الكورد و البعد الاستراتيجي

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
4/2/2018

مما لا شك فيه ان الكيانات السياسية و حتى الاجتماعية بين الدولة و الاسرة و حتى المنظمات الحكومية و غير الحكومية و من اجل ان تكون عملها وفق سياق معلوم و يسير في الطريق الصحيح لتحقيق اهدافه ،لا بد و ان تعتمد على خطة او استراتيجية معينة تأخذ الامكانات المادية و البشرية المتاحة بنظر الاعتبار مقارنة بحجم الاهداف مع تحديد الوسائل و الاساليب اللازمة ، و الفترة الزمنية المطلوبة للوصول الى تلك الاهداف , و عليه فأن الاهداف تنقسم الى نوعين و ربما اكثر و هي الاهداف القريبة المدى و البعيدة المدى، و يجب ان يكون تحقيق الاهداف القريبة في مصلحة و خدمة الاهداف البعيدة ،و ان لا تنتاقض معها ، و إلا ستتشتت الجهود و يعرقل الوصول .
و استناداً الى ما ذكرناه ، فأن الدول و المؤسسات الاخرى ترسم استراتيجيتها تحقيقاً لمصالحها ، و هذه الاستراتيجية تختلف من دولة الى اخرى ، و من وقت الى اخر داخل الدولة الواحدة استناداً الى متطلبات المرحلة و البيئة الداخلية و الظروف الخارجية و هي تحتاج الى مراجعة مستمرة .
ان استراتيجيات الدول العظمى التي تلعب دوراً كبيراً في صنع القرارات الدولية تختلف عن استراتيجيات غيرها من الدول استناداً الى مطامعها و مصالحها و تحالفاتها و حلفاءها و مشاركتها و عضويتها و حجم قوتها الاقتصادية و السياسية و العسكرية ، و مدى تأثيرها و تأثرها في المحيط الدولي خارج حدودها .
ان الفكرة السائدة في درج الاستراتيجيات العليا للدول ، تكمن في مدى قدرتها على التأثير في المحيط الخارجي من اجل تأمين داخلها ، لذا فأن هذه الدول تملك ابعاداً استراتيجية خارج حدودها و تمارس سلوكها بين دعم دولة او جماعة او حزب و محاربة اخرى .
و لكن السؤال الذي يفرض نفسه الى أي مدى تستطيع الدول الصغيرة او الجماعات و الاحزاب ان تنسق و تنسجم برؤيتها ، و افكارها مع استراتيجية الدولة التي تدعمها و تجعل من نفسها جزءاً مهماً ضمن استراتيجية هذه الدولة ، و الى أي مدى تستطيع الدولة الكبيرة ان تضحى بها من اجل مصالحها اذا ما تناقضت مع اهدافها او انها لا تستوفي شروط دعمها ، لأن هذه الكتل الصغيرة من الاحزاب و الجماعات غالباً ما تكون ضحايا الاتفاقات و تصفية الحسابات بين الدول الكبرى .
إن ما تعرض اليه الشعب الكوردي و لا يزال يتعرض له بين القتل و الدمار و النشر ناهيك عن حرمانه من الكيان السياسي المشروع له ، و في كل اجزاء كوردستان , وان اخفاق الكورد من تحقيق طموحاته المشروعة من جانب و حماية نفسه من هجمات الاعداء بين فترة و اخرى منذ اتفاقية سايكس بيكو و ما تلتها من احداث ، يفرض سؤالاً مهماً ، وهي هل ان الدول العظمى لا ترغب في دمج الكورد ضمن استراتيجياتها ام ان الكورد غير قادرين على فرض انفسهم كجزء مهم من استراتيجيات هذه الدول ، و لا يمكن الاستغناء عنهم ، ام ان الدول الاقليمية تستطيع ان تلعب دورها ضمن استراتيجيات الدول الكبرى بحيث يمكن التضحية بالكورد في سبيل مصالحها .
ان معاداة المجتمع الدولي او على الاقل عدم تأييده للاستفتاء الكوردستاني الذي عبر من خلاله عن تطلعاته في 25/9/2017 ، و ما تلته من احداث و دخول القوات العراقية بمباركة المجتمع الدولي في غالبه ، و اخيراً و ليس اخراً ، انسحاب القوات الروسية من عفرين و افساح المجال للقوات التركية بقصفها و محاولة الدخول اليها ، و التصريح الروسي بأن تحالفهم مع الاكراد لم يخرج من اطار اتفاقية و لم ترق الى كونهم بعداً استراتيجياً لسياستها في سوريا ، و الموقف الامريكي المتفرج نوعاً ما ، بالاضافة الى ان دعم المجتمع الدولي للكورد في ايران و تركيا لم تصل الى مستوى يمكن الاحساس بأنهم بعد استراتيجي في سياستهم تجاه المنطقة بل العكس هو الصحيح , حيث يمكن لهذه الدول ان تضحي بالقضية الكوردية من اجل ارضاء الدول الاقليمية وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً ، و نعتقد بأن هذا يعد خللاً عقيماً في جسم القضية تحتاج الى اعادة النظر و الدراسة المعمقة في سبيل اصلاحها لكي يضطر الدول العظمى الى الاعتماد عليهم ، و جعلهم بعداً استراتيجياً في سياساتهم تجاه المنطقة و إلا سيكون الاتي من الاحداث و المأسى اكثر فتكاً و اعمق اثراً و الاجيال القادمة ستلوم و تلوم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here