تقرير: سجون العدل تستنزف النزلاء ماديا وتضيق على عوائلهم.. والوزارة تحجب البيانات

سلط تقرير حقوقي، صادر عن مركز عراقي متخصص، الأربعاء، الضوء على ما وصفها بـ “الانتهاكات في سجون وزارة العدل”، مؤكدا أن وتيرتها ارتفعت خلال العام الماضي، وفيما قال إن حوانيت هذه السجون تستنزف النزلاء ماديا، عبر رفع أسعار موادها، تحدث عن رداءة الطعام المقدم في هذه السجون، وافتقارها لأدوية الأوبئة والأمراض القاتلة.

ويعرض موقع NRT عربية، النص الكامل للتقرير، الذي أصدره مركز بغداد لحقوق الإنسان، الذي يتابع ملف السجون العراقية بشكل دوري:

استمرت الانتهاكات في سجون وزارة العدل العراقية وارتفعت وتيرتها خلال سنة 2017، ولم تقف الانتهاكات عند المعتقلين فحسب بل طالت عوائلهم من حيث تعرضهم لتضييق وسوء معاملة أثناء زيارات المعتقلين الدورية واستنزافهم مالياً بسبب ارتفاع أسعار المواد التي تبيعها الوزارة للمعتقلين عبر حوانيتها الرسمية في السجون مما يضطر العوائل الى تزويد ذويهم المعتقلين بمبالغ كبيرة كل شهر لتمكينهم من شراء احتياجاتهم الأساسية من الحوانيت في ظل استمرار الوزارة بمنع العوائل من إدخال المواد الغذائية والملابس والأدوية للمعتقلين وتردي وقلة الطعام الذي توزعه الوزارة للمعتقلين، وعدم توفير الأدوية الضرورية مع انتشار الأوبئة القاتلة والأمراض في جميع سجون الوزارة، ولم تقدم السلطات العراقية منذ الدورة البرلمانية الحالية وتشكيل حكومة السيد العبادي على أية خطوة جدية لإيقاف الانتهاكات المستشرية في السجون ولا التقليل من حجمها وخطورتها على أقل تقدير.

هذا التقرير يرصد ويوثق واقع سجون وزارة العدل العراقية خلال العام 2017، وقد اعتمد مركز بغداد لحقوق الإنسان في إعداده لهذا التقرير على شهادات معتقلين ومعتقلات، وشهادات عدد من عوائل المعتقلين وعدد من المحامين العراقيين، إضافة الى شهادات منتسبين عدليين وموظفين في شعب الطبابة في دائرة الإصلاح العراقية، وقد تناول التقرير ظروف الاحتجاز والمعاملة في جميع سجون الوزارة، وركز على الشواهد من واقع سجن الناصرية المركزي الواقع في صحراء الناصرية التابعة لمحافظة ذي قار جنوب العراق، وسجن الحوت المركزي (التاجي) شمال العاصمة بغداد، التابعين لدائرة الإصلاح العراقية، لانهما احدث سجون الوزارة انشاء واكثرهما تعدادا، ودائما ما تتحدث الوزارة عن مطابقتهما للمعايير الدولية من حيث الانشاء ومهنية الادارات والكوادر والخدمات والرعاية وواقعهما ينسحب على بقية سجون الوزارة.

والتقرير يتناول واقع السجون في وزارة العدل العراقية خلال عام 2017 بالتحديد، ولا يتناول جميع السجون في العراق من حيث الواقع ولا من حيث عدد المعتقلين، ويؤكد المركزُ وجود عشرات السجون الأخرى (غير سجون وزارة العدل)، منها سجون وأخرى علنية، تتوزع من حيث التبعية بين وزارة الداخلية ووزارة الدفاع وجهاز مكافحة الارهاب وجهاز المخابرات وسجون المعتقلين الأحداث التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، اضافة الى معتقلات أخرى تتبع الى عدد من فصائل الحشد الشعبي المختلفة، وتختلف تلك السجون والمعتقلات بواقعها وتفاصيلها وتعداد معتقليها عن سجون وزارة العدل.

