يجب وضع نهاية لتسلط الرأسمال التجاري على الاقتصاد الايراني

موقع راه توده الايراني
ترجمة عادل حبه
هيمنت سياسة التجارة الحرة منذ عقود على العالم، وراحت تدمر تدريجياً جميع دول العالم، وتحولت إلى عامل لنمو ظاهرة التطرف والتمييز العنصري والنزعة اليمينية والحرب في أرجاء العالم. ووصل الأمر إلى حد بحيث أن أكبر اقتصاديات العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تتحمل استمرار الأعباء الناشئة من الاقتصاد الحر. فالولايات المتحدة تعاني الآن من عجز في الميزان التجاري مع المكسيك يبلغ 50 مليار دولار، وتشير آخر الاحصائيات أن هذا العجز أدى إلى أن تبلغ الديون مبلغ 40 ألف مليار دولار. كما إن النهب الذي تعرضت له اليونان أدى إلى أن تبلغ الديون على هذا البلد مقدار 240 مليار دولار، وإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي والأزمة الاقتصادية في اسبانيا وما يتصل بها من الاستفتاء في كاتالونيا، والوضع الوخيم في البرتغال وايطاليا، وغلق أبواب المصانع وانتقال الرأسمال إلى الخارج، وتصاعد مظاهر التمييز العنصري والكراهية للأجانب في أوربا جراء البطالة والضغوط الاقتصادية وازدياد مظاهر الاستياء بين شعوب القارة الأوربية و… كل ذلك ما هو إلاّ جزء من نتائج التجارة الحرة في أوربا والولايات المتحدة على سبيل الحصر.
وفي بلدان أخرى نظير ايران، فإن الأوضاع أشد تدهوراً. إن نموذج التجارة الحرة في إيران القائم على مبدأ يقول أن الواردات من شأنها أن تثير المنافسة وتؤدي إلى توسيع حجم الصادرات، قد أدى إلى الإفلاس والفقر.فقد انهارت الصناعة الايرانية جراء ذلك وشحت المواد الخام والمنتوجات الزراعية التي يحتاجها المواطن جراء الصادرات. وأدى الاقتصاد التجاري القائم على الواردات والصادرات إلى تدمير الريف جراء توجه الزراعة صوب الصادرات دون النظر إلى احتياجات الشعب، وإلى ارتفاع حجم البطالة وزيادة سكان الأطراف الهامشية للمدن بمقدار 11 مليون نسمة. وحسب الاحصائيات الرسمية، يعاني 30% من السكان في البلاد من الفقر، ولا يستطيع جزء من الشعب أن يدفع حتى فاتورة الخبز، فالحنطة والفاكهة والمواد الغذائية تصدر بأشكال مختلفة إلى خارج البلاد كي يحصل التجار على الأرباح، ثم يستوردون بهذا الأرباح البضائع من الخارج. وفي الوقت الذي لم تعد تتحمل حتى دول كالولايات المتحدة عبأ التجارة الحرة، إلاّ أن التجار الإيرانيين من مستوردين ومصدرين يعزفون على وتر التجارة الحرة. واغتنم هؤلاء فرصتهم الذهبية في عهد احمدي نجاد وفي ظل الحصار الاقتصادي الذي فرض على إيران. فالحصار والمقاطعة الاقتصادية أفرزت فئة اجتماعية قوية أطلق عليها صفة “كسبة المقاطعة”، تماماً مثل تجار الحروب، التي تمسك الآن بزمام الأمور في الغرفة التجارية الايرانية وسلسلة من مؤسسات القطاع الخاص المعارض للحكومة الحالية. وهي الفئة الاجتماعية التي سيطرت على موارد النفط من خلال الالتفاف على المقاطعة الاقتصادية. ووجهت السياسة الريعية النقدية لأحمدي نجاد هي الأخرى ضربة ثانية إلى الحكومة وأجبرتها على تكريس واردات الدولة صوب الانفاق بدلاً من توظيف الرساميل وتوجيهها صوب قطاع البناء. ونتيجة لذلك ارتهنت الحكومة والدولة للموارد الناتجة من الصادرات غير النفطية والمواد الخام بشكل أكثر من السابق.
