المهمة شاقة لكنها نبيلة

مرتضى عبد الحميد
لامس الفرح من جديد قلوب العراقيين بعد أن ناصبهم العداء لفترة طويلة، وذلك بتحرير آخر معاقل دولة الخرافة الإسلامية في راوه العزيزة. وكان المشهد مؤثراً ومترعاً بالأمل، وهم يستمعون إلى الدكتور العبادي، يزف البشرى التي انتظروها طويلا بالخلاص من كابوس داعش والانتقال إلى مرحلة إعادة بناء وطنهم الذي خربه مخرجو مسرحية داعش والكورس المرافق لهم من الطائفيين والفاسدين.
وقد اتسعت صفحة الأمل بإعلان العبادي أن المعركة التالية ستكون مع الفاسدين، والعمل الجدّي لاجتثاث الفساد بكل أنواعه وتلاوينه، يرافقه إعلان آخر يمنع بموجبه فصائل الحشد الشعبي من الترشيح في الانتخابات القادمة استنادا إلى مواد صريحة في الدستور العراقي.
إنها نوايا طيبة وتوجهات سليمة، وشعور عالٍ بالمسؤولية، لا يخامر أحد الشك فيها. بيد أن المشكلة لا تمكن في إطلاقها أو التبشير بها، وإنما بتوفر قدر معقول من مستلزمات نجاحها، فهل تحقق شي من ذلك؟
إذا اعتمدنا العاطفة في الإجابة على هذا السؤال ستكون “نعم” هي الحاضرة، لكن العاطفة هنا غير كافية على الإطلاق، لان الفساد السياسي والمالي والإداري أضحى منذ زمن بعيد نسبياً، مؤسسة وطيدة الأركان، واستطاع التغلغل في اصغر مسامات الدولة والمجتمع. أما حيتانه فتحولوا إلى أباطرة يملكون المال والقوة والنفوذ السياسي، والتحكم بشبكة واسعة من الفاسدين الصغار، وبالعلاقات النفعية المتبادلة مع زملائهم ذوي الحجوم الكبيرة في السرقة ونهب المال العام، وهؤلاء جميعا يحتمون بكتل متنفذة، تدافع عنهم دفاع المستميت.
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على بعض الفصائل في الحشدين الشعبي والعشائري فهي تمتلك من وسائل الردع وفرض الأمر الواقع الشيء الكثير، فضلا عن امتداداتها الإقليمية.
وللخروج من عنق الزجاجة هذا لا بد للسيد العبادي من تفعيل أوراقه الرابحة واستخدامها ببراعة، تُفضي في المطاف الأخير إلى تنفيذ مشروعه المهم جداً، والهادف إلى إعادة بناء الدولة مؤسسياً. وفي مقدمة هذه الأوراق، الرصيد الجماهيري الكبير الذي يحظى به الان، بعد الانتصار العسكري الباهر على داعش ومشروعها التدميري، وبسط سلطة الدولة في المناطق المتنازع عليها، ونجاح الدبلوماسية العراقية التي قادها هو شخصياً في اقامة علاقات متوازنة مع المحيطين العربي والإقليمي على أساس المصالح المشتركة وحسن الجوار.
كما ان الخروج من دائرة الحزبية الضيقة وعباءتها المهلهلة إلى الفضاء الأرحب، الفضاء الوطني الديمقراطي، وبناء تحالفات وائتلافات عابرة للطائفية قولا وفعلا، وبعيداً عن الفكر الشوفيني الذي أصبحت سوقه رائجة هذه الأيام، بالإضافة إلى إشراك جميع الساعين إلى إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، يعتمد المواطنة والنزاهة والكفاءة و الوطنية في ادارة شؤون البلد، وانتشاله من الهاوية التي يسعى الفاسدون إلى جره عنوة إليها، هي شروط ومستلزمات للنجاح لا غنى عنها.
بهذا الطريق وبهذه الآليات لا غيرها، ستجد هذه الأهداف النبيلة والطموحة فرصتها التاريخية في التحقق على أرض الواقع، وستلقى التأييد الكامل من الغالبية العظمى للشعب العراقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 21/ 11/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here