المواطن بضاعة تجار السياسية

غزوان البلداوي

التجارة هي العمل المناط بأصحاب رؤوس الأموال، لأنها المعاملة الوحيدة التي تدخلهم في معاملات ربحية وكسبية، يستحصلون من خلالها الأموال لزيادة ثرواتهم وتوسعت تجاراتهم، تتفاوت وتختلف انواع التجارات بين دولة واُخرى، لأنها تزدهر في دولة وتنحسر في اخرى، وحسب متطلبات وحاجة البلد، وأكثر تجارة ازدهرت في العراق هي التجارة بالمواطن والمبادئ والقيم، التي شعارها الوطنية المحشاة بالكذب والنفاق والتدليس، مع انها تختلف عن جميع التجارات، لأن المصلحة الشخصية والحزبية تغلب على مصلحة البلد وحاجة المواطن.

فلا نستغرب عندما نرى رئيس الحكومة السابق (نوري المالكي) وهو يحاول التقرب من الأكراد، وبالخصوص (مسعود البارزاني)، الذي كان بالأمس هو المادة الدسمة التي يتناولها إعلام (حزب الدعوة) المتمثل بـ(قناة آفاق الفضائية)، وهي من أولى القنوات التي تسب وتشتم الأكراد ليل نهار، ومنذ الوهلة الأولى لسقوط الموصل، واتهامهم بالتآمر مع ال النجيفي على الحكومة، واتهامهم بدعم الارهاب, ووصفهم باليد الخفية واراء سقوط الموصل وما لحقها، وأستمر ذلك الاعلام بتلك السياسة حتى فترة ما بعد الإستفتاء الكردي، حيث انها لم تدخر أي عبارة سباب وشتائم الا ووجهتها لهم، ولن تترك أي من عبارات وكلمات الاتهام بالعمالة والخيانة وغيرها الا ونعتت بها البرزاني بالخصوص والأكراد بالعموم.

الْيَوْمَ اختلف الأمور وتغيرت الموازين وانحرفت مسارات السياسة المالكية، فمن كان عدو الامس أصبح حليف الْيَوْمَ، فتقارب المالكي للأكراد ولـ (مسعود بارزاني) ومطالبة الاول بحقوق الأخير، واتهام الحكومة بالتقصير والإجحاف بحق الكرد، إنما يدل عن عقد صفقة جديدة، لا تختلف كثيراً عن صفقة مؤتمر أربيل في ٢٠١0، المؤتمر الذي منح الحكومة الثانية للمالكي، مع انه لا يزال الشعب العراقيين يجهل ما تم الاتفاق عليه الى يومنا هَذَا، ولَم يطلع على ماهية وتفاصيل الاتفاق المبرم بين الأطراف المؤتمرة كـ (دولة القانون والحزبين الكرديين والاحزاب السنية والتيار الصدري والفضيلة وغيرها من الاحزاب).

المالكي مستعد للمقايضة وبأي ثمن، في سبيل الحصول على الولاية الثالثة، ولا يبدي اهتماماً لما ستؤول اليه النتائج، فالاثنان يبحثان عن مصالحهما الشخصية والحزبية، فالمالكي يبحث عن المنصب الذي يمكنه من استعادة مكانته السياسية التي أضاعها، للحصول على القوة التي تمكنه من أخذ الثأر، مِنْ مَن خذله واختار العبادي, ليصب جام غضبه على اللذين وقفوا بوجهه، وجعلوا من الولاية الثالثة أمراً مستحيلاً يصعب مناله، فهو مستعد لدفع اَي شيء في سبيل الإطاحة بما يسمى بـ (الفريق القوي المنسجم).

البارزاني على نفس الاستعداد الذي ابداه المالكي، فهو أيضاً يريد إعادة مكانته السياسية التي سلبه أيها خصومه السياسيين، ولا يبدي اَي اهتمام لمصالح الأكراد، فالأمر الأهم هو عودته كما كان في السابق، الرجل الواحد وصاحب القرار الفردي وزعيم الحزب الحاكِم، لكن المصالحة بين العبادي والمالكي، وتعهد الاخير للأول بالولاية الثانية هل سينسف ما اتفق عليه البارزاني والمالكي؟ ام سيكون الاول حليف الاثنين المرتقب؟.

سيطلع الشعب العراقي على نتائج بازار الانتخابات القادمة، ليشاهد خصوم السياسة وهم يقفون في المزاد السياسي، الذي سيعقد في كواليس ودهاليز السياسية، وسيعرف من هو صاحب الحظوة والأكبر صفقة، والأكثر تنازلات، ليخرج بعدها ليعتلي المنصة ليتحدث بالقيم والمبادئ النبيلة، ويجعل من الوطنية شعار كاذباً يملأه النفاق، لغرض كسب ود الجمهور الذي ما يزال معتقداً بأن المالكي هو القائد الضرورة، وهو الرجل الاوحد الذي بإمكانه ان يقود العراق، بعدما ضيع البلاد وذبح العباد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here