ارحموا الحيوانات البرية , فبدونها يختفي التوازن والجمال

محمد رضا عباس
معدل دخل المواطن السنوي ليس مؤشرا لدرجة تقدم وتحضر المواطن او بلده. هناك دول , معدل دخل المواطن فيها يزيد من معدل دخل المواطن في سويسرا او اليابان او المانيا او إنكلترا او فرنسا او أمريكا , ولكن مع هذا فان هذا البلد لا يعد ان يكون متقدما او متحضرا , لان تقدم وتحضر الأمم له قواعده وشروطه , و منها هو كيفية تعامل البلد وابناءه مع الحيوانات الاليفة والبرية. الدول المتحضرة تصرف على رعاية الحيوانات الاليفة المنزلية (سمك الزينة , الطيور , الكلاب , والقطط) مليارات الدولارات سنويا . حتى أكون دقيقا , فان مصاريف السنة الماضية على الحيوانات الاليفة يساوي ضعف ميزانية العراق السنوية والتي لا يزال النواب يتقاتلون عليها هذه الأيام . يكفي القول , انه لا توجد قرية لا يزيد نفوسها عن خمسة الاف مواطن تخلو من مستوصف للحيوانات المنزلية في الولايات المتحدة الامريكية .
اما الحيوانات البرية والتي تستخدم لحومها للاستهلاك البشري , فهناك قواعد صارمة لاصطيادها , منها هو عدد أيام الصيد , موعده , مناطق الصيد المسموح فيها , عدد الحيوانات المصطادة , ونوع السلاح المستخدم لصيد الحيوان , وفوق كل ذلك يجب ان يحمل الصياد إجازة صيد . اما بالنسبة للحيوانات البرية الخطرة مثل الدببة بكل أنواعها , النمور , الاسود الجبلية , الذئاب , والحصن البرية ,فالتعامل معها من قبل المسافرين على الطرق السريعة وسكان المدن التي تعيش حولها تلك الحيوانات في منتهى التحضر و الإنسانية عند وقوعها في مازق لا تستطع وحدها الخروج منه مثل:
كان أحد المزارعين في ولاية يوتا الامريكية في طريقه الى بيته. هذا المزارع لاحظ نمر في حفرة وقد احكمت على أحد ارجه مصيدة حديدية معدة لصيد حيوانات الفرو. كان الحيوان تعبا , جائعا , متألما جدا من اثر المصيدة الحديدية . هذا المزارع لم يسحب مسدسه للقضاء عليه , وانما اتصل بدائرة رعاية الحيوان في مدينته , وبمساعدة احد افرادها تم اطلاق سراح هذا الحيوان الجميل من المصيدة واندفع راكضا نحو الغابة القريبة منه.
يكثر الدب الأسود في مدينة اشفيل من نورث كارولينا الامريكية. هذا الحيوان الرائع على الرغم من خطره , الا انه دائم التجوال بين بيوت اهل هذه المدينة , حتى اصبح شبه عقد بينه وبين اهل المدينة ان لا تتقرب مني لا اقترب منك . في حالة اعتداء احد الدببة على بيت او ظهوره في وسط شوارع المدينة يقوم شرطة المدينة بتخديره , ونقله الى داخل الغابات المحيطة بالمدينة . الحيوان لا يقتل وانما يتعامل معه بكل عطف , حتى ان اهل المدينة يقولون ان هذه الدببة لها الحق ان تتجول بين بيوتنا لأنها بالأصل هي ارضهم و نحن اخذنها منهم .
مثال ثالث، في مدينتي التي أعيش فيها دخل غزالين من فصيلة الذيل الأبيض الى دائرة البصمات التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية. هذه الدائرة مسلحة حتى اذنيها بالأسلحة المختلفة. لم يطلق احد العاملين النار على هاذين الحيوانين واللذان خرقا قوانين المكتب (عدم السماح لغير أعضاءه بدخوله) , وانما اتصلوا بدائرة رعاية الحيوانات في المدينة , وبمساعدة هذا الشخص , تحررت الدائرة الفدرالية المرعبة للجميع من هذين الدخيلين .
