موت المبدعين وجحود الأمم

بقلم : شاكر فريد حسن

قرأت الكثير عن مأساة المبدعين ، وجحود الأمم والشعوب والمؤسسات الثقافية والحكومات لمبدعيها وهم أحياء، وفي موتهم ، وعدم الاكتراث بهم ، وتركهم على فراش المرض ، فيموتون في الكثير من الأحيان بعيداً عن أوطانهم مكرهين ، مع أنهم الضمير الحي لها الذي لا يموت .

ومن المؤسف والمؤلم أن موت المبدعين لا يثير الشجن والأسى في مساحات الثقافة بما يتلاءم مع قيمتهم ومكانتهم الأدبية والابداعية .

ومن القصص والروايات المؤلمة ما كتبه ورواه الكاتب الروسي مكسيم غوركي عن عملاق القصة والرواية الواقعية والاشتراكية انطون تشيخوف ، الذي مات في المانيا حيث كان يتعالج من داء السل ، فنقل التابوت الذي يضم رفاته في عربة قطار كتب على بابها بحروف كبيرة ” لنقل القواقع البحرية ” ، ولم يتعد عدد المشاركين في جنازته مائة شخص .

والحدث الأكثر مأساوية هو موت شاعر المطر العراقي بدر شاكر السياب الذي مات وحيداً وغريباً في احد مستشفيات الكويت ، وكان صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي قد حمل جثمانه الى مدينته البصرة في يوم شتوي لم يتوقف فيه هطول الامطار ، وحين وصول الجثمان الى بيت السياب كانت المفاجأة انه لم يجد احداً من عائلته في البيت الذي طردت منه كونه يعود الى مدينة الموانىء في البصرة بعد فصل السياب من عمله فيها .

والمصيبة الكبرى عندما توقف نبض قلب الأديب والناقد والمثقف الدكتور احسان عباس ، صاحب ” غربة الراعي ” ، هذا الفلسطيني الذي ولد في قرية عين غزال المهجرة ، قضاء حيفا ، وكان ابرز المثقفين والأدباء والمبدعين الفلسطينيين ، ومات في الاردن بعيداً عن ديار وتراب فلسطين الذي ارتبط به روحياً ووطنياً ، تاركاً وراءه ارثاً أدبياً وثقافياً وكماً هائلاً من الكتب يربو على ٢٥ مؤلفاً ، فلم يشارك في جنازته سوى ٦٠ شخصاً .

كذلك برز الجحود بوضوح حين مات المخرج المسرحي الفلسطيني فرانسوا أبو سالم منتحراً في رام الله ، فلم يمش في موكبه الجنائزي سوى العشرات ، ومن قبله الشاعر الفلسطيني طه محمد علي الذي توفي وكانت جنازته ضئيلة ومتواضعة جداً بعكس جنازات الاثرياء وأصحاب المراكز والنفوذ في مجتمعنا .

ومثلهم أيضاً الشاعر والمفكر أحمد حسين ، فكانت المشاركة ليست بمستوى الفاجعة وقيمة أحمد الابداعية .

والسؤال الذي سيظل عالقاً في ذهني : الى متى سيبقى هذا الجحود بحق المبدعين ، وأن لا كرامة لنبي في وطنه ، ومتى سنعرف قيمة وأهمية المبدع والمثقف في مجتمعاتنا ..؟!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here