واليوم أصبح واضحاً للجميع بأنه دون تقليص دور التجار والمصدرين والمستوردين في اقتصاد البلاد، فلا يمكن من الناحية العملية الحديث عن التطور الاقتصادي والخروج من دائرة الانحطاط الراهن. إن هذه التجربة التاريخية التي عاشها الشعب الايراني خلال العقود الأخيرة وشاهدوا دور التجار في التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وأدركوا تجاهل المادة 44 من القانون الأساسي التي تنص على ضرورة تأميم التجارة الخارجية. وعلى غرار ما جرى عندما لم يتم تطبيق المواد الخاصة في الدستور حول حماية الحريات و المواد المتعلقة بالصحة المجانية والتعليم المجاني ، فقد جرى وضع مادة تأميم التجارة الخارجية هي الأخرى على الهامش. ولهذا السبب تم اعتقال وتصفية قادة حزب توده ايران بسبب دفاعه عن هذه المواد المدرجة في القانون الأساسي. وبرز عندها الدور البارز لـ “عسكر أولادي” في تلك الهجمة البوليسية على حزب توده إيران باعتباره من أبرزالمدافعين عن التجار في الجمهورية الاسلامية، بحيث أنه لجأ إلى المخابرات البريطانية من أجل فبركة الملفات وحظر نشاط حزب توده إيران، خاصة بسبب تأكيد الحزب على أهمية تأميم التجارة الخارجية وما يلحقه تطبيقه بالتجار الطفيليين والمصدرينوالمستوردين.
ولكن وفي ظل حكومة رئيس الوزراء مير حسين موسوي، جرى احتواء الرأسمال التجاري وسعيه لخنق المواطن وذلك عبرتشكيل ” مراكز توزيع البضائع “من ناحية، ومن ناحية أخرى تشكيل التعاونيات في المحلات مما قلص من سيطرة الرأسمال التجاري على الصادرات والواردات. وكانت لهذه السياسة نتائج إيجابية إلى حد ما رغم ظروف الحرب وعدم وجود ميزانية للدولة. ولكن لم يجر الاستمرار بهذه السياسة بعد تخلي موسوي عن الحكومة. ومن الملاحظ أنه كلما يطالب البعض بالعودة إلى نهج موسوي المار ذكره، يهرع إلى الميدان المدافعون عن الرأسمال التجاري من أمثال عسكر أولادي وتجري الاستعانة بعلماء قم مهددين بأن العودة إلى نهج موسوي سيلحق الخراب باقتصاد البلاد. وعلى هذا الطريق أعلن موسى غني نجاد رئيس الغرفة التجارية الإيرانية أن الاقتصاد الذي يعتمده مير موسوي يتعارض مع “الحرية والكرامة الانسانية”.
وفي الظروف الراهنة حيث تتراكم المشاكل وفي ظل تكرس الطابع المؤسساتي للرأسمال التجاري في رحم الاقتصاد الإيراني، فإن الحل الوحيد لتحرير البلاد من الرأسمال التجاري وفئة المستوردين والمصدرين هو تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على شرح أبعاد واقع الاقتصاد الذي نشأ جراء هيمنة الرأسمال التجاري على اقتصاد البلاد، و معالجة النتائج عبر تعبئة المجتمع بحيث لا يستطيع السيد خامنئي معارضته ولا بيت المرشد ولا قادة الحرس الثوري التجار الذين يتحملوا المسؤولية عن الفساد والاسئثار بالسلطة والفوضى وانعدام الاستقرار. وهكذا فبدون وضع القيود على التجارة الحرة وتأميم التجارة الخارجية وتقليص صلاحيات المصدرين والمستوردين، فإن الشعب واقتصاد البلاد سوف لن يتحررا من جور هذه الفئة الاجتماعية مما يدفع بالبلاد إلى جادة الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here