سجون وزارة العدل العراقية:

يقبع في سجون الوزارة المنتشرة في أغلب المحافظات العراقية أكثر من 38 ألف معتقل من الرجال وأكثر من 900 من النساء حسب إحصائيات ومصادر مركز بغداد لحقوق الإنسان، ويوزع المعتقلون من الرجال في سجون الوزارة البالغ عددها عشرين سجناً، وهي: سجن الرصافة الأولى، سجن الرصافة الثانية، سجن الرصافة الثالثة، سجن الرصافة الرابعة، سجن الرصافة الخامس، سجن الرصافة السادسة، سجن محاجر الرصافة 13، سجن الحماية القصوى في الكاظمية، وسجن العدالة الأولى في الكاظمية، سجن العدالة الثانية في الكاظمية، سجن الكرخ (مطار بغداد)، سجن التاجي، سجن البصرة المركزي، سجن الناصرية المركزي، سجن العمارة المركزي، سجن السماوة المركزي، سجن ديالى المركزي، سجن الحلة المركزي للرجال، سجن سوسة، سجن جمجمال.

والنساء في سجن بغداد المركزي للنساء (السايدفور) وسجن الحلة للنساء في مدينة الحلة مركز محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد.

تكتم الوزارة:

تنتهج وزارة العدل العراقية سياسة حجب البيانات الرسمية عن الرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، فتتكتم الوزارة عن حقيقية واقع سجونها وتمتنع عن الاعلان عن الأعداد الحقيقية للمعتقلين وعن حالات الوفيات المتزايدة التي تشهدها بسبب سوء ظروف الاحتجاز وتفشي الأمراض الخطيرة والإهمال الطبي.

الإدارة:

أعلنت وزارة العدل عن قيام الوزير حيدر الزاملي في 18/8/2015 بتعيين (حسين خالد حسين العسكري) مديراً عاماً لدائرة الاصلاح العراقية، بعد أن كان مديراً لسجن الناصرية المركزي، وكان مركز بغداد لحقوق الإنسان قد وثق شهادات لمعتقلين سابقين وعوائل معتقلين اتهموه فيها بارتكاب جرائم تعذيب وسوء معاملة بحق المعتقلين السُّنة وعزوها لدوافع طائفية، وما زال (حسين خالد العسكري) يشغل منصب المدير العام لدائرة الإصلاح العراقية حتى وقت نشر هذا التقرير، وعدد غير قليل من مدراء السجون ومعاونيهم متهمون بانتهاك حقوق المعتقلين وسوء معاملة عوائلهم.

وأعلنت الوزارة تعيين (مرتضى عبد سعدون) مديراً لسجن الناصرية خلفاً للعسكري، ثم قرر الوزير إقالته في نيسان/ابريل 2017، وعين (عبد الله البدري) بدلا عنه، ثم قرر الوزير تنحية (البدري) لأسباب مجهولة بعد ثلاثة أشهر من تسنمه المنصب وتعيين (علي ناصر الأعاجيبي) مديراً للسجن بعد أن كان مديراً لسجن السماوة المركزي في محافظة المثنى. ­

ومدير سجن التاجي هو (نوفل فليح حسن) الذي كان مديراً لسجن الحماية القصوى داخل معسكر العدالة في منطقة الكاظمية ببغداد، ويتهمه معتقلون وذوو معتقلين بارتكاب جرائم تعذيب أدت الى وفاة معتقلين خلال فترة عمله في إدارة سجن الحماية القصوى.

الطاقة الاستيعابية والاكتظاظ:

تعاني جميع سجن الوزارة من حالة الاكتظاظ المتزايد بسبب تزايد الاعتقالات وتأخر القضاء العراقي في حسم ملفات الموقوفين، فزجت وزارة العدل بأعداد من المعتقلين في سجونها تفوق طاقاتها الاستيعابية القصوى، ولم تتخذ الوزارة الخطوات اللازمة لحل هذه الإشكالية الكبيرة.

