خصخصة قطاع الكهرباء ضرورة من ضرورات الكفاءة الاقتصادية في العراق

محمد رضا عباس
لست من انصار ” عدم تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي” , لان هناك أسباب إنسانية تدعو الى تدخل الدولة في إدارة الشأن الاقتصادي بعد ان فشل القطاع الخاص توفير الحاجات الإنسانية الى الطبقة العاملة والمستهلكين . على سبيل المثال , قوانين الدولة هي التي منعت المنتجين من ممارسة الاحتكار و تثبيت الأسعار والتي كلفت المستهلكين أموال طائلة , والدولة لها الفضل الكبير في تشريع القوانين التي تحمي الطبقة العاملة مثل الضمان الاجتماعي والتقاعد والتامين الصحي. والدولة هي التي حمت البيئة من سوء استعمال أصحاب المعامل للماء والأرض والفضاء. والدولة هي التي تحمي المستهلك من المنتجات التي لا تحمل المواصفات الصحية او التي لا تطابق المواصفات.
ولكن في بعض الأحيان , على الدولة ان تتخلى من بعض مشاريعها للقطاع الخاص حفظا للمال العام والكفاءة الاقتصادية. من عاش تجربة العراق “الاشتراكية” (وضعت كلمة اشتراكية بين هلالين للتأكيد من انه لم تكن هناك اشتراكية في العراق , وانما كان هناك نظام رأسمالية الدولة) سوف يتفق معي ان معظم مشاريع الدولة الصناعية كانت غير مربحة وقد كلفت الدولة المليارات من الدولارات سنويا وأصبحت مكانا للتخلص عن العاطلين عن العمل (كهوة عزاوي) , حسب المثل العراقي. ولهذا السبب , وبعد ان خرج العراق منهك من الحرب الإيرانية وتبخرت مليارات الدولارات التي كان يستلمها النظام في ذلك الوقت من بيع النفط , اضطر راس النظام الى بيع هذه المصانع الى القطاع الخاص ( بالحقيقة باعها الى الحبايب والاقارب, في بعض الأحيان سعرها كان لا يغطي كلفة أرض المشروع ). ان عملية تحويل المشاريع من يد القطاع العام (الدولة) الى القطاع الخاص , تسمى الخصخصة الاقتصادية. هذه العملية جرت في جميع دول العالم بغض النظر عن ايدولوجياتها. لقد حدثت في روسيا , بريطانيا , السعودية , مصر, العراق, الولايات المتحدة الامريكية , الجزائر , ودول أمريكا اللاتينية. الهدف من الخصخصة هو رفع الكفاءة الاقتصادية للمشاريع الاقتصادية المملوكة للدولة. بكلام اخر , عن طريق الخصخصة يمكن تحويل المشاريع الاقتصادية من مشاريع خاسرة الى مشاريع مربحة . من مشاريع باقية على موديل صناعي واحد الى موديل صناعي متنوع. من أسعار منتجات عالية ونوعية رديئة الى منتجات تقف بوجه الصناعات الأجنبية وبجودة عالية.
الكل يعلم في العراق , ان قطاع الكهرباء قد تخلف واصبح قطاع معطل للعملية الإنتاجية. بسبب الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي لم يقدر أصحاب الأموال العراقيين والأجانب من استثمار أموالهم. بسبب الانقطاعات الكهربائية أصبح أصحاب الفنادق والمطاعم والمعامل الصغيرة يعتمدون على المولدات الكهربائية الاهلية وفي بعض الأحيان الاعتماد على مولدات صغيرة خاصة. في العراق وبسبب الانفتاح على التجارة الخارجية الغير منظم , دخلت الى العراق أجهزة كهربائية متنوعة لا تجدها حتى في الدول المتحضرة , واصبح الطلب على الطاقة الكهربائية يتوسع من سنة الى أخرى بوتيرة اعلى من المعروض منها , واصبح المواطن العراقي وتحت الضغط اليومي والحالة الاقتصادية يستعمل كل الطرق المشروعة والغير مشروعة في الحصول على الطاقة الكهربائية الحكومية , وأصبحت في بعض مناطق العراق من الصعوبة حتى النظر الى السماء من كثافة تشابك الاسلاك الكهربائية الناقلة للطاقة الكهربائية , الكثير منها غير شرعية ( تجطيل).
