مهزلة يوم الأحد

مهزلة يوم الأحد
سليم الحسني

إنشغل الشارع العراقي خلال الأيام الماضية بالحدث الأغرب في العملية السياسية، حين تم الإعلان عن تحالف نصر العراق بتجمع كبير من الكيانات والأشخاص، ثم انفرط بعد ساعات من إعلانه، وكانت التبريرات واهية غير مقنعة، بل أنها تشكل ادانة لهم، لأنها كشفت أنهم يتحالفون ويختلفون، ويقررون ثم يتراجعون من دون رؤية واضحة للخطوة الواحدة.

اتفاق الساعات القليلة، يعكس عقلية القادة الذين يتولون أمر العملية السياسية، ويتحكمون بأصوات الناخب العراقي. فهم يتحالفون تحت دافع المزاج وانفعال اللحظة، وبنفس هذين العاملين يبتعدون عن بعضهم، وهذا يعني أن الاتفاقات لا قيمة لها ولا ضامن لبقائها.

عندما تطول المفاوضات في كل شأن من شؤون الدولة، فالسبب وراء ذلك، هذا التحول المستمر في المواقف من اليمين الى اليسار، من القبول الى الرفض، من الصداقة الى العداء.

والأهم من ذلك، ان ما حدث يوم الأحد ١٤ كانون الثاني أو لنقل مهزلة الأحد، يكشف أيضاً ان قادة العملية السياسية وبعد عقد ونصف من التجربة الحكومية مع بعضهم البعض، لا يعرف أحدهم الأخر، ولم يقرأ تفكيره ومنهجه ومواقفه. وذلك يعود الى أن كل طرف منهم لا يملك الرؤية ولا المنهجية ولا الموقف المدروس.

وفضحت مهزلة الأحد، أن تواقيع القادة، تتم بالماء فسرعان ما تتبخر، وأن الكلمة هي حروف مفككة، تتطاير في أي لحظة، ولا يمكن التعامل معها على أنها التزام ومسؤولية.

كانت مهزلة الأحد هي التكثيف الأكثر واقعية لتجربة عقد ونصف من العملية السياسية، فتلك الساعات القليلة تختصر ما حدث طوال هذه السنوات، بكل ما حملته من تردي الخدمات وسرقات وفساد وتدهور أمني وضياع المحافظات وعشرات الآلاف من الشهداء لاستعادتها، وملايين النازحين، وغير ذلك من مآسٍ مروعة عاشها الشعب يوماً بيوم، ووضع في كل يوم قدراً كبيراً من الحزن والتعب والمرض والفقر والجوع في بيته وصدره وعلى وجوه أطفاله.

شعارات كبيرة، تخرج من أفواه شرهة لا تشبع من قوت المواطن الفقير، ووعود ضخمة تطلقها عقول صغيرة، لكنها تتمتع بألسنة لا تستحي، وحين لا يستحي اللسان فانه يكون بارعاً في الأكاذيب.

بعد خمسة عشر عاماً من تجربة الحكم، لا يعرف القادة السياسيون لماذا يتفقون ولماذا يختلفون؟ والأشد مرارة أنهم لا يعرفون كيف يبررون فعلتهم المرة بعد المرة.
هكذا الحال عند الشيعة ومثلهم السنة وعلى شاكلتهم الكرد، من إسلاميين وعلمانيين، لا فرق ابداً بينهم، فلا رؤية ولا مسؤولية ولا تصور للحاضر والمستقبل، إنما المصلحة الذاتية التي تنظر لأقرب مكسب لتلتقطه قبل ان يمد الآخرون أيديهم.

أنت أيها المواطن، تنتظر منهم الخير، سيطول انتظارك من دون طائل. لا فرق بين هذه الكتلة وتلك، كلها متساوية تقريباً. ولن يحدث التغيير ما لم تمتلك ارادتك وتطلق صرختك.

دع عنك الولاءات والانتماءات، فهذا ما يريدونه منك، لكي تبقى تسير نحو المزيد من الفقر والمرض والجوع، ويصعدون هم على أكداس أموالك المسروقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here