فسجن الناصرية المركزي يتكون من أَربعة أقسام هي: قسم العدل، قسم الإصلاح، قسم التأهيل، قسم السلام، ويتكون كل قسم من أَربعة أَجنحة مستقلة، يحوي كل جناح 50 زنزانة، حيث يتكون كل قسم من 200 زنزانة، بمعنى أنَّ السجن بجميع أقسامه وأجنحته يتكون من 800 زنزانة، خُصِّصتْ كل زنزانة لمعتقليْنِ اثنين فقط، فالزنزانة الواحدة مساحتها 2 م٢ بضمنها المرافق الصحية.

بينما يتكون سجن التاجي المركزي من خمسة أقسام، الأقسام الأول والثاني والثالث والرابع يتكون كل منها من أربعة جملونات أ ، ب ، ج ، د، كل جملون منها يتكون من طابقين كل طابق يتكون من عشر قاعات، الطاقة الاستيعابية القصوى للقاعة الواحدة هي 15 معتقلاً، والقسم الخامس هو قسم المحاجر الانفرادية ويتكون من مائة محجر انفرادي مخصص كل منها لمعتقل واحد، فبذلك يتكون السجن من 240 قاعة و100 محجر انفرادي.

أمّا في سجن التاجي فإن الطاقة الاستيعابية القصوى لكل قاعة هي 15 معتقلا، لكن العدد في كل قاعة بلغ أكثر من 40 معتقل، والمحاجر الانفرادية المخصصة لمعتقل واحد وصل العدد فيها لستة معتقلين وأكثر، ما جعل عدد المعتقلين في السجن يتجاوز 5500 معتقلا.

أما الطاقة الاستيعابية القصوى لسجن الناصرية فهي 1600 معتقلا، بواقع معتقلين اثنين في كل زنزانة من زنازين السجن البالغة 800 زنزانة، في حين بلغ عدد المعتقلين في الزنزانة الواحدة لأكثر من ثمانية مما جعل تعداد السجن يتجاوز 6750 معتقلا.

قطع المعتقلين عن العالم الخارجي:

لا يتم تزويد المعتقلين حين دخولهم السجن بأية معلومات حول الأنظمة المطبقة على فئتهم وقواعد الانضباط في السجن، والطرق المرخص بها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى، أو أية مسائل أخرى تكون ضرورية لتمكينهم من معرفة حقوقهم وواجباتهم، ولا يعرف المعتقلون داخل سجون الوزارة شيئاً عن العالم الخارجي إلا من خلال زيارات ذويهم الشهرية المحدودة، فلا توفر لهم الوزارة أي من وسائل الاتصال بذويهم، ولا تزود الأقسام والاجنحة السجنية بأجهزة التلفاز ولا الصحف، إذ قررت دائرة الإصلاح العراقية منذ 3 سنوات رفع شاشات التلفاز التي كانت متوفرة في بعض سجونها رغم أَنها لم تكن تعرضُ إلا بثَّ قناة “العراقية” الحكومية.

الطعام والماء:

الحصص الغذائية التي توزعها الوزارة للمعتقلين أَقل بكثير من الحاجة الضرورية إضافة إِلى رداءة النوعية وسوء الإعداد والتقديم، حيث يتم توزيع وجبتين من الطعام فقط في اليوم والليلة، وجبة الإفطار ووجبة الغداء، وعادة ما توزع وجبة الغداء بعد وقت العصر وتوزع باردة، كما تخلو الحصة الغذائية من المواد الضرورية الصحية من البروتينات والخضراوات والفواكه والسكريات التي يحتاجها جسم الإنسان بطبيعته للحفاظ على صحته وقواه، بينما توفر الوزارة مياه صالحة للشرب وبكميات كافية في جميع سجونها، مما يضطر المعتقلين على شراء المواد الغذائية التي يحتاجونها من حانوت السجن.

النظافة والرعاية والصحية:

تفتقر سجون وزارة العدل لأدنى درجات الملائمة للعيش البشري، حيث لا تتوفر فيها مستلزمات النظافة الكافية، مما جعل تلك السجون بيئة خصبة لانتشار أمراض السل والربو وضيق التنفس والجرب والأمراض الجدلية الأخرى والتهاب الكبد، وفي ظل افتقار أغلبها للأماكن المناسبة والكافية لحاجة المعتقلين في التنظيف والاستحمام والاستخدامات الصحية، وتمنع ادارات السجون المعتقلين من ارتداء ملابسهم الخاصة وتجبرهم على ارتداء ملابس توزعها هي، وتعرف بـ (البدلات السجنية) والمصنوعة من أقمشة رديئة جدا، وتكون أقل بكثير من حاجة المعتقلين حيث توزع بدلة واحدة للسجين كل سنة، مما يضطر المعتقلون الى شراء حاجاتهم من الملابس من الحوانيت رغم رداءتها أيضا ورغم غلائها الفاحش، وكذلك شراء الصابون ومساحيق التنظيف.

