بلفور وترامب وجهان لعملة رديئة واحدة

مرتضى عبد الحميد
تعتزم الإدارة الامريكية استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين في الاسبوع المقبل، ويعلق الامريكيون آمالهم على زيارة نائب الرئيس الامريكي مايك بنس الى المنطقة التي ستبدأ يوم غد الاربعاء في تحقيق هذا الهدف.
ومهّد لهذه الزيارة مسؤولان امريكيان رفضا الكشف عن هويتهما بالقول: انهم مستمرون في التركيز على عميلة السلام، ولكن من ناحية ثانية لايتصوران اي سيناريو لا يكون بموجبه حائط المبكى (البراق) الذي يقع في القدس الشرقية تابعاً لإسرائيل.
بهذه الازدواجية والوقاحة تريد امريكا، تلبية الحلم الصهيوني بالانفراد في مدينة القدس، وبقائها في ذات الوقت متحكمة بما يسمى بعملية السلام في الشرق الاوسط، وجوهرها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لقد تريث الرؤساء الامريكيون السابقون، كلنتون وبوش واوباما بنقل السفارة، واحجموا عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لان وضع المدينة يفترض ان يحدد كجزء من اتفاق السلام الفلسطيني الاسرائيلي الشامل، وادراكاً منهم بما سيثيره هذا القرار، المتخذ منذ عام 1995في الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون، من تداعيات كبيرة وخطيرة، وخصوصاً موقف الشعب الفلسطيني، ورفضه المطلق لهذا القرار الجائر، ودون ان يبخل بممارسة اي شكل نضالي في التصدي له بما في ذلك الانتفاضة الشعبية، التي قام بها مرات عديدة دفاعاً عن حقوقه المشروعة، والمصادرة من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
كما ان تنفيذه، سيثير عاصفة جديدة من العنف والارهاب، لان الارهابيين على اختلاف منطلقاتهم سيتخذون منه متكاً لفكرهم الظلامي المتطرف، وهي كلمة حق يراد بها باطل.
لكن ترامب الحريص على تقديم نفسه بصورة صانع الصفقات “الجريئة” لم ينس فضل اللوبي الصهيوني في ايصاله الى البيت الابيض، واراد ان يسجل التاريخ اسمه بمداد من الكراهية، والاعتداء على حق الشعوب في الحياة، وفي تقرير مصيرها بنفسها، تماماً كما فعل قبل مائة عام اللورد “بلفور” بوعده المخزي، بإقامة دولة اسرائيل في فلسطين، وتشريد شعبها، والسعي لاقتلاعه من جذوره.
في وقتها عبر احد السياسيين البارعين عن هذا الوعد الاجرامي بقوله “تبرع من لايملك لمن لايستحق” وهو ماينطبق ايضا، على اجراء “ترامب” الذي يعاني من الخرف مبكراً..
في البلدان العربية، الصورة مختلفة كلياً عما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة حيث هبّ الشعب الفلسطيني، بجميع اطيافه وفصائله، وبشطريه في الضفة وقطاع غزة، في انتفاضة بطولية جديدة، متسلحاً بشجاعته المعهودة وعدالة قضيته، مقدماً التضحيات الغالية التي بلغت لحد الان (11) شهيداً واكثر من ثلاثة الاف جريح، الامر الذي دفع حتى مجلس الامن الى عقد اجتماع طارئ، تسعى من خلاله اغلبية اعضائه، الى ابطال هذا القرار السيء رغم ماهو متوقع من الادارة الامريكية باستخدام “الفيتو” ضده.
ان هذا الموقف المعادي للعرب والمسلمين جميعاً، لم يكن المعتوه قادراً على اتخاذه، لولا تخاذل حكامهم والمتحكمين بمصائرهم، الذين يسعون بكل امكانياتهم الى امتصاص نقمة شعوبهم، على التفريط بفلسطين وبكل قضاياهم، وعلى اضطهادهم ومصادرة حقوقهم، وتغييب ارادتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 19/ 12/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here