .
اخي صباح , انا اعلم انك الان ومن حولك اخيك وابوك وبقية الشهداء في ضيافة الرحمن , والذي قال في كتابه الحكيم ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا , بل احياءا عند ربهم يرزقون”. نعم مات جسدك ولكن روحك العطرة مازالت ترفرف مع ملائكة السماء نحو العراق الجريح. وانا اعلم , وانت في العليين تقطف من ثمار الجنة ما تحب وتشتهي تنظر الى وطنك الذي احببته بعد ان سلب روحك وارواح مئات الالاف من امثالك الشرفاء شقي العراق . اخي صباح , لم تخسر من هذه الدنيا الزائلة الا معاصيها , ولم تفقد من هذه الدنيا الا غصتها واوجاعها , ولهذا اختارك الله ان تكون شهيدا في ريعان شبابك لتعجل اليه وتكون بقربه يشاركك في نعيم الجنة الأنبياء والشهداء والصديقين.
اخي صباح دمائك ودماء اخيك وابيك لم تذهب سدى. العراق الذي احببته مازال بخير على الرغم من محاولات الظلام الاساءة اليه والى تاريخه ومجده. اخي صباح وانت تعرف ومن خلال استقبالك في جنات النعيم مئات الاف من الشهداء العراقيين الذين سقطوا على يد الإرهاب من القاعدة الى داعش , الذين جاء بهم أعداء الله والإنسانية لإيقاف عجلة الحرية والديمقراطية في العراق. العراق في طريقه الى القضاء على داعش وفي طريقه على القضاء على من أراد التقسيم للعراق , وان المعركة القادمة ستكون معركة البناء والقضاء على الفساد. لا اريد ان اعلمك , لأنك تعلم وبجانب علام الغيوب , يعلم ما في السموات وما في الأرض , ان العراق مازال قويا وقادرا على القوى التي تريد العبث بمقدراته بفضل شجاعة القوات المسلحة العراقية وبفضل قوات الحشد الشعبي البطل , والذي اصبح سكين في خاصرة الارذال من الطائفيين و العملاء. العراق سوف لن يرجع الى يد من قتلك وقتل اقرانك وهم بمئات الألاف من الشهداء بدون ذنب .
اخي صباح , وان كنت تعلم لأنك بجنب الله , فان المحاولات الخبيثة التي أراد بها النظام السابق في الغاء زيارة الاربعينية الحسين الشهيد والتي حرصت على حضورها ما دمت حيا , باءت بالفشل الذريع , مثل ما رميت جميع اعماله الاجرامية الى مزابل التاريخ . لقد صدق الله وعده لبطلة كربلاء زينب بنت علي عندما خاطبت يزيد بن معاوية ” اسعى سعيك , انصب جهدك , فو الله لا تمحو ذكرنا”. اخي صباح أصبحت زيارة الاربعينية مثل الذهاب الى مكة المكرمة , فهذا يذهب الى مكة لأداء فريضة الحج وذاك يذهب الى كربلاء لتجديد الولاء الى الرسول الاكرم واهل بيته الاطهار. اخي صباح , وانت تعلم لأنك بجنب الله, لقد جند النظام السابق كل شياطين الانس لوقف هذه الشعيرة , الا هذه الشعيرة أصبحت ظاهرة يتباهى بها المسلمين واصبحوا يزحفون لها بالملايين من كل حدب وصوب . اخي صباح , وانت تشاهد الملايين من البشر من جنب عرش الله وهم متجهين صوب قبر أبو الاحرار الحسين بن علي لا خائفين من سيارات مفخخة ولا من حزمة ناسفة ولا من هاونات تطلق عليهم من المناطق المجاورة لمحافظة كربلاء , كلهم ينادون ” لبيك يا حسين”. هذه الجموع المليونية أصبحت علامة مسجلة للعراق ورمزا لوحدة العراق , حيث شارك فيها كل أطياف الشعب العراقي , لان الحسين اصبح ليس رمزا دينا وانما رمزا للإنسانية جميعا . في قضية الحسين انتصر الدم على السيف وفي قضية الحسين انتصر المظلوم على ظالمه.
