بين المالكي والعبادي ماصنع الفيلسوف

علي المؤمن
كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية القادمة في العام ٢٠١٨؛ يتزايد الحديث عن شخصية رئيس الوزراء العراقي الجديد. وبما أن توقعات مراكز الدراسات والدوائر الإقليمية والدولية المعنية تؤكد أن التنافس لايزال منحصراً داخل حزب الدعوة الإسلامية، وتحديداً بين نوري المالكي أمين عام حزب الدعوة وحيدر العبادي رئيس المكتب السياسي للحزب. ولذلك نجد أن معظم الكتل السياسية العراقية يراهن على الخلاف بين الرجلين؛ فيشهِّر بالأول ويشيد بالثاني أو العكس؛ متمنياً أن ينتهي الخلاف الى صراع انتخابي عميق وقصف إعلامي مميت بين محوري الحزب، يؤدي الى ضعفه وانهياره، وصعود كتلة سياسية جديدة لرئاسة الحكومة، أو مرشح تسوية غير حزبي؛ ليُغلق ملف إمساك “الدعوة” برئاسة الحكومة؛ بعد 13 عاماً على فتحه.
والحقيقة أن هذه المحاولات هي مجرد أمنيات لا أكثر، أو ترجيح لكفة داعية على آخر؛ لأن المالكي والعبادي وجهان لعملة حزب الدعوة؛ يتفقان في المبادئ والستراتيجيات، ويختلفان في السياسات والأداء وفي خيار المحوريات، وبينهما ماصنع محمد باقر الصدر وليس الحداد. و لاشك أن خلافاتهما حقيقية وليست تكتيكية؛ ولكنها ليست خلافات في الأهداف العليا والستراتيجيات الفكرية والسياسية. صحيح أن في نفس المالكي شيءٌ من العبادي، وفي نفس العبادي شيءٌ من المالكي، ولكنها أشياء لاتخرج عن دائرة تفكير الحزب.
لم ينقطع الرجلان يوماً عن الاجتماعات الدورية لقيادة الحزب، ولم يتخليا عن مهمة المحافطة على وجود الحزب في حركة الدولة، ولم يتخليا عن ستراتيجيات الدعوة وايديولوجيتها؛ ولكن لكل منهما أسلوبه في إدارة الدولة وطريقته في تدبير شؤون السياسة وخياراته في شكل العلاقات والتوقيتات، وهو ماينعكس أحياناً على تصريحاتهما وخطاباتهما التي يرى فيها المراقبون تعارضاً وخصاماً. وهو جزء من ثقافة التنوع النخبوي والديمقراطية الداخلية التي يتفرد بها حزب الدعوة عن باقي الأحزاب العراقية والشيعية، وأصبحت جزءاً من طقوسه بعد العام ١٩٧٩؛ إذ يختلف “الدعاة” كثيراً داخل مجالسهم الخاصة، وجزءٌ من هذه الخلافات إشكالات عميقة تطال أحياناً الأمين العام، وأخرى رئيس الوزراء، وثالثة أي فرد من القيادة أو مجلس الشورى، ورابعة الفكر وخامسة التاريخ. وهي الحالة التي أطلق عليها نوري المالكي في أحد مقالاته عبارة: (( قدرة حزب الدعوة المستمرة على المراجعة)). ومن يطلع على مجموعاتهم المغلقة الخاصة على وسائل التواصل (الوتساب مثلاً) التي يتواجد فيها الأمين العام ورئيس الوزراء وأعضاء القيادة ومجلس الشورى ونخبة “الدعاة”؛ سيُذهل من حجم حرية الرأي غير المألوفة، والمعارضة الشديدة من بعض الدعاة للأمين العام أو رئيس الوزراء أو أعضاء قيادة الحزب الآخرين؛ الى الحد الذي يدفع المراقب للتساؤل: ماذا لو كان جزءٌ من هذه المعارضة والآراء المخالفة يطرحها أعضاء الأحزاب والتيارات الأخرى ضد زعمائهم وقياداتهم ؟!. لا أشك أن ذلك سيؤدي الى فصل ثلاثة أرباع أعضاء هذه الأحزاب والتيارات.
معظم خصوم المالكي شمتوا به في العام ٢٠١٤ لأنه فقد منصب رئاسة الحكومة بعد أن أسس لمبدإ ((ماننطيها)) في العام ٢٠٠7، وقال في أحد تعليقاته: (( هو يقدر واحد ياخذها حتى ننطيها !؟)). ومن يفهم كيف يفكر المالكي وكيف يخطط حزب الدعوة؛ سيدرك أن المالكي يتحدث هنا عن الشيعة وحزب الدعوة وليس عن نفسه؛ لأن لحزب الدعوة همٌّ شيعي عميق؛ رغم أنه ليس حزباً طائفياً ( راجع كتابنا: صدمة التاريخ). وبالفعل فإن حزب الدعوة لم يفرط بمنصب رئاسة الوزراء في العامين ٢٠١٠ و ٢٠١٤، ولن يفرط بها في العامين 2018 و2022؛ برغم الأزمات العاصفة التي واجهت الحزب وتواجهه؛ إذ لايزال رئيس وزراء العراق قيادياً في الحزب الذي يتزعمه المالكي وعضواً في الائتلاف الذي يترأسه المالكي.
