هل الوقت مناسب لمحاربة الفساد ؟!

محمد عبد الرحمن
احد السادة النواب المتنفذين أعلن قبل مدة ان “الوقت غير مناسب لبدء حملة ضد الفساد”. ولا نعرف بالضبط وعلى وجه التحديد، أية رسالة أراد النائب ان يوجهها. وبعيدا عن الظنون، وبعضها إثم، فضلنا اثارة مجموعة من التساؤلات ذات العلاقة بهذا التصريح المثير. فنقول: هل هي خطوة استباقية للمثل القائل (والامثال تضرب ولا تقاس كما يقال): يكاد المريب يقول خذوني؟ ام ان صاحبنا أراد ان يطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي تأجيل الحملة ضد الفساد، التي كرر الإعلان عنها ورفع مؤخرا من وتيرة التصريحات بشأنها.. تأجيلها الى ما بعد اجراء الانتخابات، والفوز بالمقعد المنتظر في مجلس النواب وما يوفره من حصانة برلمانية ؟!
لكن علينا ان نكون منصفين، فالسيد النائب قال في تصريحه الى وكالة خبرية محلية ان حملة ناضجة ضد الفساد تتطلب مجموعة من الشروط والمستلزمات، هي حسب قناعته غير متوفرة في ظروف بلدنا الحالية. وهذا كلام تردد كثيرا على ألسنة المتنفذين، وبدا للعديد من المتابعين انه كلام حق يراد به باطل.
وتوخيا للدقة في النقل فان تصريح النائب حمل كلاما مهما. حيث قال ان على العبادي إن أراد البدء بمحاربة الفساد، ان يبدأ “بنفسه وحزبه “. والعهدة هنا على الوكالة ناقلة التصريح.
لا جدال في ان الفساد ضارب اطنابه في كل مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وانه تمدد للاسف، الى شرائح في المجتمع. ولكننا حتى الآن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. فالمسؤولون يكثرون من التصريحات عن وقوفهم بحزم ضد الفساد، ويدعون ان ذلك من أولويات برامجهم الانتخابية، بل ويكادون يغطون في تصريحاتهم على مواقف القوى الوطنية وحتى يزايدون عليها.
هذه التصريحات وغيرها من المواقف، بما فيها اعلان النائب المتنفذ، تثير الكثير من الأسئلة التي ما زالت تبحث عن اجابات، ومنها مثلا: من الذي منع المتنفذين، وهم في الحكم أكثر من ١٣ عاما، من تهيئة الظروف للحؤول أصلا دون استفحال الفساد بأشكاله المتنوعة؟ وماذا فعلوا للحد منه بعد أخذ الطابع الكارثي المدمر الراهن ؟! والاهم هو: هل ان الجماعات المتنفذة جميعا حصنت نفسها ضد الفساد والمفسدين، ام انها هي نفسها تحولت الى جلد سميك يغطي موبقاتهم ؟!
بالاستناد الى ما تعلنه هيئة النزاهة من اسماء بين فترة واُخرى، والى الاحكام التي تصدرها المحاكم العراقية، يلاحظ ان الغالبية الساحقة من المتهمين بالفساد مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بالمتنفذين على اختلاف أسمائهم وعناوينهم. وهذا مؤشر قوي على تهافت اعلان هذه الجماعات أنها تقف ضد الفساد، فضلا عن التصريح المثير للنائب الذي لا يرى ان الوقت مناسب لمجرد بدء حملة ضد الفساد(!)
فمتى يأتي الوقت المناسب والمتنفذون ماضون في ذات النهج وذات التفكير والإدارة الفاشلة، التي لم تفاقم الفساد فقط، بل وجلبت لنا بفضله القاعدة وداعش والقلق الكبير من ان يأتي غيرهم إن استمرت الأحوال والوجوه على ما هي عليه، وغيرها من المآسي والكوارث .
ان التصدي للفساد في بلادنا لا يحتاج الى حملة فقط، بل الى إرادة قوية وصادقة في محاربته، تعتمد منهجا متكاملا في جهدها، وان تسند المهمة الى شخصيات وطنية ومهنية كفؤة، لا تتردد في ان تقرن أقوالها بالافعال، وتحرص على أموال الشعب ولا تفرط بها مهما كانت الظروف.
وللأسف ورغم ما يعلن من ارقام عن استرداد أموال سرقت او نهبت سابقا، فإنها تظل الكتلة الظاهرة من جبل الجليد الغاطس، وما خفي كان اعظم، خصوصا تلك الملفات الكبيرة التي يحذَرُ الكل من الاقتراب منها، ويزداد الحذر والتردد في وقت الانتخابات حرصا على مواقع سلطوية تقف على رمال متحركة.
أخيرا نخاطب السيد النائب المتنفذ قائلين ان محاربة الفساد تأخرت كثيرا، وقد وصل السيل الزبى، وان المواطنين والحركات الاحتجاجية لن ينتظروكم، لان صبرهم يكاد ينفد.. ان لم يكن نفد بالفعل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here