اختفاء رياض الأطفال الحكومية لصالح الأهلية العاملة دون رقابة

 قسم التحقيقات عدسة: محمود رؤوف

في معظم دول العالم، تُعد رياض الأطفال جزءاً من نظام التربية والتعليم المبكر، إذ تتراوح أعمار الأطفال عادةً بين (3-6) أعوام وتكون خدماتها مجانية، مع الأخذ بالحسبان الكثافة السكانية للأحياء والتي بموجبها يتم افتتاح تلك الرياض. لكن الأمر في العراق يختلف، إذ باتت رياض الأطفال الحكومية تُعد على أصابع اليــد وشبه منقرضة، ناهيك عن الإهمال الذي طال مفاصلها التعليمية، لذا لجأت اغلب العوائل وبشكل خاص الموظفين، الى تسجيل أولادهم في الرياض الأهلية. 

حتى انتهاء الدوام الرسمي

ظاهرة رياض الأطفال الأهلية اتسعت في عموم البلاد لشح الحكومية منها في ظل التسهيلات المقدّمة من قبل الجهات التربوية المختصة بهذا الشأن، فضلاً عن عدم وجود أية معوقات يمكنها أن تقف بوجه هذا المشروع المربح الى حدٍ كبير، بحسب وصف عدد من المتخصصين في الشأن التربوي، إذ باتت الغاية الربحية هي الصفة السائدة، في حين تمّ الابتعاد عن المنفعة التربوية والعلمية التي يمكنها أن تسهم في خلق جيل يستطيع لفظ الحروف الأبجدية بشكل صحيح قبل دخولهم المدارس في أقل تقدير.

الموظفة الحكومية زينب صالح، متزوجة من موظف أيضاً، ما حتّم عليهما تسجيل ابنيهما في روضة أهلية يستمر الدوام بها حتى ساعة انتهاء الدوام الرسمي، وتقول زينب التي تسكن منطقة بغداد الجديدة، لم أجد روضة حكومية في المنطقة سوى واحدة لم تعد صالحة، فضلاً عن انتهاء الدوام فيها في الساعة الواحدة في أبعد وقت. مستطردة: لذا لم يكن أمامي سوى اللجوء الى الأهلية، وهنا أيضاً ثمّة عقبة، إذ يحتم بقاء الدوام في الروضة حتى الساعة الثالثة عصراً تزامناً مع انتهاء الدوام الرسمي للدوائر. مستدركة: لكن هنا أيضاً ثمة مشكلة أخرى، إذ علينا دفع أجور ساعة إضافية حتى موعد وصولنا الى الروضة، وهذا يعني مصاريف مضافة.

أما الموظفة مياسة نوري، لديها طفلان، أحدهما في الحضانة، والآخر في الروضة، أوضحت لـ(المدى): لم يكن امامي سوى الروضة الأهلية في ظل غياب الحكومية، والتي ممكن أن تبقى حتى ساعات انتهاء الدوام الرسمي. منوهة الى غياب الحضانات في دوائر الدولة، مثلما كان معمولاً به سابقاً، وكما موجود الآن في بعض الدوائر بخاصة العائدة الى مجلس الوزراء، اذ يتم توفير حضانات لأطفال الموظفات في تلك الدوائر وهي بادرة مهمة لرفع التكاليف عن الموظف. مؤكدة على أهمية شمول كل دوائر الدولة بهذه الخاصية.

أجور مرتفعة ومشاركات إجبارية

الشكوى من رياض الأطفال الأهلية كثيرة ومتعددة، وبشكل خاص الأجور المرتفعة والتي تتراوح بين 100 الى 300 ألف دينار، حسب وقت الدوام والمكان، وما تقدمه من خدمات وميزات. أيسر شاكر موظف يسكن البلديات بيّن لـ(المدى) أن أجور رياض الأطفال الأهلية مرتفعة وباتت تشكل عبئاً آخر يُضاف الى الأعباء المالية والالتزامات الأخرى كأجور الكهرباء والإيجار وبقية مستلزمات المعيشة. وبشأن رياض الأطفال الحكومية: للأسف لا وجود لهذه الرياض في مناطقنا، وإن وجدت فهي غير كفيلة بتقديم العناية اللازمة للأطفال. مشيراً: الى اللا مبالاة لبعض المربيات من الكوادر التعليمية لهذه الرياض، منوّهاً: الى أعمار المربيات والمعلمات الكبيرة، الأمر الذي يجعل الكثير منهن غير قادرات على متابعة الأطفال بشكل مستمر.