ولا تتوفر في اغلب السجون التهوية الصحية اللازمة خاصة مع ما تشهده من التزاحم والاكتظاظ والذي يتطلب تهوية أفضل وأكثر من المعتاد، وأجهز ة التكييف (التبريد والتدفئة) أيضا قليلة أو منعدمة في بعض السجون، بينما في بعضها تمتنع الإدارات عن تشغيلها رغم توفرها أو تقوم بتشغيلها لفترة لا تزيد عن أربع ساعات خلال اليوم رغم وصول درجة الحرارة الى 50 في الصيف وانخفاضها الى 3 درجات في فصل الشتاء.

والرعاية الصحية التي توفرها الوزارة في السجون أقل من المستوى المطلوب بكثير ولا تنسجم مع أدنى المعايير الإنسانية، حيث يتم اختيار 30 معتقلا من سجن التاجي في كل أسبوع ويتم نقلهم للعيادة الطبية الداخلية في سجن التاجي، وينقل ما يقارب 50 معتقلا من سجن الناصرية الى العيادات الطبية الداخلية أسبوعياً، وفي السجنين يزودون بالأدوية البسيطة وبكمياتٍ قليلة دون أن تجرى لهم الفحوصات الضرورية الَّلازمة كالتحليلات والأشعة وتخطيط القلب وغيرها، فلا تتوفر في سجون الوزارة خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات، إضافة إلى أن الأدوات والمعدات الطبية والمنتجات الصيدلانية الموجودة في شعبة الطبابة السجنية لا تفي بتوفير الرعاية والمعالجة الطبية اللازمة للمعتقلين المرضي، ولا توفر الوزارة أي من المتخصصين بالطب النفسي في شعبة الطبابة، كَما لا تسمح إِدارات السجون للمعتقلين بالخروج لغرض التعرض لأشعة الشمس (التشميس) إلَّا مرة واحدة في الأسبوع ولمدة لا تزيد عن عشر دقائق، ويقوم المنتسبون خلالها بتقييد أَيديهم وأرجلهم بالقيود الحديدية المعروفة داخل السجون بـ (الرباعية) ولا يُسمح للمعتقلين بممارسة التمارين الرياضية حتى داخل قاعاتهم وزنزاناتهم.

حرية الدين والعقيدة:

تمنع وزارةُ العدل المعتقلين السُّنة في جميع سجونها من رفع الأذان وأداء صلاة الجماعة وأداء صلوات الجمع والعيدين والتراويح، كما تمنع إدخال المصاحف للمعتقلين، وتوفر نسخ محدودة من المصاحف، فتمنع أن يزيد عدد المصاحف في الزنزانة الواحدة في سجن الناصرية عن مصحف واحد، وعن أربعة مصاحف في كل قاعة من قاعات سجن التاجي، وإن عثر على أكثر من هذه النسخ يتعرض معتقلو الزنزانة أو القاعة التي عثر فيها على مصاحف للضرب والسب والشتم، وقد تعرض عدة معتقلين في السجنين للضرب والإهانة بسبب ذلك، بينما تسمح الوزارة للمعتقلين الشيعة في سجونها بإقامة الصلوات والشعائر الجماعية وتسمح لهم بإدخال المصاحف والكتب الدينية، ويجبر المعتقلون السُّنة في أغلب سجون وزارة العدل على الحضور الى محاضرات دينية تقيمها الوزارة داخل السجون يلقيها رجال دين من شعبة الارشاد الديني في الوزارة، وجميع رجال الدين في الشعبة من المذهب الشيعي وأغلبهم ينتمون لـ “حزب الفضيلة الإسلامي” الذي ينتمي له وزير العدل الحالي حيدر الزاملي والوزير السابق حسن الشمري (الذي قام بإنشاء شعبة الإرشاد الديني في بداية تسنمه المنصب كوزير)، بينما الأغلبية الساحقة من المعتقلين هم من السُنة، مما يؤكد سياسة التمييز الطائفي بين المعتقلين التي تمارسها وزارة العدل في سجونها والمخالفة للقوانين الدولية والمحلية.