انتاج الطاقة الكهربائية مكلف جدا وليس بإمكانية الدولة إدارة انتاجها , صيانة مكائن الطاقة , الخطوط , وتوفير طاقة التشغيل ( فحم حجري, نفط, طاقة نووية , غاز طبيعي, مياه , هواء) . واذا استطاعت الحكومة العراقية إدارة هذا القطاع لفترة طويلة , فان الاستمرار على ادارته في ظل تعاظم الطلب عليه سيكون من الصعب جدا . الدولة لها وظائف كثيرة , القطاع الكهربائي يجب ان لا يكون واحدا منها . هذا لا يعني ان تبتعد الدولة عنه , بل العكس , يجب ان يتحول هذا القطاع الى القطاع الأهلي مع المراقبة الحكومية الصارمة على انتاجه , تشغيله , أجور العمال والموظفين , وتسعيرة الوحدة الكهربائية . في الولايات المتحدة الامريكية , لا تستطع إدارة انتاج الطاقة الكهربائية برفع سعر الوحدة الكهربائية , الا بموافقة الحكومة المحلية , إضافة الى اختلاف تسعيرة الوحدة الكهربائية حسب المستوى الاقتصادي للمواطن .
لم تقوم الحكومة بخطيئة ضد احد او جريمة بحق مكون , عندما أعلنت عن خصخصة عملية جباية أجور الاستهلاك ,وصيانة الشبكات نقل الطاقة الكهربائية , بينما تركت عملية التشغيل والاستثمار تحت ادارتها . ان الغرض من هذه العملية هو تامين تمويل القطاع من خلال جمع أجور استهلاك الطاقة الكهربائية والصرف على صيانتها وبذلك تستطيع الدولة أولا من تامين جزء من كلفة توصيل الطاقة الكهربائية للمواطن , وثانيا, التحرك السريع لصيانة خطوط الطاقة والتي هي عرضة للتلف مع مرور الأيام. اكثر من ذلك , ان الخصخصة المحدودة لقطاع الكهرباء سوف يمنع من تجاوز بعض المواطنين على الطاقة , تقليل التبذير في استهلاكها , ومن ثم توفرها طيلة اليوم الواحد . يضاف الى ذلك , ان الحكومة قد وضعت قائمة بأسعار الوحدة الكهربائية حسب دخل المواطن واستهلاكه , وبذلك ضمنت الحكومة تدفق الطاقة الى جميع شرائح المجتمع العراقي بغض النظر عن مستواهم الاقتصادي. لا يحتاج الى التظاهر ضد هذا النظام ولا يحتاج اتهام جهات معينة بالفساد و سوء الإدارة , لان من يقود هذه التظاهرات اما انه غير عارف بأهمية عملية ” الخصخصة” او مدفوع سياسيا من اجل تسقيط جهات معينة او من اجل بقاء المواطن اسير تفضل أصحاب المولدات الاهلية عليه والتي أصبحت تشوه شوارع المدن. العالم يسير في هذا الاتجاه , الخصخصة , وان تخلف العراق عنها بعض الشيء , لأنها سوف تقضي على الروتين الحكومي , تكدس الموظفين في غرفة واحدة بدون عمل عدا الحديث بالسياسة , توزيع عادل للطاقة بأسعار معقولة , و عدم التأخر في الصيانة . اعتقد من الاحسن على من رفع لافتات الرفض في ذي قار والبصرة والديوانية و النجف البحث عن سبب أكثر معقولية وأكثر أهمية من موضوع الخصخصة. من له وقت كافي للتظاهر فليتظاهر من اجل دعم الحشد الشعبي، دعم الحكومة في توجهاتها ضد الانفصالين , دعم الحكومة بمحاربة الطامة الجديدة التي وقعت على راس العراق , المخدرات بكل أنواعها , تحسين الطرق العامة , توفير الماء الصالح للشرب, نظافة شوارع المدن , زراعة فسائل نخيل بعد ان اصبح اسم العراق في اخر قائمة المنتجين للتمور , والقائمة تطول , ولكن موضوع الخصخصة ليس واحد منها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here