بغداد ــ كرم سعدي 18 فبراير 2018
ليس مستغرباً مشاهدة لافتة معلقة على جدار بيت أو في شارع بالعاصمة العراقية بغداد، تعلن عن قابلة مجازة في التوليد، على الرغم من انتشار المستشفيات الحكومية والخاصة المعنيّة في هذا المجال. وهؤلاء القابلات يتركّزن غالباً في المناطق الشعبية، وقد ارتفع عددهنّ من جرّاء الأوضاع الأمنية غير المستقرّة التي تمرّ بها البلاد منذ الغزو الأميركي في عام 2003.
ويُطلق على القابلة المجازة من قبل الجهات الرسمية ذات الصلة اسم “القابلة المأذونة”، إذ باتت القابلات في الآونة الأخيرة يملكنَ خبرة كبيرة في المجال الصحي وليس فقط في ما يتعلق بالتوليد وتبعاته. وتقول في السياق القابلة المأذونة أم علي لـ”العربي الجديد” إنّه “من الضروري وجود قابلات متمرسات في الأحياء”، مؤكّدة أنّها ساهمت في إنقاذ حياة كثيرات من الموت. تضيف أم علي: “لا أجد الراحة في ليال كثيرة، بسبب عملي. أحياناً، أستدعى من قبل عائلة وأبقى لديها أراقب امرأة على وشك الوضع”. وتتابع أنّ “حالات الحمل لا تكون كلها طبيعية، فثمّة حالات صعبة جداً وتحتاج إلى متابعة مستمرّة، في حين يصعب نقل المرأة الحامل يومياً إلى المستشفى لمتابعة حالتها. لذا، تكون مراقبتها في بيتها أكثر سهولة من قبل قابلة متمرسة”.
و”القابلة المأذونة” مهنة كادت تنقرض لولا ظروف العراق الأمنية الحساسة، وهو ما تؤكّده القابلة المأذونة فاطمة العزاوي التي تشير إلى أنّها تعلّمت المهنة بعد انتسابها إلى دورة تمريض ثم دورة تخصصية في التوليد في عام 1978. تضيف فاطمة لـ”العربي الجديد” أنّ “عمري كان حينها 18 عاماً. كنت أبحث عن عمل لأساعد والدي الذي كان يعاني من مرض في القلب. وبعد نجاحي في دورتين تدريبيتين، عملت بمعية قابلة مأذونة، وبعد خمسة أعوام تقريباً صرت أعمل بطريقة مستقلة”.
إعلان في أحد الأحياء الشعبية |
وتوضح فاطمة أنّ “عمل القابلة المأذونة كاد ينتهي في العراق، خصوصاً في بغداد، منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بسبب انتشار المستشفيات التخصصية والتطوّر الكبير الذي شهده القطاع الصحي في البلاد، لكنّ استمرار الحرب مع إيران في حينها (1980 – 1988) أوقف خططا تنموية عدّة في هذا القطاع بعدما صار القطاع العسكري يأخذ النصيب الأكبر من ميزانية الدولة”. تضيف أنّ “الحاجة إلى قابلات بدأت تظهر بشدّة في تسعينيات القرن الماضي، على خلفية الحصار المفروض على البلاد. فشهد القطاع الصحي كله انتكاسة كبيرة بسبب نقص في المعدات وعدم تأهيل المراكز الصحية والمستشفيات، فضلاً عن أنّ تكلفة القابلة أقلّ بكثير من تكلفة المستشفيات”. وتشير فاطمة التي تقترب من ستينياتها، إلى أنّ “الفترة الأصعب التي عرفتها في مهنتي كانت بين عام 2003 وعام 2009”. وتوضح أنّه “بعد احتلال بلدنا، توقفت مستشفيات عدّة عن العمل بسبب أعمال السلب والنهب التي طاولت المؤسسات الحكومية ومنها المستشفيات، فأصبحت القابلة لا تجد وقتاً للراحة وتحوّلت منازل القابلات إلى ما يشبه مراكز توليد مصغرة. ورحت أستعين ببناتي لكي يساعدنني في العمل”. وعلى الرغم من إعلانها ترك المهنة بحثاً عن الراحة بعدما قضت فيها نحو أربعين عاماً، فإنّ فاطمة تؤكد أنّ “نساء كثيرات ما زلن يطلبنَ استشارتي، وإن كنّ تحت إشراف طبيبات متخصصات”.
إعلان آخر في حيّ شعبي آخر |
من جهتها، تقول القابلة المأذونة سعاد الشيخلي لـ”العربي الجديد” إنّ “وجود قابلات مأذونات في الأحياء الشعبية الفقيرة دليل حاجة سكان تلك الأحياء إليهنّ”، مشيرة إلى أنّها تتقاضى بدلاً متدنياً مقابل ما تقوم به، وأحياناً تؤدّي عملها من دون أن أيّ مقابل. تضيف أنّ “ثمّة عائلات فقيرة جداً، أعرفها إذ تسكن في الحيّ حيث أعيش وأقدّم لأفرادها كلّ ما يحتاجونه من رعاية صحية من دون مقابل”.
وسعاد التي أمضت في هذه المهنة نحو 20 عاماً، تخبر أنّها تطوّر إمكاناتها دائماً، “فأنا أشارك باستمرار في دورات متخصصة، وقد صرت من خلالها أملك خبرة في علاج الحروق ومداواة الجروح ورتقها وكلّ ما له علاقة بالإسعافات الأولية”. تضيف: “لقد حوّلت إحدى غرف منزلي إلى عيادة مصغّرة، فيها سرير مع كمية كافية من الأدوية والعلاجات المختلفة. فأهل الحيّ يفضّلون أن أعالجهم أنا بدلاً من التوجّه إلى عيادات حكومية أو أهلية، وذلك لأسباب عدّة”. وتشرح أنّ من تلك الأسباب “المسافة القريبة، وثقتهم بي، ولأنّني أستوفي بدلات بسيطة ومن لا يملك المال أعالجه مجاناً، فضلاً عن أنّني أستقبل من هم في حاجة إلى علاج ما في أيّ وقت يشاؤون”.
وعن عملها الرئيسي في توليد النساء، تقول إنّ “حالات خطف عدّة لمواليد جدد وقعت في مستشفيات حكومية، الأمر الذي راح يرعب المواطنين. وهذا سبب يدعو البعض إلى تفضيل الولادة على يد قابلة مأذونة داخل عيادتها الخاصة، التي تكون غالباً داخل بيتها أو وسط الأحياء السكنية”.