الأوضاع القائمة بمحافظة نينوى وتلكؤ معالجتها والعوامل الكامنة وراء ذلك! (3-6) معاناة النساء والأطفال النفسية والاجتماعية

كاظم حبيب

الأوضاع القائمة بمحافظة نينوى وتلكؤ معالجتها والعوامل الكامنة وراء ذلك!
3-6
معاناة النساء والأطفال النفسية والاجتماعية

تحت تصرف الكاتب مجموعة كبيرة من التقارير الواقعية حول أوضاع النساء العراقيات المرير اللواتي أجبرن على النزوح من الموصل وباقي مدن وقرى وأرياف محافظة نينوى والتي تشير إلى الواقع التالي:
** أعداد غفيرة من النازحات والنازحين يعانون من مشكلات صحية وأوضاع نفسية معقدة، وبشكل خاص بين النساء والأطفال، وهم يشكلون الغالبية العظمى من النازحين، إذ يشكل الأطفال والصبية والشباب نسبة كبيرة من عدد النازحين والذين حرموا من التعليم والدراسة وحتى العمل، وعاشوا البطالة والتسرب من التعليم والتشرد. ففي تقرير أنجزته الدكتورة نهلة النداوي، يعبر عن مصداقية كبيرة لاعتماده على تقارير دولية ودراسات مهمة، إذ جاء بهذا الصدد ما يلي: “حسب التقرير الأخير الرقم 49 – الذي نشر أثناء إنجاز هذه الورقة – إنّ عدد النازحين قد تجاوز ثلاثة ملايين نسمة. وتؤكد التقارير المنشورة من أكثر من جهة، إن عدد النساء النازحات أكثر من نصف عدد السكان النازحين، أي بنسبة 51%، حيث تكشف متابعة عينية- الفئات العمرية للنساء النازحات حتى شباط 2015 – أنّ: (37% منهن تتراوح أعمارهن بين (1 – 15 سنة) تليها (34 %) تتراوحن أعمارهن بين (25 – 59) سنة، تليها (21 %) بين (15 – 24 سنة)، فيما يلاحظ انخفاض نسبة النساء في عمر 60 سنة، إذ شكّلن نسبة 8%، علماً بأنّ معدّل الأعمار في العراق 70 عاماً. وممّا يلفت النظر إلى أنّ النساء الكبيرات السن قد يكن قد فضّلنَ البقاء في مناطق الصراع. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الأخبار عن هذه الفئة العمرية تغيّب كثيراً في كل الأبحاث. مثلما تجدر الإشارة إلى أنّ ارتفاع معدّل الفئات الشابة من النازحات قد قلّل فرص التعليم للبنات” (أنظر: نهلة النداوي، دكتورة، أوضاع النساء العراقيات في مناطق سيطرة تنظيم داعش، موقع الشرق الأوسط الديمقراطي، بتاريخ 20/01/2017).
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن عدداً كبيراً من النساء بالموصل قد جرى اغتصابهن وقتلهن على أيدي عصابات داعش. (أنظر: المصدر السابق نفسه). إضافة إلى تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق النساء الإيزيديات واللواتي زاد عددهن عن عدة ألاف امرأة إيزيدية جرى اختطافهن واغتصابهن وبيعهن في سوق النخاسة الإسلامي!!! وعلينا أن نشير هنا إلى أن عصابات داعش الإسلامية كانت تقوم باغتصاب البنات القاصرات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9 – 15) سنة، على اعتبار إن الإسلام يبيح ذلك شرعاً! ومن الضروري أن نشير هنا إلى التوافق بين فقه داعش السني وفق الشيعي الداعشيين، إذ أنهما يبيحان زواج البنات القاصرات ابتداءً من عمر 9 سنوات. ولكن الفقه الشيعي يبيح أبشع من هذا حين يرد لدى روح الله الخميني في كتابه الموسوم “تحرير الوسيلة”، المسألة 12، ص 241، ما يلي:
“لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شئ غير الإثم على الأقوى، وإن أفضاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا لكن على الأحوط، في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها.”، فهل هناك أكثر فحشاً وعدوانية واغتصاباً بحق طفولة البنات من هذه الفتوى الجائرة. هذا الفحش هو بالضبط ما يدعو له حزب الفضيلة ورئيسه الشيخ محمد اليعقوبي ونوابه في مجلس النواب العراقي وبقية الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية أيضاً!!!، مع العلم إن الفقه السني يوافق أيضاً على زواج القاصرات من عمر 9 سنوات، وهي الكارثة التي تواجه العائلات التي توافق على اغتصاب بناتهن بهذا العمر من رجال من مختلف الأعمار!!