التفتيش:

تجري ادارات السجون حملات تفتيش دورية (مرة أو مرتين في الشهر)، وفي كل حملة تقوم بإخراج المعتقلين من قاعاتهم وزنزاناتهم الى القاعات الخارجية وتبقيهم بملابسهم الداخلية بداعي التفتيش، وتقوم بإتلاف ومصادرة أغلب أغراضهم وحاجياتهم التي اشتروها بأموالهم من الحوانيت، ثم تقوم بنقلهم الى قاعات او زنزانات أخرى، وجميع حملات التفتيش تجري بطرق مهينة وغير انسانية، وغالبا ما تشهد تعرض معتقلين لضرب بالهراوات والعصي وللنيل منهم ومن مقدساتهم بالسب والشتم من قبل الحراس.

التعذيب وسوء المعاملة:

يتعرض عدد غير قليل من المعتقلين لصور مختلفة من التعذيب، فيتعرضون أحيانا للضرب بالهراوات والقضبان الحديدة والعصي الكهربائية في بعض حملات التفتيش وعمليات اجراء التعداد اليومي، ويجبر بعض المعتقلين على الوقوف على رجل واحدة ورفع اليدين الى الأعلى لعدة ساعات في بعض الأحيان من قبل بعض ضباط وعناصر المناوبات، وغالبا ما يتعرض المعتقلون اثناء نقلهم من سجونهم الى المحاكم أو اثناء نقلهم بين السجون الى الضرب والركل والتنكيل والسب من الحراس، وتبقى أيديهم وأرجلهم مقيدة لأكثر من 10 ساعات متواصلة، فالواقع الغالب على سجون الوزارة هو المعاملة اللاإنسانية والقاسية والمهينة والإساءات المهدرة للكرامة والإكراه البدني والمعنوي للمعتقلين، وتعمد التضييق على عوائلهم والتنكيل بهم أثناء الزيارات الشهرية، ويمنع حراس سجون الحماية القصوى والتاجي والناصرية والبصرة، المعتقلين من الحديث فيما بينهم داخل القاعات والزنزانات، وحتى عند الجلوس لتناول وجبات الطعام يجبرون على أن يسند كل منهم ظهره للأخر، وإذا شاهد الحراسُ معتقلين يتحدثون فيما بينهم يقومون بإخراجهم وضربهم بالهراوات ثم زجهم بالمحاجر الانفرادية.

الزيارات:

يسمح للنساء دون الرجال بزيارة ذويهم المعتقلين في جميع سجون الوزارة وذلك بتخصيص يوم من كل شهر للزيارة في عدد من السجون، وفي العدد الأخر تكون الزيارة كل 45 يوما أو أكثر، وترفض إدارات السجون السماح للعوائل خلال الزيارة بإدخال الملابس والمواد الغذائية والأدوية وباقي المستلزمات للمعتقلين، بينما تسمح الإدارات للعوائل بإدخال الأموال الى ذويهم المعتقلين لغرض شراء احتياجاتهم من الملابس والأغذية والأدوية والمستلزمات من حوانيت السجن.

تبدأ إدارة سجن الناصرية بفتح بوابات الساحات الخارجية أمام عوائل المعتقلين في الساعة 4 فجرا لغرض تسجيل أسماء المعتقلين، حيث تتجمع العوائل عند بوابات الساحات منذ الساعة 2 ليلاً تقريباً، وتبقى بانتظار فتح البوابات والبدء بالتسجيل الى أن تبدأ المواجهات على دفعات في الساعة 10 صباحاً، وذات الأسلوب والطريقة تكون خلال زيارة العوائل لمعتقليهم في سجن التاجي ولا تختلف الا في التوقيتات.