آلاء فيصل، موظفة حكومية تدفع (100) ألف دينار لابنها الصغير البالغ من العمر (4) سنوات وأجور نقل (30) ألف دينار، إضافة الى الكلينكس وشراء كتب ومناهج تعليمية خاصة بالروضة وبسعر 25 ألف دينار. وأحياناً تدفع مُجبرة مبلغاً محدداً إلى إدارة الروضة لقاء مشاركة طفلها في مناسبات وحفلات الروضة التي تفرض فرضاً على أسرة الطفل وشراء ملابس معينة لمناسبة ما، إضافة إلى أن ادارة الروضة ترسل لها قصاصة صغيرة تبلغها بالطلبات الأسبوعية!!

فيما قالت والدة الطفلة نور علي: في إحدى رياض الأطفال الأهلية، إنها قد خُدِعت بعد أن أوهمتها إدارة الروضة، بأن الأجور الشهرية للطفل الواحد (75) ألف دينار فقط، وبما أن لديها طفلين، عليها أن تدفع (150) ألف دينار شهرياً. مضيفة: إلا أنها اكتشفت بأنها تدفع قرابة (300) ألف دينار لقاء مشاركة طفليها في مناسبات وحفلات الروضة التي تُفرض فرضاً على أسرة الطفل مع بعض الحاجيات التي يُفترض بالروضة توفيرها.

أما خالد ثامر، والد طفل يبلغ من العمر ثلاثة أعوام، اضطر الى إلغاء تسجيله في إحدى الروضات الأهلية بسبب كثرة الأطفال، ذاكراً لـ(المدى) حسب الإعلان الترويجي للروضة عبر صفحة خاصة في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، أقدمت على تسجيل طفلي نظراً للميزات التي ذُكرت في الإعلان، لكن بعد اسبوع عاد مريضاً، ما أن شفي وعاود الذهاب الى الروضة، حتّى أُصيب بوعكة صحية أخرى. معللاً: سبب ذلك الى كثرة الأطفال والاختلاط الذي يصيبهم بالعدوى، فضلا عن غياب الرعاية الصحية. داعياً: وزارة التربية الى تشديد الرقابة على هذا القطاع المهم المرتبط بسلامة وأمن الأطفال الذين يفترض أن يتمتعوا بالعناية والاهتمام.

الحل الأمثل عاملة أجنبية

سوسن محمد، موظفة في شركة اتصالات تقول لـ(المدى) اضطررت الى الاستعانة بعاملة أجنبية من اجل الاعتناء بطفلي والبيت، بسبب ظروف عملي وعدم توفر دور حضانة مناسبة تلتزم بوقت مناسب لعودتي للبيت. مضيفة: معظم دور الحضانة تعيد الأطفال الساعة الثانية أو الثالثة، وعملي يستمر حتى الساعة الرابعة، ناهيك عن الزحام والتأخر في الوصول الى المنزل.

وأضافت محمد: أن الكثير من مباني الحضانات غير مناسبة وغير مؤهلة وتفتقر للتهوية الجيدة المناسبة، إضافة الى العدد الكبير للأطفال في بعضهن. مشيرة: الى أن البعض من المربّيات في هذه الحضانات إذا كانت الحكومية أو الأهلية غير مؤهلات للاهتمام والاعتناء بالأطفال. مشددة: على أنها تخوفت على طفلها من خلال سماعها بعض القصص عن تعامل المربيات مع الأطفال بشكل عنيف، وإرغامهم على تناول المهدئات أو مزجها مع الشراب والطعام.

وبيّنت الموظفة، أن هذه الرياض باتت تجارية اكثر من كونها تعليمية تحرص على تنشئة الاطفال وتأهيلهم لدخول المدارس الابتدائية. لافتةً الى: أن الكثير منها يخالف شروط التأسيس، لكن بسبب الظرف الحالي لا تُتخذ أية إجراءات أو عقوبات رادعة بحق المخالفين، ناهيك عن العلاقات الشخصية بين أصحاب هذه الرياض والجهات المانحة لإجازات العمل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here