رابعا , عندما دخل ضبع الى احد مستشفيات الأطفال في الديوانية , قتلوه ( لا اعرف هل القاتل من القوات الأمنية , حراس المستشفى النائمين , او احد أبناء العشائر والذين اصبحوا يرعبون الشارع العراقي و يدخلون في حروب شبه يومية , حتى بسبب خسارة فريق رياضي) . على كل حال , كان باستطاعة القائمين على المستشفى التخلص من هذا الحيوان بدون قتله , ولكن الروح الانتقامية كانت حاضرة وصعود الدماء الى الدماغ كانتا السبب في اطلق النار على هذا الحيوان البري , ليست بطلقة واحده ولا اثنين ولا ثلاث ولا عشرة طلقات . الخبر قال بعد رميه بعشرين اطلاقة نارية!
لا نعتب على المسؤولين في محافظة الديوانية , خاصة وان دم البشر في العراق اصبح ينزف لأتفه الأسباب , وهو مؤشر خطير على تدهور ثقافة احترام القانون والروح البشرية . ولكن اريد ان اذكر ان الله قد خلق الكون ووضع له قاعدة التوازن. بمعنى , وحسب قراءتي للأخبار هناك خنازير برية تجوب المحافظة وأصبحت تشكل خطرا على أرواح اهل القرى الموجودة في المحافظة . ان حماية حيوان الضبع بدون شك سوف يحد من عدد الخنازير السائبة وتقلل خطرها على سكان القرى. هذا الاجراء هو الذي قاد المسؤولين في كاليفورنيا و ارزونا الأميركتين بأطلاق برنامج حماية الذئاب وذلك من اجل خلق نوع من التوازن في غابات تلك الولايتين بعد ان تكاثرت اعداد قطعان الغزلان و اصبحت تهدد المزروعات والتربة في الغابات المجاورة.
مع كل الأسف , اصبح قتل الحيوانات البرية والنادرة منها عادة يتباهى بها الصيادين في العراق , وكأنهم يقتلون عدوا لهم او قاتلا من قتلة الحسين بن علي . قبل اشهر قتل مواطن من اهل الناصرية حيوان برمائي نادر , وقبلها قتل شخص اخر تمساح صغير في احد انهر الجنوب . يا ناس , هذه الحيوانات ثروة وطنية يجب ان لا نقضي عليها , لان القضاء عليها يصبح العالم موحش وغير ممتع . يا ناس من غير المعقول ان يستطيع رجال عشائر غابات افريقيا التعايش مع الحيوانات المفترسة , وهم لا يقرئون ولا يكتبون , وأبناء اكد وسومر لا يطيقون العيش وبجوارهم حيوانات برية جميلة ورائعة ويمكن صداقتها اذا استطاعوا ان يفتحوا قلوبهم لها .
وأخيرا , اترككم مع هذا الخبر الذي قراءته في جريدة الوال ستريت جرنال الامريكية , ذات الانتشار الواسع, ان احد قادة الولايات الهندية أراد القضاء على السراق (الحرامية) في مدينته . فجمعهم واخبرهم بدلا من السرقة والتعرض الى عقوبات السجن وسوء السمعة , اذهبوا واصطادوا الثعابين المتوفرة في مزارع الرز في المدينة وان حكومة الولاية مستعدة بشراء هذه الثعابين بدولارين للواحدة منها . وفعلا , بدء السراق بتغيير مهنتهم من سرقة بيوت الناس الى صيادين للثعابين , ونجحوا كثيرا باصطياد نسبة كبيرة من هذه الثعابين من مزارع الرز. ما هي النتيجة؟ بسبب تناقص عدد الثعابين , تكاثره جرذان الرز , وهي حيوانات تعيش على هذا المادة , وبدء مزارعو الرز بالخسارة بسبب انتشار هذا الجرذي . كثرت طلبات المزارعين بوقف برنامج صيد الثعابين من اجل انقاذ الرز من فم الجرذان ورجع التوازن الطبيعي الى ما كان عليه سابقا في مزارع الرز . هذه هي رسالتي الى قادة الديوانية , ولا ادري سيقرئون هذه الرسالة , لانهم مشغولين هذه الأيام جدا ليس بخطط تطوير واعمار المدينة , وانما بحل معضلة كبيرة جدا اسمها ” تقاسم وظائف المحافظة الكبيرة فيما بينهم ” .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here