تضطر عوائل المعتقلين خلال الزيارة (في السجنين) الى البقاء في الانتظار وقوفاً طيلة هذه الفترة لأن إدارة السجن لا توفر أماكن للجلوس، كما تضطر العوائل للمشي مسافات طويلة تقدر بأكثر من 4 كم في سجن الناصرية وأكثر من 6 كم في سجن التاجي، ولقطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام من بوابات الساحات الخارجية والى أماكن المواجهة بذويهم المعتقلين في ظل استمرار رفض الإدارة توفير سيارات لنقل العوائل حتى بمقابل أجور يدفعوها.

وبعد كل هذه المعاناة تدخل العوائل الى قواطع الزيارة، وهي عبارة عن ساحات غير مغطاة مقسمة الى قسمين بقواطع مشبكة، الأول للعوائل والثاني للمعتقلين، ويحول بين القسمين ممر عرضه متر واحد معزول هو الأخر بقواطع مشبكة، يتجول فيه الحراس طيلة فترة الزيارة، ويؤتى بالمعتقلين مقيدي الأيدي والأرجل بقيد رباعي لا يفتح أثناء الزيارة اطلاقاً حتى للمعتقلين المرضى ولا لكبار السن، ويرتدي المعتقلون البدلات السجنية الحمراء التي تزودهم بها الإدارة، وتستمر الزيارة مدة لا تتجاوز الـ 15 دقيقة في سجن الناصرية ولا تزيد عن نصف ساعة في سجن التاجي، وتجري الزيارة (في جميع سجون الوزارة) أمام مرأى ومسمع من حراس السجن الذين يحيطون بالمعتقلين وعوائلهم ويتجولون في الممرات الفاصلة بينهم، كما يتعرض عدد من ذوي المعتقلين للسب والشتم بألفاظ بذيئة وسوء معاملة من قبل حراس ومنتسبي السجن خلال الزيارة بالأخص من منتسبات السجنين من النساء أثناء التفتيش، كما يتعمّد بعض الحراس والمنتسبين إهانة معتقلين أمام أنظار عوائلهم بطرق مختلفة.

أما زيارات المحامين للمعتقلين فهي قليلة للغاية بسبب التضييق الشديد الذي تفرضه إدارات السجون عليها، حيث تجري الزيارات على مرأى ومسمع من مجموعة من الحراس والموظفين في السجون، ولا يُسمح بأن تتجاوز الزيارة مدة أكثر من 10 دقائق.

حوانيت الوزير:

فتحت وزارة العدل حوانيت في جميع سجونها بناءً على أمر صادر من الوزير حيدر الزاملي، وتبيع هذه الحوانيت للمعتقلين احتياجاتهم ومستلزماتهم ويدفع المعتقلون مقابلها من الأموال التي يحصلون عليها من عوائلهم اثناء الزيارات الدورية، وتبيع الحوانيت الملابس والمواد الغذائية والأدوية والسلع بأسعار تمثل أضعاف أسعارها في الأسواق العادية، مما يؤكد حجم الاستغلال والاستنزاف المالي وغير الإنساني الذي يتعرض له المعتقلون وعوائلهم، وعلى سبيل المثال سعر “طبقة البيض الإيراني” في الحانوت 10 الاف دينار عراقي، بينما سعرها في الأسواق العادية لا يتجاوز الـ 3 ألاف دينار، وسعر علبة الدبس في الحانوت بـ 5 الاف دينار، وفي الأسواق لا تتجاوز الألف دينار.

وكان معدل عائدات مبيعات حوانيت سجون الوزارة ما يقارب (24.570.000.000) دينار في عام 2017، على تقدير أن 70% من المعتقلين (البالغ عددهم قرابة الـ 39 ألف من الرجال والنساء) تأتيهم مبالغ مالية خلال زيارة الشهر الواحد، وبمعدل 75 ألف دينار لكل معتقل، رغم ان اغلب العائلات تسلم لذويها المعتقلين أكثر من ذلك المبلغ حسب ما تواتر لمركز بغداد لحقوق الإنسان من عدة عوائل.

