الكورد بين وحدتين … حقيقة مُرة

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
14/1/2018

الوحدة هي الكلمة التي تسعى اليها المجتمعات قديماً و حديثاً لأهميتها ، و هي رمز القوة و دليل نبذ الخلافات و الصراعات و تفضيل العيش في جماعة بعيداً عن الحقد و الكراهية و الانانية المقيتة التي لا تجلب سوى الذل و الهزيمة و قد دعا اليها الاديان و المشاهير …
الشعب الكوردي الذي بات لقمة سائغة و سهلة للدول الاقليمية و المصالح الدولية ، لأنه يفتقد هذه السمة (الوحدة) لأسباب ذاتية و موضوعية ، فالذاتية مثلاً الحقد و الكراهية تجاه البعض ، و الانجرار وراء المصالح الشخصية الضيقة ، و اما الموضوعية – كما قلنا مصالح الدول تقف حائلاً دون الوحدة و اذا ما تحققت لفترات فأنها لا تعني استمرارها , على الرغم من كونها مطلباً شعبياً و ينادى به الجميع كل على شاكلته و لكنها مجرد كلمات تخفي وراءها الحقد الدفين و تجارب الماضي المرير .
لكي لا نذهب بعيداً ، فلم تبقى للانتخابات العراقية سوى اشهر قليلة و بدأت أشكال القوائم تظهر في الأفق و المنافسة تشتد كلما اقتربنا من يوم الاقتراع , الواقع يشير الى ان الكورد سيشاركون بعدة قوائم مختلفة تحت مسميات عديدة جمعت الواحدة منها التوجه العلماني و الاسلامي و المعتدل و القومي و رغم النداءات المتكررة بضرورة الوحدة الكوردستانية في العراق الاتحادي ، و يعلم الجميع علم اليقين بأن القوة في الوحدة و لكنها بات شعاراً رمزية و شكل لنقل الخلافات الداخلية الى بغداد ، و هذه هي حقيقة مرة يتحسر عليها القاصي و الداني من الشعب الكوردستاني ، لكن يبدو أن قرار القادة و الرؤساء لا يهتم باراء وطموحات الشارع الكوردستاني ، و يبقى للشعب بصيص أمل بأن تتوحد هذه القوائم في قائمة واحدة بعد الانتخابات لتشكل كتلة تستطيع نبذ الخلافات و تحقق الانجازات او على اقل التقديرات ان تدافع و تحمي حقوق الشعب الكوردستاني ، و بأعتقادنا المتواضع ، فأن ذلك لأمر صعب لأن الجدران تتصدع و تتمزق والخلافات تشتد في الحملة الانتخابية بالاضافة الى ان الجبهة المقابلة تعرف جيداً استغلال نقاط الضعف و ان قوتها في تمزيق الوحدة الكوردستانية و من بينهم من يقرع الطبول في هذا الاتجاه فالتفرقة و التمزيق حقيقة مرة .
اما الحقيقة الاخرى المرة ايضاً على الشعب الكوردستاني هي وحدة العراق فطالما كان يحلم بتحقيق دولته و تقرير مصيره إلا ان محاولاته المستمرة تصدم بجدار الوحدة العراقية الذي بات خطاً احمراً لا يمكن المساس به و حتى ما تم تهديده او تعرضه للخطر فأن المجتمع الدولي و خاصة امريكا و الغرب يتسارعون لحمايته و ضرب هذا التهديد بالحديد و النار ، و ان الدعوات و المشاريع المطروحة للتقسيم لا تخرج من اطار الاراء الشخصية و المصالح الفردية و لم تر النور الى الان ، و ان القيادة السياسية الكوردستانية في العقود الماضية كانت تعرف جيداً هذه الحقيقة لذا فأن مطاليبها لم تكن تصطدم بهذه الوحدة و كانت تقتصر اللامركزية او الحكم الذاتي للكورد و الديمقراطية للعراق ، و متى ما تعرض العراق للتقسيم ، فأن الدول العظمى تلهث وراء الحفاظ عليها ، فمثلاً ان بيان (11 اذار 1970) لم تشكل تهديداً لوحدة العراق و لكن عندما شعرت هذه الدول بخطورة الموقف سارعت الى توقيع اتفاقية الجزائر المشؤومة التي اعتبرتها في حينها اتفاقية حاسمة للحفاظ على وحدة العراق و قراراً جريئاً ، كما و ان انسحاب قوات التحالف و على راسها امريكا عام 1991 من العراق بعدما وصلت قريبةً من بغداد و قيام الانتفاضة الشعبية في الجنوب و كوردستان ،لإطلاق يد الحكومة العراقية للقضاء عليها دليل على ان المساس بوحدة العراق يعد امراً صعباً ، و ان بناء المنطقة الامنة للشعب الكوردستاني بقرار اممي بعد الهجرة المليونية لم تخرج من اطار قضية انسانية ولم تعتبر القضية سياسية لكي لا تشكل خطراً على سيادة العراق و وحدتها ، و اخيراً فأن إقدام الشعب الكوردستاني على اجراء الاستفتاء الشعبي في (25/9/2017) رغم الدعوات المتكررة من هذه الدول و خاصة بريطانيا و امريكا و الامم المتحدة و الاتفاق على تنسيق سري فيما بينهم بمباركة اطراف داخلية يأتي في السياق ذاته .
فالشعب الكوردستاني بات حيراناً بين وحدته المطلوبة المفقودة و وحدة العراق التي لم تجلب له إلا الويلات و الدمار و زرع روح الخلاف و التامر فيما بينهم و كلتاهما حقيقتان مرتان مرارة الحنظل و فقدان الاعزاء .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here