السلام على حركة الاحتجاج السلمية في كردستان

جاسم الحلفي
للأزمة الداخلية في إقليم كردستان وجه اقتصادي اجتماعي واضح، لا يمكن اخفاؤه، اذ يشكل أحد اهم مفاعيل الازمة بل ويعد محركها الأساسي. ذلك انه يمس حياة ومعيشة المواطنين في الاقليم، الذين يعانون الأمرّين من اتساع نطاق الفساد الناجم عن السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي تبنتها الأحزاب المتنفذة وعكستها في برامج حكومة الاقليم. وهي لا تختلف من حيث الجوهر عن السياسة الاقتصادية الاجتماعية للحكومات الاتحادية منذ التغيير حتى اليوم، مع اختلاف طفيف في الشكل ولا يمس الجوهر. اذ ركزت على بناء المولات والمطاعم الفاخرة والمراكز الترفيهية والسياحية وواجهات الأسواق الباذخة، التي يؤمها زبائن متخمون من الطبقة المترفة التي تكونت ثروتها وتنامت بفضل قربها من المتنفذين وارتباطها بالسلطة.
الثراء والتخمة اللذان ينعم بهما المتنفذون وحاشياتهم والمنتفعون من التجار والمرابين، جاءا على حساب الطبقات محدودة الدخل التي تئن تحت وطأة العوز وضيق اليد، خاصة بعد توقف صرف الرواتب للعاملين في القطاع العام. والامر لا يختلف كثيرا بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، اما الكادحون الذي يؤمّنون قوتهم بشق الانفس يوما بيوم، فوضعهم أسوأ بكثير.
كل هذا الى جانب انعكاس الخلافات العميقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، ونتائج الاستفتاء وتداعياته التي زادت من حدة الازمة، والخلافات السياسية بين الاحزاب الكردستانية، والانشقاقات المعلنة والاستقطابات غير المعلنة داخل كل حزب، والتوترات الداخلية .. هذا كله وغيره شدد التوتر وعمق الرفض وصعد من وتيرة المطالبة بايجاد حلول آنية للأزمة، وبالاخص ما يتعلق منها بالمعيشة والذي انعكس بشكل خطير على الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.
وقد تصاعد الغضب وتبلور في انطلاق حركة الاحتجاج، بعد عدم استماع حكومة الاقليم الى اصوات المعلمين المحتجين وانذارتهم المتعددة، وعدم تعاطيها مع مطلبهم العادل بصرف رواتبهم التي لا يملكون غيرها وسيلة لتدبير امور معيشتهم. هكذا انطلقت حركة احتجاج عامة لم تحصر مطالبها بالخدمات الاساسية وصرف الرواتب، بل وارتفعت الاصوات عاليا ضد الفساد المستشري، وبلغت حد الدعوة الى اسقاط حكومة الاقليم! واضافت بهذا بعدا جديدا الى المطالب المعلنة.
لكن المؤسف هو ما رافق حركة الاحتجاج من اعمال عنف غير مبررة، حيث تم احراق عدد من المؤسسات الحكومية ومقرات الاحزاب الكردستانية. وقابل ذلك استخدام مفرط للعنف اسفر عن استشهاد خمسة متظاهرين وجرح 80 آخرين. فيما تم ايقاف بث فضائية ان ار تي بقسميها الكردي والعربي، واعتقال عدد من الاعلاميين والناشطين المدنيين.
التظاهر هو احد الحقوق المتعلقة بحرية التعبير، وواجب القوات الامنية هو حماية المتظاهرين وعدم التعرض لهم. اما العنف والعنف المقابل فغير مجديين، ويعقدان الاوضاع اكثر، وان المطلوب هو التمسك بسلمية التظاهر.
نعم، والحل ليس في استخدام الذخيرة الحية، بل في صيانة الحريات وضمان حق ممارستها بالطرق السلمية، وانتهاج طريق الاصلاح السياسي والاقتصادي، والتصدي للفساد وفتح ملفات المفسدين ومحاكمتهم وارجاع الاموال العامة التي نهبوها من خزينة الدولة، ومعالجة التفاوت الكبير في توزيع الدخل، والاهتمام بالوضع المعيشي للفقراء والكادحين والمهمشين ومحدودي الدخل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here