زيارة اللجان المختلفة للسجن:

قبل وصول أي من اللجان الى سجون وزارة العدل تقوم إدارة السجن المقصود بالزيارة بتهديد المعتقلين بالانتقام منهم في حال إدلائهم للجنة الزائرة بأية معلومات عن حقيقة الواقع في السجن، ووجوب التحدث بإيجابية عن المعاملة والخدمات والرعاية في السجن، وذلك اعتماداً على المعلومات المسبقة التي تُزود بها الإدارة عن توقيت وطبيعة الزيارة واللجنة الزائرة، لذلك لا يتمكن المعتقلون من الإفصاح عن الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة وأن اللجان التي تزور السجون تكون برفقة قوة عسكرية من القوات الخاصة “سوات” إضافة الى مجموعة من موظفي وحراس السجن على رأسهم المدير ومعاونيه، وهذا الحال يشمل جميع سجون وزارة العدل وجميع اللجان الزائرة.

أما اللجان التفتيشية الداخلية التي تقدم من الوزارة نفسها فهي زيارات شكلية لا تستمع الى المعتقلين ولا تقف على معاناتهم بل لا تخرج من مكاتب مدراء السجون في أغلب الأحيان، وأخر زيارة أجرتها لجنة تفتيش السجون في دائرة الاصلاح العراقية للسجون كانت لسجن الرصافة الثالثة في بغداد في 2 آب/ اغسطس 2017، ولم تلتق اللجنة خلال الزيارة بأي من المعتقلين.
بينما وزير العدل السيد حيدر الزاملي لم يجري أي زيارة لأي من سجون وزارته خلال عام 2017 لمقابلة المعتقلين ولسماع معاناتهم والوقوف على حقيقة الواقع في سجونهم، واقتصرت زياراته للسجون على الإعلان عن حملات الإعدام في سجن الناصرية المركزي، ولحضور الاحتفالات التي تقيمها ادارات السجون في مناسبات مختلفة.
التوصيات:
تشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب العراقي ورئاسة الوزراء والادعاء العام والمفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان وتشترك فيها المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان، لإجراء زيارات مفاجئة للسجون دون ان تصطحب معها إدارات ومنتسبي السجون للاستماع لمعاناة المعتقلين ومعرفة ما يجري عن قرب.
استجواب السيد وزير العدل “حيدر ناطق الزاملي” في مجلس النواب العراقي لكشف أسباب انتكاس واقع حقوق الانسان في سجون وزارته، والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون وعوائلهم، وتردي وقلة الطعام المقدم للمعتقلين في ظل وجود تخصيصات مالية كبيرة للغاية وأسباب عدم التزام الشركات المتعاقدة بالشروط والمعايير المتفق عليها في عقد إحالة تزويد السجون بالطعام، إضافة الى كشف تفاصيل ملف الحوانيت السجنية المفتوحة بأمر الوزير ومآلات عائداتها الضخمة.
عزل الإدارات والمنتسبين والحراس المتهمين بانتهاك حقوق الانسان وتقديمهم لتحقيق حقيقي منصف، واسناد ادارات السجون لأشخاص مهنيين مختصين يحترمون حق الانسان وكرامته.
الإسراع بحسم ملفات المعتقلين بمحاكمات غير موجزة تتوفر فيها ضمانات العادلة، وإطلاق سراح من لم تثبت إدانته منهم، وتقديم من تسبب في اعتقاله وتأخير إطلاق سراحه الى القضاء.
العمل على توفير زيارات دورية لذوي المعتقلين تتوفر فيها المعايير الإنسانية وانهاء سياسة التضييق والإهانة التي يتعرض لها ذوو المعتقلين اثناء الزيارات.
اتخاذ الخطوات الكفيلة بإنهاء حالة الاكتظاظ في السجون وتوفير الأماكن والأطعمة والألبسة والرعاية الصحية الكافية للمعتقلين وفقا للمعاييـر الإنسانية المعتبرة.
انهاء سياسة الانتقائية الطائفية في التعامل مع المعتقلين، وتمكين المعتقلين كافة من ممارسة طقوس وشعائر دياناتهم ومذاهبهم المختلفة وفقا للقوانين الدولية والمحلية.
مركز بغداد لحقوق الإنسان
31/1/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here