لماذا لا تحب الحكومات العربية الحشد الشعبي العراقي؟

محمد رضا عباس
جلب انتباهي خطاب رجل الدين الفلسطيني محمد الفلسطيني وهو يتوسل برجال الدين وقادة العرب بالتحرك لإنقاذ القدس , بعد ان اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ان القدس عاصمة للكيان الصهيوني . الشيخ محمد خاطب الشعوب العربية والإسلامية وقادة العرب ورجال الدين ولاسيما في الازهر الشريف و السعودية بما صنعته فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها السيد علي السيستاني بعد ان احتل تنظيم داعش مساحة شاسعة من العراق واصبح يهدد كربلاء والنجف الاشرف وبغداد. الشيخ ذكر المسلمين انه عندما شعر السيد السيستاني بخطر داعش على العراق اطلق فتوته الشهيرة , وفي الأيام التالية من الفتوة ,التحق ما يقارب ثلاثة ملايين مواطن الى جبهات القتال استجابة لتلك الفتوة . لقد قاتل الحشد والقوات المسلحة الأخرى بشراسة وأعطى عشرات الالاف من الشهداء والجرحى , وبذلك تخلص العراق من تنظيم داعش واصبح هذا التنظيم المتوحش لا يسيطر على قرية واحدة من العراق بعد ان كان يسيطر على ثلث مساحته .
الشيخ محمد عاتب علماء السوء من رجال الدين من العرب على ركضهم بأطلاق فتاوى الجهاد ضد الحكومة السورية واليمنية وتسببوا بقتل مئات الالاف من الشهداء و الملايين من النازحين , ولكنهم خرسوا تماما عندما قرر الرئيس الأمريكي بالحاق القدس الى إسرائيل , كعاصمة لها. لقد فسر الشيخ الفلسطيني سكوت أئمة السوء عن القدس , كونهم موظفين لحكوماتهم , وطالما وان حكوماتهم تخاف الامريكان , فيصبح من الطبيعي ان يسكت رجال الدين العرب خوفا على وظيفتهم , لان الناس على دين ملوكهم , وعندما تسكت الملوك تسكت حاشيتها أيضا. ثم تمنى الشيخ ان يكون للعرب وللمسلمين رجل دين واحد مثل علي السيستاني حتى يجنب العرب والمسلمين الاهانات اليومية التي يتعرض لها المسلمون والمسيحيون من قبل الصهاينة ومنذ عام 1948.
خطاب الشيخ محمد كشف سبب معارضة الحكومات العربية عند تشكيل قوات الحشد الشعبي العراقي , وبقيت تضغط على الحكومة العراقية مع كل تحرك للحشد نحو تحرير الأراضي العراقية متحججة بشتى الحجج , لان هذه الدول لا تريد ان يكون هذا الحشد نموذجا قابل للتطبيق في بقية الدول العربية والإسلامية من اجل تحرير الأراضي المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني . وان نجاح الحشد في دحر داعش , سوف يخلق ضغطا شعبيا على الحكومات العربية بتأسيس حشدا مشابها للحشد العراقي من اجل تحرير الأرض المغتصبة , وطالما وان الحكومات العربية لا تريد اغضاب أمريكا , فأنها عملت بكل قوة على تشويه سمعة الحشد الشعبي بين مواطنيهم وأصبحت ترميه بشتى أنواع التهم التي رفضها الشعب العراقي وحذر منها .
الحشد الشعبي اثبت للعالم اجمع ان تحقيق النصر ممكن اذا أصرت الشعوب على تحقيقه , خاصة اذا توفرت الدعم الضروري لها . الحشد الشعبي خرج من بيوت الفقراء ولكنه كان مدعوما روحيا من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف , وماديا و معنويا من قبل الحكومة العراقية ومن أبناء الشعب العراقي , فكان النصر المبين . النصر لم يكن سهلا , وانما سقطت دماء زكية كثرة , ولكن المحصلة النهائية هو تخلص العراق من شرور داعش وتخلص الأقليات الدينية والمذهبية من بطشه , وتحرر النساء من سلوكه المشين , وتخلص تراثنا الديني والمذهبي و التاريخي من التدمير. لقد اعار العراقيون جماجمهم ساعة واحدة للأمام السيستاني , ليحققوا من بعدها انتصارا مدويا سيخلده التاريخ الى الابد.
لم يبخل الفلسطينيون بدمائهم من اجل تحرير ارضهم ومن اجل القدس , فهم أعطوا مئات الالاف من الشهداء والجرحى منذ وعد بالفورد المشؤوم وحتى يومنا هذا , ولكن القضية الفلسطينية هي قضية من الحجم الكبير و لا تخص الفلسطينيين وحدهم وانما قضية إنسانية تحتاج الى قيادة موحدة , وان غياب ذلك الشخص الموحد هو الذي ابقى الكيان الصهيوني متغطرس بقوته و جبروته غير مكترث بشعور الاخرين و أرواحهم , سواء كانوا من الفلسطينيين او من غير الفلسطينيين . بالحقيقة ان تحرير الاراضي العراقية من سيطرة داعش اخرس أيضا جميع الافواه المتعاطفة معه سواء كانوا داخل العراق او خارجه. العراقيون اثبتوا للعالم خطر داعش على الإنسانية و عدوانيته تجاه الحجر والبشر , وبذلك اصبح لا احد من أنصاره يستطيع التسويق له علنا , وان أرادوا فسوف يرفضهم الاخرون . ولكن فشل العرب والمسلمين من دحر النظام الصهيوني في فلسطين المحتلة سمح لأذنابه التسويق له حتى داخل العالم العربي الإسلامي. وهكذا , اصبحنا نسمع محلل سياسي من السعودية يصف التظاهرات الشعبية في القدس ” بالغوغائية” وانها مخالفة للشرع . ومحلل عربي اخر يخرج من على شاشة تلفزيون عربي وبكل وقاحة يدعي ان الصهاينة لم يحتلوا فلسطين , لأنه.
لم تكن هناك دولة اسمها فلسطين من قبل , وان كل من يخالف تأسيس دولة إسرائيل , انما يخالف القران , الذي وعد الله اليهود بهذه الارض.
الوقاحة لهؤلاء الاعراب في تزوير التاريخ وجرأتهم على دماء الفلسطينيين , تجعل من كل عراقي شريف , اؤكد شريف , ان يشكر صاحب الفتوى الكفائية والمقاتلين بكل صنوفهم , والا سوف يخرج على العالم ” محلل ” يقول , ان ” الله ارسل داعش رحمة للعالمين “, وان بيع النساء في أسواق النخاسة ” مشيئة الله”, وان قتل من يخالف داعش في الراي والعقيدة ” حكم الله”, وتدمير المعالم الدينية والتاريخية من اجل ” توحيد الله”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here