الانتخابات البرلمانية.. موسم النسيان العراقي

الانتخابات البرلمانية.. موسم النسيان العراقي
سليم الحسني

مرة كل أربع سنوات تدخل الذاكرة الشعبية العراقية في سبات عميق، يبدأ قبل موسم الانتخابات البرلمانية بعدة أشهر، وينتهي في آخر ساعة من يوم التصويت عندما تغلق المراكز الانتخابية أبوابها.

في هذه الأشهر تزول من الذاكرة الشعبية ـ والكلام في العموم ـ معاناة السنين، وتجارب الفشل، والمليارات المنهوبة، والقتل والجوع والبطالة والكهرباء والخدمات.. تزول كل هذه الصور، في سرعة فائقة بمجرد ان يبدأ الموسم الانتخابي، فيخرج المحرومون والفقراء والمتضررون يهتفون بحياة سارقيهم، يتفننون في الهوسات والأهازيج بأجمل الكلمات واشد مظاهر الترحيب والإجلال.

يعرف المسؤولون أن الجمهور الذي يتعامل معه، سيضع ذاكرته في البيت ويخرج اليه مستقبلاً ومرحباً، ويعرف أكثر من ذلك أن هذا المواطن الفقير الذي كان يشتمه طوال السنوات الأربع، سينسى حزنه وغضبه ومعاناته، ويذهب بحماس ولهفة يصوت له مرة أخرى. ولأنه يعرف ذلك، فما الذي يمنعه من مواصلة سرقته ونهب ماله وحقوقه؟.

بالمقابل، يعرف هذا المواطن المنهوب المظلوم، المسؤولين الذين سرقوه وحرموه وأذلوه، يعرفهم بالأسماء والوجوه، ويتذكر جيداً انه كان يلعنهم ويشتمهم ويتظاهر ضدهم، لكنه في موسم الانتخابات، يغفر لهم كل ما بدر منهم، ويقتلع من رأسه ذاكرته المثقلة بالحزن والهموم، فيهتف بحياتهم، ويستقبلهم بلهفة العطشان الى ينبوع الماء، يعانقهم ويتذلل اليهم، وكأنه يريد أن يبرهن لهم أنه مستعد ليمنحهم فرصة أخرى من النهب والسرقة.

حين يغمس المواطن ـ والكلام في العموم ـ اصبعه في الحبر البنفسجي، يكون البرلمانيون قد عرفوا أن هذا المواطن قد وفّى بوعده، ومنحهم الأذن بسرقته.

هل يستطيع المثقف العراقي أن يبادر المبادرة الأخيرة في هذا الموسم الانتخابي، ليقول الكلام مباشراً صريحاً بشأن الأسماء والصور المعلقة على لوحات الإعلانات، على أمل أن يعيد الذاكرة الى المواطن في هذه الفترة الحرجة؟

هذا هو دور المثقف في هذه الأشهر، والخوف من المعتاشين الذين يجدون فرصتهم في تضليل البسطاء، وإدخال الذاكرة في فترة سبات.

لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:
https://telegram.me/saleemalhasani

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here