شناشيل : ولماذا لا يُلحد شباب العراق؟

عدنان حسين

[email protected]

 

على نحو صحيح تماماً ربط ممثل المرجعية الشيعية العليا وخطيبها، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، بين انتشار ظاهرة الإلحاد وسط الشباب العراقي و”الفشل في الأداء الحكومي”.
ليس الإلحاد بالظاهرة الجديدة في العالم .. هي قائمة منذ ظهور الأديان وتتطور بمستوىً طبيعي وقد تبقى إلى الأبد، لكنّ الملاحظ أنها تفشّت في العراق بوتيرة سريعة للغاية في السنوات العشر الأخيرة، ولا يضاهيها في ذلك غير ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي اجتاحت العراق في الحقبة نفسها كما تجتاح النار حقلاً يابساً في عزّ الصيف.
الواقع أنّ ثمة ربطاً بين الظاهرتين .. كان الكثير من العراقيين يظنّون أنّ قوى الإسلام السياسي التي تولّت السلطة في البلاد منذ 2003 ستحقّق لهم ما ظلّوا يَصْبَون إليه طويلاً: الحدّ من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والأمن، فراحوا يصوّتون لمرشّحي هذه القوى في الانتخابات العامة والمحلية، بيدَ أنّ الذي حصل هو خلاف المُرتجى والمأمول.
بالنسبة للغالبية من العراقيين الآن، يتبدّى ممثّلو قوى الإسلام السياسي المتنفّذون في أجهزة الدولة في صورة عصابة من اللصوص الذين لا يشغلهم شيء غير السرقة والمزيد من السرقة للمال العام، بل تشمل عمليات السرقة هذه أموالاً وممتلكاتٍ خاصة أيضاً.
هذه المجموعة من السرّاق لم تسرق وتسكت، بل هي تواصل إظهار تمسّكها الزائف بالدين وشعائره والعمل على شرعنة سرقاتها دينيّاً ومذهبيّاً، وقانونيّاً كذلك عبر مجلس النواب ومجالس المحافظات .. والنتيجة المنطقية لذلك أن يكفر الناس بالدين والمذهب،لتهشمّ صورة القدوة، وبخاصة الشباب الذين يطحنهم الفقر والبطالة والتهميش فيما هم الفئة الأكثر وعياً في المجتمع الآن بفضل تكنولوجيا المعرفة والتواصل الاجتماعي فائقة التطوّر والتقدّم.
الشيخ الكربلائي قال لمجموعة من الشباب من وسط وجنوب العراق التقاهم قبل يومين: “هناك فشل في الأداء الحكومي ويجب أن نقرّ ونعترف بهذا الفشل، ويجب التصحيح وإيجاد مواضع الإخفاق والخطأ”، ورأى أنّ “من نتائج الأخطاء الماضية الانحراف الحاصل بين الشباب في موضوع الإلحاد وعملية انتشاره، بسبب الانحرافات والتأثيرات والتدهور الثقافي والاقتصادي في البلد”، مشيراً إلى أنّ “المرجعية تطالب بالتدقيق في تجربة الانتخابات وما هي أوجه الفشل في هذه الممارسة الديمقراطية”.
في الجملة الأخيرة يضع ممثل المرجعية الإصبع على الجرح .. العملية السياسية القائمة بشكلها الحالي هي مصدر كلّ الشرور. والعملية السياسية هي نظام المحاصصة الحزبية غير الدستوري والنظام الانتخابي غير العادل وغير النزيه .. نظام المحاصصة والنظام الانتخابي هما ما مكّنا اللصوص من حكم البلاد باسم الدين والمذهب.
المدخل لإعادة الشرور التي يواجهها مجتمعنا إلى صندوق باندورا الذي انطلقت منه، يكون ليس فقط بالقبض على اللصوص وتقديمهم إلى العدالة واستعادة ما سرقوه، إنما أيضاً بإغلاق الباب التي دخل منه اللصوص إلى البيت، وهذا يكون بإعادة النظر جذريّاً في العملية السياسية، خصوصاً لجهة نبذ نظام المحاصصة الحزبية وإلغائه، وتشريع قانون للانتخابات غير القانون الحالي.. قانون يضمن النزاهة والعدل والشفافية، وتشكيل مفوضية للانتخابات لا تشبه المفوضية الحالية ولا سابقاتها.. مفوضية مستقلّة بحق. كلّ هذا لضمان ألّا يبقى اللصوص في السلطة وألّا يعودوا إليها إذا ما أُخرِجوا منها.
بخلاف هذا، كلّ كلام في الموضوع يكون خارج نطاق التغطية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here