اخي صباح ,اصبح الطريق الى كربلاء يطلق عليه طريق الجنة , واصبح انصار الحسين ومحبيه يتباهون في تقديم الاحسن ما لديهم الى زوار الحسين , بعد ان كانوا خائفين يختارون الطرق الميسمية خوفا من ازلام حزب البعث وهم في طريقهم الى كربلاء . لقد أذهل العالم العراقيين من سعة كرمهم وحسن ضيافتهم لزوار كربلاء, فاصبح يسمونهم بالملائكة . لا اكثر عليك الوصف , لأنك تشاهد هذه المناظر الإنسانية من السماء وبجانبك الأنبياء والاوصياء والشهداء. الم تشاهد ذلك الطفل الذي يحمل قنينة العطور ليعطر بها ايادي زوار الحسين؟ الم تشاهد تلك الفتات التي لم يبلغ عمرها الثمان أعوام وهي تحمل صينية من الدولمة العراقية لتوزعها على من في طريقها من الزوار؟ الم تشاهد ذلك الرجل الكبير وهو يوزع القهوة العربية في وسط الزائرين؟ الم تشاهد ذلك الرجل ومن حوله أبنائه وهم يحضرون السمك البني لتوزيعه على السائرين نحو كربلاء؟ نعم حبيبي صباح , في وايامنا كان هناك التمن والقيمة توزع اطباقها في الحسينيات والمساجد وقت الغداء والعشاء, اما الان , فان كرم العراقيين توسع ليشمل الدجاج المشوي و الشاورمة والكباب , والمشويات بكافة أنواعها وعلى كل الطرق المؤدية الى كربلاء . اخي صباح , في طريق الزائرين لكربلاء اصبح هناك من يوقف الزائرين من اجل ضيافته في بيته والنوم ان احتاج له , واصبح هناك مجاميع من الشباب يؤدي المساج للمتعبين من السير وهناك من يوفر قناني الماء وهناك من يوفر خدمات الانترنيت , ومجاميع أخرى من الشباب وظيفتها تنظيف احذية الزائرين , تكريما لتراب الحسين. تحت خيمة الحسين هتف الأغنياء والفقراء , النساء والرجال , الأطفال و الكبار الرحمة والسلوان للشهداء والخزي والعار للقتلة والمجرمين . أصبحت في العراق ملايين من القصص الإنسانية وأصبحت قضية اربعينية الحسين , والتي كنت تحرص على حضورها والمشاركة فيها , فخر العراقيين وحديث العالم الإسلامي , وقصة نجاح إسلامية نادرة في وقت التردي الإسلامي , حيث ان داعش دمر سمعة الإسلام السامية , وجعل منه دين قتل و سبي و نهب و تدمير. وأصبحت اربعينية الامام الحسين اشعاع رباني يضيء دنيا الإسلام , بعد ان حاول اعداءه طمس معالمه الجليلة. لا اعتقد اني وفيت وكفيت بهذه الكلمات لقامة شهيد من مدينتي , الكاظمية , لم يعرف له قبر بعد، ولكن أقول لك يا اخي صبحي ان اسمك محفور في عقلي وصدري وان جسدك الطاهر الذي سوف لن تمسه النار , هو محفوظ بين جوانح محبيك , و ما اكثرهم . نم قرير العين انت ومن استشهد معك وقبلك وبعدك , لقد فزتم ورب الكعبة .

دعوة الى اخي القاضي والكاتب المحترم منير حداد ان يدخل اخي صبحي عبد الرحيم علي واخيه ووالده , صاحب معرض احذية الشرق في كتابه والذي من المزمع إصداره حول شهداء العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here