** كما يعاني الكثير من الأطفال والصبية النازحين من علل نفسية ومن مرض الكآبة وكوابيس الحرب والإرهاب والقتل والعنف المرعبة التي تعرضوا لها طيلة الفترة المنصرمة وصعوبة النوم ليلاً، إضافة إلى الحرمان من التعليم في جميع مراحله والتغذية السيئة. وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) حول التعليم بالعراق جاء فيه “إن المدير الإقليمي لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا گيرت كابيليري قال .. يعاني أطفال العراق من فترات صراع طال أمدها، ومن دون فرص متساوية في الحصول على التعليم الجيد، يصبح الأطفال عرضةً للخطر، ونحن نتحدث عن ضياع جيل كامل من الأطفال. وحيث يفتقر 3,5 مليون طفل عراقي في سن الدراسة إلى التعليم، مما يعني أنهم يصبحون أكثر عرضةً لعمالة الأطفال والمالية من قبل الجماعات المسلحة وذلك بسبب الإهمال الحكومي والسياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومات العراقية.” (أنظر: اليونيسيف: أكثر من 3.5 مليون طفل عراقي يفتقرون للتعليم، موقع بغداد بوست في 23 أيار/مايس)2017.
يضاف إلى ذلك احتمال كبير بالتحاق بعضهم بجماعات الجريمة المنظمة كالسرقة والنهب والقتل وما إلى ذلك، بسبب حالة الفقر والتشرد وتعاطي المخدرات. وأضاف “كابيليري أن الاستثمار في التعليم يفي بحق أساسي من حقوق الإنسان لكل بنت وولد، وضروري لتنمية وتقدم البلاد وهو أفضل دواء ممكن ضد التطرف” (أنظر: المصدر السابق نفسه). وهناك تقرير حديث عن اليونيسيف يشير إلى الواقع التالي: “أن هناك 4.9 مليون طفل عراقي مهدد اليوم بسبب النزاعات والجوع؛ 1.49 مليون منهم دون سن الخامسة. وتقول منظمة الهجرة الدولية إن 55 في المائة من النازحين من الموصل أطفال. ومن القضايا التي تهدد مستقبل العراق – بل المنطقة – عدم حصول مئات الآلاف من أطفال العراق على التعليم؛ وحتى من يحصل على التعليم، فهو في غالب الأحيان بمستوى رديء. هؤلاء هم أطباء ومعلمو ومهندسو العراق مستقبلاً… فماذا يحل بالبلاد من دونهم؟” (أنظر: مينا العريبي، شدة المأساة على أطفال الموصل، جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 4/تموز/يوليو 2017). وبحسب تقرير للأمم المتحدة بعنوان «تكلفة التعليم»، “فإن العراق الدولة التي تخصص أقل نسبة من الإنفاق العام على التعليم؛ إذ مثّل الإنفاق العام على التعليم بين عامي 2015 و2016 (5.7) في المائة فقط من مجموع الإنفاق الحكومي. ومن المثير أن نصف الأطفال في مخيمات النازحين لا يحصلون على أي تعليم رسمي. ” (المصدر السابق نفسه).
** كما إن مئات الآلاف من الأطفال يعانون من نقص الغذاء ويعانون من سوء التغذية، ومن أزمة صحية ونفسية. ويذكر التقرير عن الأطفال في زمن الحرب بالعراق إلى الواقع التالي: “في تقرير لليونيسف صدر في يونيو/حزيران 2016، ورد تحذير بأن العراق “من أخطر الأماكن في العالم على الأطفال”، إذ يوجد 3.6 مليون طفل في خطر الموت والإصابة والعنف الجنسي والاستغلال.” (أنظر: التقرير العالمي 2016. موقع مرصد حقوق الإنسان. أخذ المقتطف بتاريخ 24/07/2017). ثم يضيف التقرير إلى حالة الأطفال بالفلوجة فيذكر: “في مارس/آذار 2016 وقت أن كانت الفلوجة تحت سيطرة داعش، قال مصدر طبي بمستشفى الفلوجة العام إن الأطفال الجائعين يتجمعون في المستشفى المحلي، إذ لم يعد هناك أي طعام متوفر وأصبح الأهالي يأكلون الخبز المصنوع من البذور التي يجمعونها من الأرض والحساء المصنوع من العشب” (المصدر السابق نفسه). وعلى القارئ والقارئة أن يربطا بين الجوع والوضع الصحي من جهة، والوضع النفسي والعصبي للطفل العراقي الذي لم يمر باجتياح واحتلال داعش فحسب، بل وما مرّ به خلال ثلاثين عاماً بأكثر من حرب ودمار وموت وجوع وحرمان، ومنها تلك السنوات العجاف التي عاشها الأطفال في فترة الحصار الدولي الكامل على العراق بين 1991 و2003.