وككل قيادات حزب الدعوة؛ فإن حيدر العبادي يشارك نوري المالكي جزءاً من نجاحاته، ويتحمل مسؤولية جزءٍ من إخفاقاته؛ في دورتي رئاسة الحكومة (2006 – 2014)، والمالكي أيضاً شريك العبادي في إخفاقاته ونجاحاته خلال تسنمه منصب وزير الإتصالات في العام 2005، وخلال ترؤسه اللجان الإقتصادية والمالية في مجلس النواب لدورتين ( 2006 – 2014)؛ لأن قيادة حزب الدعوة تدار بالشورى، وأن القرارات الستراتيجية تتخذ في اجتماعات القيادة ومجلس الشورى، وهي قرارات تضامنية، وأن المالكي؛ بوصفه عضواً في قيادة حزب الدعوة؛ كان مسؤولاً عن ترشيح حيدر العبادي لوزارة الإتصالات وعن أدائه حينها، وأن حيدر العبادي مسؤولٌ عن ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء في الدورتين، وكان من أكبر المدافعين عن أدائه الحكومي وسياساته الإدارية والمالية والعسكرية؛ ولاسيما أنه كان يترأس اللجان الإقتصادية والمالية والإستثمارية في مجلس النواب خلال دورتي رئاسة المالكي للحكومة. كما كان العبادي أحد أهم من يردّ على خصوم المالكي الذين يتهموه بالإخفاق في بعض المجالات؛ بل كان الأكثر تشدداً في الإصرار على ترشيحه لرئاسة الحكومة للدورة الثالثة ( لاحظ: مقطع الفيديو المرفق).
ولذلك فإن رهان خصوم حزب الدعوة ينبغي أن يتجاوز مطلب إزاحة “الدعاة” عن رئاسة الحكومة وسياسة تكريس الخلاف بين المالكي والعبادي؛ الى رهان التحالف مع “الدعوة” وكسب أصوات الجمهور، وضمان وضع مريح في مجلس النواب والحكومة. وهو مضمون كلامي نفسه الذي كنت أكرره لكثير من قادة الأحزاب والكتل السياسية في العام 2006 خلال أزمة تشكيل الدكتور إبراهيم الجعفري حكومته الثانية. بل هو ماقلته في دراساتي الاستشرافية في العام ٢٠٠٦ واعلنته في قناة ANB اللبنانية، ثم في العام ٢٠١٠ واعلنته في قناة المنار اللبنانية، ثم في العام ٢٠١٤ ونشرته في الصحف والمواقع، وكررته في نهاية العام ٢٠١٦ على خلفية استبشار بعض الكتل السياسية بسقوط الحكومة ومجيء رئيس وزراء (مستقل ) من خارج حزب الدعوة.
وكان بعضهم يتهمني بتحبيط خصوم “الدعوة” وتثبيط عزيمة التنافس فيهم، وهو ما لا يخطر ببالي؛ بل كنت انطلق ـ أولاً ـ من الحرص على ساحتنا الشيعية والوطنية وتلاحم كتلها واستقرار أوضاعها، ومن موقع الباحث الخبير بتفكير حزب الدعوة وسلوكيات الدعاة السياسية (أصدرت ثلاثة كتب وعشرات الدراسات والمقالات حول حزب الدعوة؛ عدا عن الدعم العلمي لأكثر من عشر رسائل ماجستير ودكتوراه)، والإحاطة بتفاصيل الواقع العراقي والعوامل المحلية والإقليمية المؤثرة في صنعه، واعتمادي مناهج الدراسات المستقبلية الإستشرافية ( راجع: أربعة كتب أصدرتها في هذا المجال)، واخيراً: تعاوني مع مراكز دراسات تخصصية محايدة.
وأعتقد ـ من المنطلقات الآنفة نفسها ـ وليس من منطلق التأييد أو التنجيم والتنبؤ؛ أن حزب الدعوة سيبقى في رئاسة الحكومة العراقية حتى العام ٢٠٢٦ على أقل التقادير؛ أي أن جميع الكتل السياسية الشيعية الأخرى ستكون خارج المنافسة على رئاسة الحكومة المقبلة، وأن دورها سيكون ترجيحياً بين المتنافسين المرشحين من حزب الدعوة حصراً، وسيحصل الحزب على رئاسة الحكومة العراقية في العام 2018 بسهولة، وأن وضعه في مجلس النواب والحكومة سيكون أكثر ثقلاً بعدها؛ لأن خصوم “الدعوة” كانوا يُواجهون بجمهور المالكي فقط، واليوم بجمهور المالكي والعبادي معاً.
إن المنافسة على رئاسة الحكومة القادمة لن تتجاوز خمسة أشخاص؛ كلهم من قياديي حزب الدعوة وكوادره، وعلى النحو التالي:
1- نوري المالكي
2- مرشح من محور نوري المالكي
3- حيدر العبادي
4- مرشح من محور حيدر العبادي
5- مرشح تسوية
وسأنشر في كانون الثاني من العام القادم دراسة إستشرافية إحصائية عن توقعاتي لنتائج انتخابات العام ٢٠١٨، والتي أقوم بإعدادها بالتعاون مع ثلاثة مراكز دراسات ستراتيجية عراقية واقليمية، وفيها الكثير من التفاصيل؛ على غرار دراساتي في الأعوام ٢٠٠٦ و و٢٠١٠ و٢٠١٤، والتي جاءت نتائجها مقاربة بنسب معدلها ٨٥ بالمائة، وهي منشورة على الانترنت لمن أحب المراجعة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here