** ولا بد من عمل الكثير لاحتضان النساء اللواتي تعرضن للإرهاب والسبي والاغتصاب منذ الاجتياح حتى استعادتهم بطرق شتى وانقاذ جمهرة كبيرة منهن حتى الآن وتوفير العلاج الطبي النفسي لهن وإدماجهن بالمجتمع. فعلى سبيل المثال لا الحصر يشير تقرير للأمم المتحدة إلى النساء الإيزيديات اللواتي أمكن انقاذهن من براثن داعش ما يلي:
“العديد من النساء والفتيات الإيزيديات اللائي هربن من داعش ونزحن إلى إقليم كردستان العراق يفتقرن لخدمات الصحة النفسية والخدمات النفسية-الاجتماعية الكافية. رغم توفير بعض الخدمات للنساء اللائي أصبحن حوامل أثناء أسرهن، فإن خدمات الإجهاض الآمن والقانوني غير متوفرة. يسمح القانون العراقي بالإجهاض فقط في حال الضرورة الطبية، مثل أن يمثل الحمل تهديدا لحياة الأم، لكن ليس في حالات الاغتصاب.” (أنظر: التقرير العالمي 2016. المصدر السابق نفسه. موقع شبكة خلك الإعلامية، بتاريخ 02/08/2016).
** وتشير المعطيات المتوفرة إلى تزايد عدد الأرامل من النساء اللواتي فقدن أزواجهن لأسباب كثيرة بما فيها الحروب والاستبداد والعمليات الإرهابية. فقد جاء في تصريح للسيد عبد الزهرة الهنداوي بشأن الأرامل والأيتام من الأطفال ما يلي: “أعلنت وزارة التخطيط العراقية، ان عدد الارامل والايتام في العراق بلغ اكثر من مليون واربعمئة الف يتيما وارملة، مشيرة إلى أن الاحصائية أعدت بالتعاون مع البنك الدولي.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في حديث صحافي لوكالة المدى، إن عدد الاطفال الأيتام الذين تم تسجيلهم لغاية عمر 17 عاما بلغ 600 الف ماعدا محافظتي الأنبار ونينوى، فيما بلغ أعداد الأرامل 850 الف ارملة ولا يشمل المحافظتين المذكورتين آنفا. وتابع الهنداوي أن ملف الأرامل واليتامى من الملفات المتحركة بمعنى انه قابل للزيادة والنقصان، مبينا أن هذه الأعداد تمثل ناقوس خطر فيما أذا أضيفت محافظتا الأنبار ونينوى فأن أعداد الأرامل واليتامى قد يصل إلى أكثر من مليون أرملة.” (أنظر: ارتفاع عدد المطلقات والأرامل والأيتام في العراق، موقع شبكة خلك الإعلامية، 20/08/2017).

وكذلك عدد النساء المطلقات سنوياً. وهذه الإشكالية تقترن بالفقر من جهة، وبالتوترات النفسية والعصبية التي تعاني منها العائلة وانعكاساتها على العلاقة بين الزوجين وإزاء الأطفال في فترة الحرب والصراعات السياسية والطائفية من جهة ثانية. ويشير القضاء العراقي إلى حصول 700000 حالة طلاق في الفترة 2004-2014، أي بمعدل سنوي قدره 70 ألف حالة طلاق. وفي العام 2016 سجلت 53182 حالة طلاق، وهي أعلى نسبة منذ العام 2012، إذ بلغت 59500 حالة طلاق في فترة حكم المالكي في العام 2011. (أنظر: ازدياد نسب الطلاق في العراق بسبب الفقر، تقرير/ موقع يقين للأنباء. 14 تموز/يوليو 2017).
ويشير تقرير نشر في موقع “شبكة خلك الإعلامية” إلى تصرح القاضي عبد الستار بيرقدار حول أسباب تفاقم حالات الطلاق قوله: “أن أبرز اسباب تصاعد حالات الطلاق هي التغييرات الحادة التي تعصف بالمجتمع العراقي خلال السنوات الاخيرة ومنها الأزمات المالية والحروب وعجز الرجال عن توفير احتياجات العائلة أو عدم اعتماد الزواج على مقاييس صحيحة مثل التقارب في العمر أو الثقافة والمستوى الاجتماعي او زواج الشباب الصغار الذين يحصلون على الأموال عن طريق العمل مع الجماعات المسلحة او العصابات ثم ينقطع المورد عنهم أو بسبب اعتقال الأزواج في السجون لمختلف الأسباب أو تعدد الزوجات دون علم الزوجة وغيرها.” (أنظر: تقرير: ارتفاع عدد المطلقات والأرامل والأيتام في العراق، موقع خلك الإعلامي مصدر سابق).
ليست هذه الأوضاع التي نشأت بالعراق من صنع الله الذي يؤمن به حكام العراق الجدد، بل هو من صنعهم بشكل مباشر، وهم المسؤولون عنه ويجب محاسبتهم، إذ لولا سياساتهم الطائفية الممعنة بالحقد والكراهية والتمييز الديني والمذهبي، والفكري والسياسي والفساد السائد لما حصل ما هو قائم حالياً بالعراق ولما انتهى إليه وضع النساء العراقيات ووضع الأطفال. إن النظام السياسي الذي تسبب بكل ذلك، وتلك الأحزاب الإسلامية السياسية التي قادت “العملية السياسية!” بالعراق حتى الآن، لا يمكن أن تكون المنقذ للعراق من هذه الأوضاع المزرية والجرائم التي ارتكبت بحق النساء والأطفال وعموم المجتمع العراقي ومعاقبة المتسببين بها.
انتهت الحلقة الثالثة وتليها الحلقة الرابعة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here